بدأت مجانية التعليم في عصر "محمد علي باشا" وضرورتها لبناء دولته الحديثة، وظهرت في إرساله للبعثات التعليمية للخارج.
طارق شوقي ينافس عمرو دياب | حفلات الهضبة تهدد مجانية التعليم
إحدى حفلات الهضبة (عمرو دياب) |
مع
انتشار أزمة (كورونا)، وفَقْد مُعظم الأُسَر المصرية لمصدر دخلها أو جزء كبير منه..
أطلَّت علينا وزارة التربية والتعليم المصرية بقرار زيادة المصروفات المدرسية
للعام الدراسي ٢٠٢٠-٢٠٢١، لتزيد أعباء الأسرة أضعاف.
مجانية التعليم
نَصَّ
الدستور المصري - الفقرة رقم (١٩) على أن:
التعليم
حق لكل مواطن، هدفه بناء الشخصية المصرية - ركز على بناء - والحفاظ على الهوية
الوطنية، وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة في مؤسسات الدولة التعليمية
ويُخَصَّص
٤% من إجمالي الناتج القومي (ميزانية) أو الإنفاق الحكومي للتعليم.. تتصاعد
تدريجيا حتى تتفق مع المُعدَّلات العالمية.
لكن
وزير التعليم "د.طارق شوقي" هدم كل ما آلت إليه جهودات سابقيه؛ مذ أيام "محمد
علي" في الحصول على حق المواطن في التعليم المجاني؛ وما حققوه من انتصارات.
نبذه تاريخية عن صراعات مجانية التعليم
محمد علي باشا |
بدأت
مجانية التعليم في عصر "محمد علي باشا" وضرورتها لبناء دولته الحديثة، وظهرت في إرساله
للبعثات التعليمية للخارج.
ثم
بعد الاحتلال الإنجليزي لمصر في ١٨٨٢م، وسيطرة الإنجليز على مفاصل الدولة؛ تم إلغاء
المجانية في عام ١٨٨٤م، وأصبح برسوم، مما أدى للفرز الطبقي؛ فأصبح التعليم مقصوراً
على القادر ماديًا - كوضعنا الحالي -
وتم
حِرمان أبناء الفقراء من التعليم، وتوجيههم للزراعة والوِرَش التي أنشأها المحتل..
ثم
قام بعض المُثَقَّفين بإنشاء المدارس الأهلية برسوم أقل من المدارس الحكومية؛ مع وَضْع
نسبة من 8 : 10 % مجاني لأبناء الفُقَراء، ويتم التحصيل من تبرعات القادرين.
لكن
هذا الحل كان له سلبيات كثيرة؛ ناقشتها بعض الأعمال الفنية؛ مثل (السكرتير الفني)
لفؤاد المهندس..
انتزاع الحق
ظل
الوضع كما هو؛ غالبية أبناء الفُقَراء محرومين من التعليم، لكن في دستور ١٩٢٣م تم انتزاع
حق المواطن في التعليم الأولي مجانا؛ بنين وبنات حسب المادة ١٩ الباب الثاني في
حقوق المصريين وواجباتهم.
صراعات مجلس الأمة
ظل
الصراع قائم داخل مجلس الأمة بين أصحاب رؤوس الأموال الموالين للاحتلال، والمثقفين
الوطنيين.. وخلال جلسة حامية عام ١٩٣٣م - أي بعد إقرار مجانية التعليم الإلزامي
بعشر سنوات – كانت الجلسة لإقرار زيادة ميزانية التعليم بعد زيادة أعداد الطَلَبَة
من أبناء الفُقراء.
في
جلسة ٢٣ مايو ١٩٣٣م؛ قال "وهيب دوس" من أصحاب رؤوس المال بالنص
إن تعليم أولاد الفلاحين يُعَد طَفْرة كُبرى؛ لأنه خطر اجتماعي هائل لا يمكن تصور مداه، لأن ذلك لن يؤدي إلا إلى زيادة عدد المُتَعلمين العاطلين؛ وسيؤدي إلى ثورات نفسية حين يتعلم ابن الصرَّاف وابن الساعي
وطالب
"دوس" أيضا باقتصار التعليم على أبناء القادرين الموسرين من أهل القرية..
واقترح
النائب "محمد عزيز أباظة" في نفس الجلسة أن يكون لوزارة المعارف حق
السيطرة والرقابة على الأطفال في النصف الثاني من اليوم الدراسي؛ أي بعد انتهاء
اليوم الدراسي؛ وذلك حتى لا يعتاد هؤلاء الأطفال على حياة المدينة.. اقترح ذلك لأنه
شاهد بعضهم يخرجون إلى الحقول وهم مرتدين البلاطي والجوارب، ويحملون أدواتهم على أكتافهم
وهم فوق الدرَّاجات.. فإذا استمر الحال على ذلك؛ سيأتي بعدهم قوم يركبون السيارات،
ولا يَزَعُهُم وازع، ولا يدفعهم إلى حقولهِم دافع.
كفاح طه حسين
طه حسين |
ثم
تقدم "د. طه حسين" في 1943م؛ وكان مستشارا فنيَّا لوزارة المعارف في
حكومة الوفد الليبرالية بقيادة "أحمد نجيب الهلالي باشا" (فبراير ١٩٤٢-
اكتوبر ١٩٤٤)؛ بتقرير عن إصلاح التعليم؛ وذلك بعد رفض نواب المجلس زيادة ميزانية
التعليم الإلزامي المجاني؛ والذي اعتبره "طه حسين" رَفْضًا لأسباب
شيوعية، في حين أن المُسَيطر على المجلس وقتها كان الرأسماليون..
فكان
من "د. طه حسين" أنه تقدَّم بمشروعه عن (إصلاح التعليم، لإتاحة الفرصة
لتعليم الفقراء في مصر)، وتم مناقشته، ليتقرر مجانية التعليم الابتدائي فقط في
١٩٤٤م.
وعندما
أصبح "طه حسين" وزيرا للمعارِف في الفترة ١٩٥٠- ١٩٥٢؛ أطلق مقولته
الشهيرة
التعليم كالماء والهواء؛ حق لكل مواطن
وطالب أيضا بمد مظلة (المجانية) حتى المرحلة الثانوية، لكن لم يَلْقَ طلبُه القَبول بسبب سيطرة رؤوس الاموال على الحُكم، وتعارُض مصالحهم مع هذا النداء.. فاستمرَّت المجانية للمرحلة الابتدائية فقط.
نظام يوليو يُحقق مجانية التعليم
احتفال المصريين مع قادة ثورة يوليو |
ثُمَّ
جاءت ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢م؛ لتصبح مراحل التعليم مجانية حتى الثانوية، ثم لحقتها
المرحلة الجامعية في ١٩٦٢م؛ وهي المرحلة التي استفاد من مجانيتها وزير التعليم
الحالي "طارق شوقي" نفسه؛ وقد صرح بذلك خلال كلمات له ألقاها في لقاءات
عامة؛ منها تصريحه في فبراير 2017م؛ خلال مؤتمر صحافي عُقِد في مقر وزارته، عندما
قال أنه تلقَّى تعليماً حكومياً راقياً في الستينات، في وقت كان الالتحاق بالمدارس
الخاصة عيباً..
في
موضع آخر؛ قال:
إذا استطعنا الرجوع بالتعليم لما كان عليه فترة الخمسينات؛ فسيكون إنجازاً كبيرًا
وذلك
على حد وصفه.
وزير التعليم يرى أن مجانية التعليم ظُلم
د. طارق شوقي - وزير التعليم المصري |
وفي
معرض انتقاده للـ «مجانية» في قطاع
التربية والتعليم؛ التي اعتبر أنها (ظُلْماً؛ وليس عدلاً اجتماعياً)..
التصريح
الذي جاء صادماً لقطاعات شعبية ونخبوية على حد سواء.
فقد
رأى هؤلاء في موقف الوزير تناقضًا مع نص الدستور المصري.
وقد
استند "طارق شوقي" في أسبابه
إلى أن:
أولياء الأمور ينفقون نحو 120 مليار جنيه على تلقين أبنائهم دروساً خصوصية، في حين تنفق الدولة نحو 90 مليار جنيه أخرى
وعلّق
ساخراً ومنتقداً في الوقت نفسه:
البعض لديهم استعداد لدفع أموال لأي مركز تعليم نصّاب، لكنهم لا يدفعون للحكومة.. وحفلة المطرب "عمرو دياب" وصلت إلى 20 ألف جنيه للتذكرة، ونحن (الحكومة) لا نجد أموالاً لتطوير التعليم
لم
يتطرَّق الوزير لأسباب لجوء بعض الأهالي - وليس جميعهم – للسناتر (مراكز الدروس
الخصوصية).. وأيضًا لماذا قارن العامة بفئة معينة من المجتمع، تستطيع دفع ٢٠ ألف
جنيه ثمن تذكرة لحفلة غنائية؟!!
إذن؛
لماذا يدفع المواطن البسيط ثمن سياسات خاطئة؛ من السهل تداركها ومحاسبة المتسببين
فيها، أو عدم محاسبتهم؟!
لماذا
يريد الوزير "طارق شوقي" حرمان حوالي ١٨ مليون طالب من حقهم الدستوري في
التعليم؟!!
لماذا
يدفع الفقراء الثمن دائمأ؟!!
وهل
نعتبر وزير التعليم بوق للرأسمالية الجديدة في مصر؟!!
COMMENTS