نبدأ الآن في مناقشة وتأصيل الأفكار التي وُرِدَت في المقدمة؛ ونبدأ الكلام عن أحد أهم الركائز الأساسية في عقيدة عودة المسيح وهرمجدون..
عودة المسيح (2) | البروتستانت والإنجيليون ومقدمات التأسيس للوجود الصهيوني
(بقلم / مولانا العارف)
مارتن لوثر - مؤسس البروتستانتية |
مقدمة
بعد عرض المقدمة
في المقال السابق: عودة المسيح – هرمجدون ونهاية التاريخ
نبدأ الآن في
مناقشة وتأصيل الأفكار التي وُرِدَت في المقدمة؛ ونبدأ الكلام عن أحد أهم الركائز
الأساسية في عقيدة عودة المسيح وهرمجدون..
وكي نفهم هذه العقيدة
جيدا؛ علينا اعتبارها كطائر له جسد (هو العقيدة نفسها)، وجناحين أيمن (اليهود) وأيسر
(البروتستانت الإنجيليين).. هذا الطائر يطير في رحلة تاريخية، إلى أن يحط في نهاية
هذه الرحلة على أرض الميعاد، ليبدأ
التأسيس لمرحلة نهاية التاريخ.
سيتركز هذا
المقال على عدة نقاط؛ وهي كالتالي
أولا
البروتستانت..
من هم؟
النشأة و
التاريخ!!
الأعداد
والغايات!!
الأفكار
والمعتقدات؟!
وما الفارق
بينهم وبين باقي الطوائف المسيحية؟!
ثانيا
الإنجيليون بصفتهم
سادة التيار البروتستاني، وقادة اليمين المسيحي واليمين المُحافظ..
الجمعيات
والمؤسسات التابعة للفكر الإنجيلي، وتأثيرها الديني والسياسي على الحُكْم والسياسة
الدولية العالمية!!
لكن قبل البدء
في الكتابة عن البروتستانت؛ لابد من إلقاء نظرة تاريخية سريعة على المسيحية،
وتاريخ فرقها الكُبرى.
سيتم اختصار الحديث ليكون عن النبذة التاريخية فقط؛ دون الدخول إلى العقائد إلا بما تقتضيه الضرورة، فنحن لسنا بصدد نقاش ديني خالص، وإنما بصدد معرفة الفكرة الدينية التي تم بناء العقيدة السياسية الحالية للبروتستانت الإنجيليين عليها.
الاضطهاد الروماني للمسيحيين حتى تدخل قسطنطين
الامبراطور الروماني قسطنطين العظيم |
بعد رَفْع (المسيح
عليه السلام) إلى السماء (بحسب المُعتَقَد الإسلامي)، أو الصَلْب (بحسب المُعتقد
المسيحي)؛ دخلت المسيحية (الدين الجديد الناشئ) مرحلة من الصراعات القوية والضخمة
مع الدولة الرومانية الوثنية، وأيضا مع اليهود..
حدث اضطهاد كبير
وضخم للمؤمنين بالمسيح على أيدي السُلطات الرومانية، وبإيعاز من اليهود؛ للقضاء على
الدعوة الناشئة التي تسحب بساط الريادة الدينية السماوية من أيدي اليهود إلى أيدي أتباع
(المسيح عليه السلام).. إذ لم يكُن في الأرض وقتها دين سماوي له كتاب سوى ديانة
بني إسرائيل أو اليهودية.. وكانت باقي الأرض عبارة عن أديان وثنية أو خُرافات.
حدث نزاع
واضطهاد ديني لكل أتباع (المسيح)، وبسبب هذا الاضطهاد وتلك الحرب الضروس، لم تستقر
المسيحية كعقيدة ودين وتعاليم إلا مع بداية القرن الرابع الميلادي؛ بعد إصدار "قسطنين"
ميثاق التسامح (311م – 313م)، واعتناقه المسيحية.. إلا أنه بسبب تشتُّت أنصار (المسيح)،
وعدم وجود قيادة جامِعة لهم، ظهرت الكثير من البِدَع والمُحْدَثات داخل العقيدة
المسيحية، إلى أن قرَّر "قسطنطين" حَسْم الجَدَل، وأَمَر بعقد مجمع
المسكوني (نيقية 325م)؛ وذلك بحضور 1048 أسقف، وتم إقرار أول عقائد المسيحية
الحالية (ألوهية المسيح)، و(رفض فكرة آريوس ببشرية المسيح)..
انقسام الكنيسة
مجمع نيقية الأول |
هذه العقائد
كانت مَحَل جَدَل رهيب خلال القرون الثلاثة الأولى لميلاد (المسيح عليه السلام)،
ثم تلى ذلك مجمع (أفسس 431م) الذي لفضت فيه الكنيسة الشرقية فكرة "نسطور"
بأن المسيح ذو طبيعتين؛ (لاهوتية، وأخرى ناسوتية)، وأقرَّت أنه له طبيعة واحدة، ومشيئة
واحدة..
بعد ذلك مجمع (خلقدونية
451م)؛ وأُقِرَّ فيه أن المسيح إله اتحدت فيه الطبيعتين؛ اللاهوتية والناسوتية، وصار
طبيعة واحدة..
بعدها حدث
انقسام الكنيسة الشهير فتحولت إلى كنيسة شرقية (طبيعة واحدة مشيئة واحدة)، وكنيسة
غربية (طبيعتين ومشيئتين).. من هنا بدأ ظهور أول طائفتين من المسيحية؛ الكاثوليك
والأرثوذكس.
مارتن لوثر وظهور البروتستانتية
استمر هذا الوضع؛ كنيستين كبيرتين؛ هما الكاثوليكية (غربية)، والأرثوذكسية (شرقية)، إلى أن جاء العام 1517م، وتحديدا في 31 أكتوبر، وهو التوقيت الذي يعدّه المؤرخين التاريخ الحقيقي لظهور البروتستانتية.. قام أشهر رجال البروتستانت وواضع المذهب الديني الجديد "مارتن لوثر" باعتراضه ورفضه للكثير والكثير من تعاليم وأفكار الكنيسة الكاثوليكية.. ظهرت حركة الإصلاح البروتستانتي تحديدا في أوروبا ضد الكنيسة الكاثوليكية وسلطات الباباوات.
"مارتن
لوثر" ؛ الكاهن المسيحي الكاثوليكي الألماني ظهر مع مذهبه (اللوثرية) في نفس توقيت
ظهور جون كالفن (الكالفينية)، ونفس توقيت ظهور "هولدريخ زوينكلي".
جون كالفن |
ينسب البعض لفظة
(البروتستانتية) إلى كلمة Protest أي الاعتراض والاحتجاج، وكان سبب ظهور هذه الحركة هو استفحال الكنيسة الكاثوليكية وطغيانها الشديد
على أتباعها، وقسوة حُكمها، وانفرادها بكل ما يخص حياة المنتمين لها، مع التعسُّف
بشكل مرعب في استخدام سلطاتها، وسلطانها الديني والسياسي والاقتصادي؛ مما دفع
الكثير إلى الهروب من هذا الاضطهاد الكَنَسي المُرعِب إلى اعتناق المذهب
البروتستاني، أوَّل ما نادي به "مارتن لوثر".
أشهر الاعتراضات التي نادت بها البروتستانتية
رفض صكوك
الغفران
رفض عِصمَة
البابا
لا عِصمَة إلا
للكتاب المُقَدَّس فقط (التوراة والإنجيل)
لا آراء آباء،
ولا مَجامِع
رفْض السُلطة
المُطلَقة للكنيسة
انكار الاعتراف
انكار أسرار الكنيسة
السبعة
استقرار البروتستانتية
بذلك؛ تجد أن
البروتستانتية تختلف وبشدة مع كل من الأرثوذكسية والكاثوليكية في كثير من التعاليم
والمعتقدات.. (سنخبرك عن ذلك لاحقا).
منذ هذا التاريخ؛
أصبحت البروتستانتية أحد فِرَق المسيحية الكُبرى عالميا، بعد صراع مرير مع الكنيسة
الكاثوليكية، وإراقة دم ملايين البشر الذين قُتِلوا في تلك الصراعات، وحروب لم
تنتهِ إلا بعد توقيع معاهدة (وستفاليا 1648م) أو (صُلْح إنهاء حرب الثلاثين
الرومانية، وحرب الثمانين الإسبانية الهولندية).
بعد هذا التاريخ؛
استقرت البروتستانتية، وأصبحت ديانة دول وشعوب كاملة في أوروبا وأمريكا؛ أي أنها
اقتسمت أوروبا والغرب مع الكنيسة الكاثوليكية.
أهم عقائد البروتستانتية
المسيح وحده الإله
المُستَحِق للعبادة دون واسطة من قديسين أو بابوات (أساقف الكهنوت)..
الكتاب وحده
(تفسير الكتاب المقدس شخصيا)، وإنكار عِصمَة المجامع والقوانين الكَنَسِيَّة..
الإيمان وحده؛
فكل مؤمن قسِّيس، ويستحق رضا المسيح (يرفضون الغفران بالأعمال، أو عن طريق قِس
ومطهر)..
النِعْمَة وحدها
(النجاة بالمسيح فقط)؛ فمجرد الإيمان بالمسيح هو النجاة والخلاص، دون الحاجة إلى
العمل أو التَوْبة، لأن المسيح قد عوَّض ذلك بالموت على الصليب..
الحُكْم الألفي
للمسيح؛ (عودة المسيح وحُكم الأرض ألف سنة سعيدة قبل يوم القيامة - عكس مُعتقد
باقي المسيحيين على وجه الأرض من كاثوليك وأرثوذكس)..
هذه نبذة عن
العقائد البروتستانتية، والتي تُخالف في أغلبها - إن لم يكن كلها - عقائد باقي
الطوائف المسيحية.
الخلاصة؛ أن
البروتستانتية تتفق مع باقي المسيحية في الإيمان بالمسيح، وهذه نقطة الاتفاق الوحيدة
بين كل طوائف المسيحية.
أهم فِرَق البروتستانتية
يقع داخل
البروتستانية خلافات كبيرة جدا أوجدت عشرات الفرق والكنائس البروتستانتية؛ أشهرها
وأكبرها على الإطلاق:
المشّيحيون - الجمهوريون
- الأسقفيون – الميثوديون – اللوثريون - المعمدانيون
أما عن أماكن وأعداد
البروتستانت في العالم؛ فهي كالتالي:
يُمثل
البروتستانت حوالي 800 مليون إنسان، يتوزعون على دول العالم؛ (170 مليون منهم في
أمريكا الشمالية، و160 مليون في إفريقيا، و120 مليون في أوروبا، و70 مليون في
أمريكا اللاتينية، و60 مليون في آسيا، و10 مليون في أستراليا)
وهذه بعض الدول
الكُبرى التي يُعتبر المذهب البروتستانتي هو مذهبها أو مذهب أغلبية سكانها:
سويسرا وهولندا
واسكتلندا وانجلترا وهولندا والدنمارك والنرويج والسويد وألمانيا وأمريكا وكندا وأستراليا
ونيوزيلندا وكوريا وإندونيسيا وجنوب إفريقيا وجامبيا
الإنجيليون والأرض الجديدة
الإنجيليون أكبر الطوائف دعما للرئيس الأمريكي دونالد ترامب |
يمكن تسمية الإنجيلية
بأنها حركة اعتراضية (بروتستانية) على البروتستانتية الأصلية الليبرالية، وهي أيضا
حَرَكة إحيائية، تستلهم الماضي..
يطلق على
الإنجيليين (المولودون من جديد) أو الأصوليون والمحافظون..
تسعى تلك
الطائفة إلى اختراق البروتستانتية الليبرالية، ومن ثَمَّ إعادة تنصيرها بما يتوافق
مع آراء الإنجيليين.
تؤمن تلك الحركة
أيضا بأن المؤمن يخوض نوع من الحروب الدينية، وعليه القيام بمواجهة مُعسكَر الشر،
كما تؤمن بحَرْفِيَّة تفسير الكتاب المُقَدَّس، ولزوم التصدِّي لأي من التفسيرات
الحديثة.
يُعتبر الإنجيليون
امتدادا للبيورتانيين؛ أو التطهيرين.. وهي حركة نشأت في إنجلترا خروجا على الكنيسة
الإنجليكانية، وتتمسك بتعاليم "جون كالفن" أحد مؤسسي البروتستانتية والكالفينية
المضادة تماما للُّوثرية..
الكالفينيون لهم
نظام ديني صارم ومتزمت في التمسك بالأخلاق والدين؛ مع تأثر شديد بالأدب العبري
(اليهودي)، وقاد نادت الحركة بتطهير المذهب البروتستانتي في 1564م من كل أثر
للكاثوليكية..
ونتيجة آراؤهم
هذه، وخروجهم على الكنيسة الإنجليكانية، لاقوا اضطهادا شديدا من الملكة "إليزابيث"
التي أصدرت عدَّة تشريعات هدفها القضاء عليهم وإنهاء وجودهم؛ مما دَفَعَهم للهجرة إلى
أمريكا التي كانت – وقتها - قارة بِكر؛ لا دين فيها ولا مذهب ديني مُعتَمَد، ولا
حاكم.. لذك وجد البيوريتانيون فرصتهم الكبيرة في أمريكا كي يفرضوا آراءهم وأفكارهم
ويمارسوا شعائرِهم؛ بما يتوافق مع مذهبهم واعتقادهم.. حتى أنه وصل الأمر بهم إلى
اعتبار أنفسهم شعب الله المُختار، وأن أمريكا (إنجلترا الجديدة) هي أرض الميعاد (إسرائيل)
التي فروا إليها هروبا من فرعون (إليزابيث) - (قصة موسى وبني إسرائيل مع فرعون في
مصر) ..
من هنا اعتبر
القادمون الجُدد سكان الأرض الأصليين هم القبائل الكنعانية والفلسطينية؛ فأمعنوا
فيهم القتل، كما فعل أسلافهم من بني إسرائيل عند دخول فلسطين؛ فأبادوا أهلها وأهل
القُرى المحيطة بها.
من هنا؛ ستبدأ
قصتنا الجديدة أو مقالنا الجديد عن الإنجليين وإسرائيل..
انتظرونا..
COMMENTS