ومُلخص العثمانية الجديدة هو إعادة (تركيا) الخلافة العثمانية القديمة التي سقطت 1923 إلى الحياة مرة أخرى، ولكن ليست خلافة كما يعتقد البعض

 تركيا حصان الرقعة | أهمية تركيا للنظام العالمي

(بقلم / مولانا العارف)

 تركيا حصان الرقعة | أهمية تركيا للنظام العالمي

على الرقعة: يستخدم كل لاعب كل القطع في الهجوم والضغط على خصمه، فمع كل قطعة يحركها الخصم؛ يحرك الأخر قطعة مقابلة لها وليس شرطاً أن تكون من نفس النوع (بيدق ببيدق)، وإنما قد تكون قطعة مختلفة عن ما حركه خصمه (بيدق بحصان، فيل، بوزير) ولكل قطعة على الرقعة مهمات محددة، أقلها البيدق وأعلاها الوزير والكل له حركات ثابتة ومربعات لا يستطيع تجاوزها، والكل هدفه حماية الملك، ومن أجل ذلك قد يضحي بنفسه في عملية انتحارية من أجل تأمين الملك..

وهكذا فإن لعبة السياسة هي رقعة الشطرنج، كل لاعب يدخل اللعبة وفي ذهنه خطة معينة يلعب بها مع حسابات لرد فعل الخصم، وكل لاعب يسعى لهدم خطة الخصم، عن طريق نقلة بقطعة مميزة أو عادية؛ تُرْبِكْ خطة خصمه، وكل لاعب ينتظر نقلة خاطئة من الأخر لكي يضغط بها، هكذا هي اللعبة على الرُقعة إذا كان الخصمان متكافئان، أمَّا أن تُلاعب صانع اللعبة وواضع قواعدها، ومؤسس رُقعتها فأنت لست في حاجة إلى أن تعترف بخسارتك من قبل أن تبدأ اللعبة، أو تتحرك وقفاً لما أراد صانع اللعبة حتَّى لا تخسر سريعا، وإن كنت ذكياً بما يكفي فعليك إعادة قراءة تاريخ صانع اللعبة؛ حتَّى تفهمه جيداً وفيما يفكر، وما هي غايته النهائية، ومن ثَمَّ تستطيع أن تجاريه في المباراة، أو حتَّى تفوز عليه ببعض الجوالات، أو أن تخسر بشرف. إما أن تنسى كل ذلك، وتخوض اللعبة وأنت يملأك الغرور بقوتك، وتمشي مُختالا زهواً وفخراً بقوتك؛ فتأكَّد أنَّك خاسر لا محالة.

 تحدثنا في المقالات السابقة عن (إيران) و(روسيا) واليوم نتحدث عن (تركيا)، ليس بصفتها لاعب أو خصم ولكن بصفتها قطعة على الرقعة.

تركيا هي حصان الرقعة التي يستخدمها النظام العالمي بشكل ممتاز جدا على الرقعة، يهاجم بها و يدافع بها، ويحمي بها مكتسباته، والذي ساعده في ذلك أن (تركيا) لها مميزات وقدرات كبيرة عن باقي دول العالم وتحديداً دول منطقة الشرق الأوسط التي تقع فيه، أو آسيا وأوروبا التي بها جزء منها.

اقرأ أيضاً: إيران وروسيا | أحجار على رقعة الشطرنج

 الموقع

(تركيا) هي بوابة أوراسيا فلدخول آسيا من أوروبا أو العكس؛ لابد من ختم (تركيا) عليه فهي التي تتحكم في أهم نقاط التماس والمعابر بين أوروبا وآسيا، وهذا كان من أحد الأسباب التي جعلت الغرب يتحد ضدها أيام العثمانية من أجل اسقاطها في آخر أيامها وتقسيم إرثها أو أثناء قوتها وعنفوانها بعقد التحالفات والمعاهدات التي تضمن له رضاء العثمانية عنه.

 العرق

فـ(تركيا) تتميز بأنها أحد شعوب الترك وشعوب الترك هي الشعوب التي تتمتع بخلفية ثقافية تركية وتتواجد في المنطقة من (سيبيريا) إلى وسط آسيا وحتَّى أوروبا الشرقية، وهي مجموعات بشرية كبيرة وضخمة تتمتع بثقافات تكاد تكون متطابقة ولغة واحدة (التركية)، تختلف في بعض اللهجات بحسب المنطقة ولها ما يسمى المجلس التركي الأعلى للدول الناطقة بالتركية وهي (أذربيجان، تركيا، كازخستان، قيرغستان، تركمنستان، أوزراكستان) وأيضاً أعراق كثيرة، مثال على ذلك الآذر والقيرغيز والكازاخ والتتار والقرقيز وأتراك الجمهورية التركية والتركمان والأويغور والأوزبك، بما في ذلك مجمعات الحضارات القديمة مثل الهون والبلغار والكومان (القبجاق) والآفار والسلاجقة والخزر والعثمانيون والمماليك وتيموريون ويعتقد أن الكسنجنو من ضمن هذه الشعوب(ويكيبيدا)، ويقدر عدد أفراد العرق التركي بحوالي 220 مليون نسمة متوزعين على الدول المذكورة أعلاه.

 الصفات

شعوب قليلة الكلام جداً، كثيرة العمل، شخصيات قوية تميل إلى العجرفة، تعتز بوطنها وأرضها بشكل كبير، تعتز بلغتها وقوميتها بشكل غير مسبوق عند أي عرق آخر، المتدين متدين جدا والفاسق فاسق جدا، لا حلول وسط ..الخ

الإسلام في تركيا

معظم الأتراك هم من المسلمين , 97.8%

السنة نسبة85 90% من السكان

 شيعية وعلوي10 – 15 %،

20٪ من المسلمين الأتراك ينظرون إلى أنفسهم كمسلمين أولاً، والمواطنين من الجمهورية التركية في المرتبة الثانية.

80٪ من الاتراك المسلمين يرون أنفسهم كمواطنين أولاً، ويحسبون الدين في المرتبة الثانية، أو الثالثة، أو الرابعة، والبعض علمانيون، ولا يهتمون بالدين على الإطلاق (هذا ما يهم في الموضوع).. النزعة القومية مقدمة على الإسلام

تسيطر الصوفية على الإسلام التركي، فالمذهب الإسلامي التركي وإن كان سنياً غير شيعياً أو علوياً؛ إلا أنه ليس سنياً بالمعنى الحرفى للكلمة بالتزامه باتباع أهل السنة والجماعة والسلفية وإنما سنياً صوفياً، حيث تسيطر المذاهب الصوفية على الحياة الدينية الإسلامية بالكامل في (تركيا)، وأشهرها الطريقة النقشبندية، والطريقة الرفاعية والطريقة المولوية والطريقة البكتاشية.

تأتي النقشبندية على رأس القائمة إذ ينتمي اليها أقوى الأحزاب السياسية التركية على رأسها العدالة والتنمية، وهو الحزب الحاكم في (تركيا) وحزب الوحدة الوطنية..

مما سبق يتضح أنَّ الإسلام في تركيا ذو طبيعة خاصة جداً تختلف عن الإسلام السني المتعارف عليه من حيث تقديم الإسلام وتعاليمه محل القومية والعرقية (عكس الإسلام التركي)، وأيضاً البعد التام عن ما عليه من المآخذ الكبرى في مسألة العقيدة مثل الصوفية بكل طوائفها (عكس الإسلام التركي)، مع رفض العقيدة السنية (السليمة) وهذا غير متوافر في الإسلام التركي، إذ أنه يعتبر وبحسب التتغيرات التي طرأت عليه نتيجة علمانية الدولة، يعتبر أقرب للعلمانية منه للإسلام، حيث تكون فيه الحركة السياسة والعلاقات الخارجية وفقا للمصالح التي تخدم الدولة لا وفقاً لما يخدم الإسلام ذاته، وهذا يتضح بشدة من مواقف "إردوغان" وتحالفاته سواءا في الناتو ومع دول هي بالأساس معادية للإسلام مثل (الصين) والتي تم توقيع اتفاق أخير بتسليم (الإيغور) الصينيين المطلوبين من (الصين)، وليس محل بحثنا هذا الموضوع ولنا وقفة فيما بعد.

الهدف فقط شرح معني و مدلولات لفظ الإسلام التركي الذي استعملته في كلامي هنا، والدور الذي سيلعبه الإسلام التركي في قيادة العالم الإسلامي؛ كبديل للسلام السني بقيادة الدول العربية على رأسها (السعودية) وبديل للإسلام الشيعي بقيادة (إيران)، حيث انتهى دور كلا منهما في الملعب السياسي وكذلك في حياة الشعوب.

ملاحظ بشدة في شعوب المنطقة العربية التي بدأت تميل للإسلام التركي أو النموذج الإسلامي التركي الذي يقدمه "الطيب رجب"، لا نحتاج لكثير من السرد في هذه النقطة، لأنها حاضرة وبقوة في أذهان أغلب الشعوب العربية المسلمة.

العثمانية الجديدة والعثمانيون الجدد

العثمانيون الجدد

العثمانية الجديدة هي أيدولوجيا سياسية تركية تروج في معناها الواسع للارتباط الأكبر بالمناطق التي كانت مسبقاً تحت الحكم العثمانيين.

 اُبتكر المصطلح من قبل اليونانيين في 1974 بعد الغزو التركي لـ(قبرص)، يُستخدم المصطلح لوصف العلاقات السياسية الخارجية لـ(تركيا) بقيادة حزب العدالة والتنمية، تعتبر تحولاً كبيراً مقارنة بالسياسة التركية التقليدية المتمثلة بالأيدولوجيا الكمالية.

يمكن وصف السياسة الخارجية في حكومة تورغوت أوزال على أنها أولى خطوات العثمانية الجديدة، ظلت تتطور إلى أن وصلت إلى شكلها الحالي بواسطة "رجب طيب أردوغان".

 ومُلخص العثمانية الجديدة هو إعادة (تركيا) الخلافة العثمانية القديمة التي سقطت 1923 إلى الحياة مرة أخرى، ولكن ليست خلافة كما يعتقد البعض، إنما هو تتريك للمناطق الإسلامية وغيرها التي كانت تقع تحت حكم الدولة العثمانية القديمة، (الحلم الامبراطوري العثماني المبني على عثمانية وعرقية تركية وليس مبني على الإسلام كأساس له مثل باقي دول الخلافة القديمة)، ويقال أن هذا المشروع ينتهي ويعلن قيام تلك العثمانية الجديدة في الذكرى المئوية لسقوط الخلافة العثمانية 2023 .

كانت هذه نبذه صغيرة عن طبيعة ومميزات (تركيا) التي جعلت النظام العالمي ينظر اليها كحصان على الرقعة العالمية، حسناً يتبقى أن نتعرف سوياً عن ما هي قطعة الشطرنج الملقبة بالحصان وما هي أدوارها ..

اقرأ أيضاً: أصفر | مخلل ما بعد الحداثة

الحصان

هو قطعة من قطع الشطرنج الصغيرة وترمـز إلى الحصان، يتم تمثيلها برأس حصان ورقبته وقيمته النظرية ثلاث بيادق، يتحرك الحصان ثلاث مربعات في كل مرة، ويمتاز دون غيره من القطع بقدرته على التجاوز والقفز فوق القطع الأخرى التي تعترض حركته، وبفضل هذه الميزة يعـد القطعة الوحيدة القادرة على تنفيذ مات الخنق، كمـا يُعتبر الحصان القطعة الوحيـدة التي لم تتغير طريقة حركتهـا عبر الزمـن..

يكون الحصان أكثر فعالية في منتصف الرقعة حيث يمكنه مهاجمة وحراسة العدد الأقصى من المربعات (ثمانية) وتقل فعاليته في حواف الرقعة، يمتـاز الحصان بقدرته على القيام بشوكات ويبلغ فعاليته القصوى حين يحتل مركزاً ويسبب للخصم ضغطاً كبيراً، الحصـان أكثر فاعلية في منتصف اللعب وتقل فعاليته في نهاية اللعب لكون حركته قصيرة ولا يمكنه الانتقال على طول الرقعة بحركة واحدة، غير أنه يعتبر قطعة معيقة جيدة للبيادق التي على أعمدة مفتوحة متجهة نحو الترقية

(ويكيبيديا).

ويمكن من تعريف دور الحصان السابق  على الرقعة وإسقاطه على الدور التركي عالمياً، أن تشاهد أو تجد تفسير لحركة (تركيا) المستمرة، فهي الحصان تتحرك في وسط الرقعة العالمية وتحديداً في وسط العالم القديم أوراسيا، وهي تتحرك للأمام في (سوريا) ثم للخلف في (أذربيجان) ثم تقفز إلى (مالي) في أفريقيا ثم شرقاً في البحر المتوسط..

وتضغط على (روسيا) في (سوريا)، ثم تهرب (روسيا) إلى (ليبيا) فتلاحقها هناك، ولا تكتفي بذلك فتضغط عليها في (القوقاز) وبعد فوزها في حرب (أذربيجان-أرمينيا)؛ تناديها (جورجيا) لتساعدها في دحر الاحتلال الروسي لها، ثم تقفز من منتصف الرقعة إلى أطرافها لتذهب وتضغط على (فرنسا) في (مالي) بعدما ضغطت عليها في (ليبيا).. هكذا تبرع تركيا في لعب حصان الرقعة بامتياز، وهكذا يستخدمها النظام العالمي بما تحلم به ويوفي لها بعض من أطماعها، فبعد ضمها لحلف الناتو وأصبحت ثاني أكبر قوة فيه، ها هو يساعدها للتتخلص من حكم العسكر ويسمح لها أن تتحول إلي دولة مدنية، ثم يسمن رجال الإسلام السياسي (العثمانيون الجدد) لتحقيق حلم العثمانية الجديدة بالتوسع شرقاً وغرباً وإستعادة حكم الأجداد، فيُسكت عنها عندما تتدخل في (سوريا) ويُسكت عنها في (ليبيا) ويصفق لها في (أذربيجان) بل ويطأطأ الرأس وهي تتجاوز كل الاتفاقيات الدولية وتنقب عن الغاز في خارج مياهها الإقليمية مع أن ذلك يضر ويتعدى على حقوق (اليونان) قلب الأرثوذكسية، لكن هكذا اللعبة، إذا أردت أن تستخدم قطعة جيدة لابد من أن توظفها وفق طبيعتها وطبيعة حركتها، وفي النهاية الكل أحجار على الرقعة.