كتاب (الماجريات) | نظرة وتلخيص

إنها قضية الإستغراق الكلّي واستهلاك الوقت والجهد وطاقة الذهن في متابعة ما يجري حولنا من أحداث وجدالات ومهاترات ولا تأثير لنا فيها.

كتاب (الماجريات) | نظرة وتلخيص

(بقلم/ زيتون)

 كتاب (الماجريات) | نظرة وتلخيص

اسم الكتاب: الماجريات

المؤلف: ابراهيم بن عمر السكران

عدد الصفحات: 343 صفحة

التفكير الأفقي

الماجريات.. كتاب لا ينبغي لمن تنبّه لقيمة وقته وعقله أن يفوّته، إسم الكتاب مشتق من [ما جرى] وعليه فإنَّ الكتاب يناقش قضية شائعة خفية في نفس الوقت، شائعة لإنك تجد الكثير من الشباب قد بدا على ظاهره الولوغ في هذا الأمر، لكننا كأفراد نأبى الإعتراف على أنفسنا بنصيبنا من هذه المعضلة.. إنها قضية الإستغراق الكلّي واستهلاك الوقت والجهد وطاقة الذهن في متابعة ما يجري حولنا من أحداث وجدالات ومهاترات ولا تأثير لنا فيها.

وفي مواطن كثيرة من الكتاب -بل في الغالب- ترى المؤلف شديد التأسف على انصراف من كانوا قد اشتغلوا بطلب العلم والتبحّر فيه إلى متابعة الأحداث السياسية والماجريات العامة، وينتهي الأمر بكونهم عوام لا ثِقل لهم فيما يتابعون ولا حول ولا قوة إلا بالله.

يقول المؤلف:

"تقصّي الأنباء اليومية المتدفقة وجدل الناس حولها، وتعقّب مسلسل الشطحات العقدية والشذوذات الفقهية والتقليعات الفكرية التي تتناسل على شبكات التواصل..

والدوران اللاواعي في مثل هذه الدوامة، وخصوصاً عبر الهواتف الذكية اللصيقة، يفضي بالمرء إلى الإنفصال التدريجي عن روح العمل والتنفيذ والإنتاج، والشعور بإن المشاهدة والتعليق هي الحالة الطبيعية التي يعيشها طالب العلم والمصلح" صـ ٨ ـ

وتؤدي حالة الاستغراق هذه في النهاية حسب توصيف الكاتب إلى "إنحلال الدافعية وهبوط العزيمة" ويؤدي إدمان هذا الأمر إلى حالة "التفكير الأفقي" حيث "لا يُبصر إلا الغلاف والقشرة الخارجية من المتغيرات، ولا يعرف إلا المنتج النهائي من التصورات الذي يُقدَم للمستهلك العام، لإنه بكل اختصار غادر معامل الإنتاج إلى رفوف التسوق" 

وقبل البدء في معالجة هذه الظاهرة وتشريحها، وضع المؤلف خمسة تمييزات تحكم الأمر حتَّى لا ينصرف كلامه إلى غير المراد منه وهي:-

1- التمييز بين فقه الواقع والغرق في الواقع.

2- التمييز بين المتابعة المتفرجة والمتابعة المنتجة.

3- التمييز بين المتابعة زمن التحصيل والمتابعة زمن العطاء.

4- التمييز بين توظيف الآلة والإرتهان للآلة.

5- التمييز بين فصل السياسة ومرتبة السياسة.

وعلى الرغم من وضوح رسالة التمييزات الخمس إلا أنَّ الكاتب قد سرد تحت كل عنوان تأصيلات شرعية واستدلالات مهمة يؤكد فيها نفي الإفراط أو التشديد في معالجة هذه المعضلة.

اقرأ أيضا: نجيب سرور | الإمام الناطق في الكتيبة الخرساء

ابراهيم السكران

أصل التسمية

في فصل «المدخل» يتناول الكاتب سبب التسمية وأصله وكيف استخدمه الصالحون من أهل العلم والفقه مثل "ابن خلكان" و"السخاوي" و"ابن تيمية" وغيرهم، و منها الاستدلال بقول شيخ الإسلام بن تيمية: "فإن الإنسان إذا لم يخف من الله اتبع هواه، ولا سيما إذا كان طالباً مالم يحصل له، فإن نفسه تبقى طالبة لما تستريح به وتدفع به الهم والغم والحزن عنها، وليس عندها من ذكر الله وعبادته ما تستريح إليه وبه؛ فيستريح إلى المحرمات من فعل الفواحش وشرب المحرمات وقول الزور، وذكر ماجَرَيات النفس والهزل واللعب ومخالطة قرناء السوء وغير ذلك، ولا يستغني القلب إلا بعبادة الله تعالى" - مجموع الفتاوى 1/54

ثم يتحدث "السكران" عن أثر صحبة «الماجرياتيين» وكيف تُمحق البركة من مصاحبهم ويفسد قلبه "فالإنسان في النهاية يملك كمية معينة من وقود التفكير، فينبغي للمرء أن يكون حاذقا في صرف طاقته الذهنية في المواد المجدية".

ومن أجمل استشهادات "السكران" في هذا الفصل، استشهاده بكلام الإمام ابن القيم حين قال "وانفع الفكر: الفكر في مصالح المعاد، وفي طرق اجتلابها، ودفع مفاسد المعاد، وفي طرق اجتنابها.. ويليها أربعة: فكر في مصالح الدنيا، وطرق تحصيلها، وفكر في مفاسد الدنيا، وطرق الاحتراز منها، فعلى هذه الأقسام الثمانية دارت أفكار العقلاء".

ويستكمل الفصل في الحديث عن بواعث الماجريات ومع الإسهاب في توضيح نماذج سابقة وتحليلات لكثير من العلماء لهذه القضية وخطورتها.

 

كتاب الماجريات

إدمان التواصل الشبكي

في فصل (الماجريات الشبكية) يبدأ المؤلف بالحديث عن إضطراب إدمان الإنترنت IAD كمدخل عام ينطلق منه للنقطة الأهم وهي الإنهماك في متابعة الماجريات الإنترنتيه وتأثير ذلك نفسياً واجتماعياً وكنتيجة له يظهر لنا ما يُسمي إدمان التواصل الشبكي والتصفح القسري، وكيف أنَّ الأمر تحوّل لإدمان له أعراض انسحابية حتَّى وإن كان هذا الإدمان سلوكياً وليس كيميائياً..

إلى أن يصل الكاتب إلى نقطة من أشد النقاط خطورة وهي تحليل سببية الإدمان الشبكي وهل هي (إغراء أم مهرب؟) مشدداً على أنَّ العديد من الدراسات والأبحاث أكدت أنَّ إدمان التواصل الشبكي والاستغراق فيه وفي تفاصيله دون نتيجة؛ هو آلية هروب نفسي للفرار من تعقيدات المهام والمطالب العلمية والعملية ويستشهد بقول أحد الباحثين: "هذا النوع من التفكير المكروب يؤدي إلى استخدام قهري للإنترنت لتوفير آلية هروب نفسي من المشكلات الحقيقية أو المتخيلة". ويشير إلى أنَّ التجارب الشخصية للطلاب يظهر فيها الالحاح النفسي لزيارة مواقعهم المفضلة في أوقات ضغط المهام أو اوقات العبادة ونحو ذلك، ليس لإغراء هذه المواقع، بل حيلة ذاتية للتنفس خارج ضغط المهام المكتظة والثقيلة!

ثم يشير إلى التصفح الملثم، حيث يعمل المفرط في استخدام الانترنت إلى إخفاء قيمة الوقت الحقيقي الذي يقضيه على الانترنت، وأيضا معضلة التفاف الزمن Terminal time wrap حينما يستغرق الفرد في التصفح فلا يفيق إلا وقد مرت ساعات أو انقضت فترة زمنية من اليوم دون أن يشعر.. وبلا نتيجة توازي هذا القدر الكبير من الوقت!

ثم يشير إلى معضلة مدمني البيانات، الذين يبحثون عن معلومات أو بيانات فيجدوا قدراً هائلاً يشعرون أمامه باستحاله انقضاء المهمة أو البحث فيستمرون في تجميع البيانات لأطول وقت دون إنجاز يذكر!

"الناس كأسراب القطا مجبولون على تشبه بعضهم بعض" بهذا الاقتباس لشيخ الإسلام، يشير المؤلف لخطورة استمراء مواطأة النظراء، بحيث يخفو ألم الضمير عند طالب العلم الذي انهمك لمتابعة الماجريات حينما يجد نظراء له يفعلون ما يفعل! وما أجمل اقتباسه من أبي حامد الغزالي حين قال: "ومبدأ سقوط الثقل، وقوع الأنس بكثرة السماع"

وفي خاتمة الفصل يقول السكران: "ومن عجائب ابن آدم أنه قد يتذمر من ضيق الوقت، وينوح من الالتزامات والانشغالات! ثم إذا خلا بنفسه أطعم وقته مسبعة الماجريات".

اقرأ أيضا: تحت المظلة | كيف رسم نجيب محفوظ بقلمه سيريالية النكسة

 الماجريات السياسية

في الفصل الثالث (الماجريات السياسية) حيث يبدأ فيها بالحديث عن الأنماط الأربعة المطروحة للعلاقة بين السياسة والخطاب الشرعي، وهي: العلمنة والسلطنة والتعميم والتخصيص، مع مناقشة كل منها بالتفصيل والتأصيل.

ثم يستبعد علاقة العلمنة والسلطنة والتخصيص لأسباب واضحة شرحها الكاتب، ثم يتناول خمسة نماذج لعلماء ومفكرين ومثقفين مستقلين ويستعرض في سرد بديع مواقفهم من حالة التعميم حيث هي المتضمنة لإشكالية الاستغراق في متابعة الماجريات السياسية، ويستعرض السكران البيئة المعاصرة لكل نموذج وعرض موجز لمسيرته ومنشأ فكره وجهوده ثم يستعرض بالتفصيل موقفه من حال الإستهلاك الذاتي والغرق في المتابعة السياسية، وهؤلاء الخمسة هم:

- أبو الحسن الندوي، الهند

- عبدالوهاب المسيري، مصر

- البشير الابراهيمي، الجزائر

- مالك بن نبي، الجزائر

- فريد الأنصاري، المغرب

وهذا الجزء من الكتاب هو أهم وأخطر ما تطالع وقد أجاد الكاتب أيما إجادة في عرض وجهة نظره، والتي دلّت على تبحّر في قراءة في فكر وجهود كل قامة منهم، فلا يفوتك قراءة هذا الجزء أكثر من مرة، وهو أكبر أجزاء الكتاب.

الخاتمة

ثم يختتم الكاتب بـ(حصائل وتعقيبات) يُجمل فيها أهم الأفكار التي سبق تناولها في الكتاب، ولم أُرد أن أطيل في عرض الكتاب أكثر من ذلك أو الاقتباس، خاصة فيما يخص فصل النماذج الخمسة لإنني أعجز عن اقتباس سطر واحد من هذا الفصل، فالفصل الثالث يصلح لأن يكون كله اقتباساً، وهو شئ لا يصح أن يقع في خلاصة موجزة كهذه.

أتمنى لكم قراءة ممتعة ومفيدة.