كان يتولى "محمد علي" باشا ذات نفسه، الإنفاق من خزائنه على أحد تلك المحافل الماسونية تحت إسم الجمعية المصرية الماسونية.
السرداب (2) | محمد علي باشا والماسونية (اليهود)
تَعَرَّفْنا في (السرداب 1) على حب "محمد علي" باشا وعطفه على
اليهود، حتَّى أنَّه قرَّرَ تمليكهم أرض في فلسطين، وبرأ قَتَلَتَهُمْ بعفوٍ في
قضية مَقْتَلَة الأب "توما"، وفي (السرداب 2) نستكمل قصة الحب من الطرف الواحد،
التي وقع فيها "محمد علي" الباشا مع اليهود ..
يوسف الحاج |
من عنوان المقال؛ تجد الباشا والماسونية، فتستغرب أشد الاستغراب! كيف تتحدث
عن الباشا واليهود ثم تقول الماسونية؟! ما هي علاقة الماسونية باليهود؟! وهذا سؤال
وجيه؛ يحتاج إلى انصاتك وتركيزك لدقائق قليلة، لتُدرك علاقة الماسونية باليهود، ونحن
هنا لن نتكلم من خارج الكتب والمراجع الموثقة، ولن نقدح من رأسنا، بل سنعتمد على
ما قاله سادة الماسون في العالم العربي والغربي؛ لكشف علاقة الماسونية باليهود، ولنبدأ
بأحد سادة الماسون في بلاد العرب. ومن فمه ننقل هذا الكلام، وشخصيتنا التي سنعتمد
عليها هي الأستاذ "يوسف الحاج". وفيما يلي نعرض نبذة بسيطة عن تاريخ "يوسف
الحاج" في الماسونية، لتعلم قيمة الرجل، و قيمة كلامه الذي يُعتبر مرجع غير
قابل للتشكيك في صدقه.
لنبدأ..
أستاذ الماسونية الأعظم في الشرق الأوسط
يوسف الحاج: أستاذ أعظم إقليمي فخري، ومندوب سام عام على شروق سوريا وفلسطين والعراقين.
حائز على الدرجة ال33، أعلى درجات الماسونية العامة، ورئيس أول لدرجة الملوكي،
مؤسس عشرة محافل رمزية، وثلاثة مقامات لدرجة 18 (درجة الصليب الوردي)، ومجلس شيوخ
حكماء لدرجة 30، وهو من موظفي المحفل المصري الكبير، ورئيس محفل بيروت رقم 261،
وهو أول من أدخَلَ الماسونية في العراقين العربي والعجمي، وأول من حصل على مأذونية
للماسونية النسائية السورية اللبنانية اسوة بنساء الغرب (المجلة المصرية الماسونية
الرسمية العدد 4 صفحة 124).
هذا هو "يوسف الحاج" الأستاذ الأعظم للماسونية العامة في الشرق
الأوسط، وحائز الدرجة الأولى من الماسونية الملوكية.
يقول "يوسف الحاج" عن سبب تركه الماسونية بعد هذا الترقِّي
الكبير ودخوله الماسونية الملوكية (ثلاث درجات فقط ولا يدخلها إلا الأستاذ الأعظم
من كل محفل)
"عن الماسونية الملوكية ( العقد الملوكي )، إنَّ مبدأ هذه الفرقة
وتعاليمها ودرجاتها وغايتها؛ ترمي كلها إلى تقديس ما ورد في التوراة واحترام الدين
اليهودي، والعمل على تجديد المملكة اليهودية في فلسطين بإسم الوطن القومي لليهود، وإعادة
هيكل سليمان وتقديم القرابين فيه، وإرجاع العهد القديم بجميع ما كان عليه"
.. كان هذا كلام "يوسف الحاج" بعد تركه الماسونية وتحديداً بعد 17 سنة
من تركه لها. وتاريخ هذا الكلام في كتابه الصادر سنة 1932 م، أي قبل قيام دولة
اليهود في فلسطين ب 16 سنة.
يقول أيضاً "يوسف الحاج" عن طقوس الانتساب إلى الماسونية
الملوكية، والتي جعلت فرائصه ترتعد، وقرر الخروج نهائيا من الماسونية وفضحها.
(اثناء قبول دفعة جديدة في الماسونية الملوكية والتي لا يدخلها إلا من حاز
الدرجة 33 في الماسونية العامة) يسأل الرئيس طالبي الدخول:أيها الأجانب بلغنا أنكم
ترغبون في مشاركتنا .. فمن أين انتم؟!
الطالبون: من بابل
الرئيس: وماذا تريدون؟!
الطالبون لما سمعنا أنكم عازمون على بناء هيكل الرب في اورشليم ثانية لإله
بني إسرائيل؛ أتينا نسألكم قبول مساعدتنا في هذا المشروع الحميد.
الرئيس: يلزمنا قبل توجيه أنظارنا إلى طلبكم أن نخبركم أنه لا يمكن لأجنبي
بأية صفة كانت أن يشتغل في هذا العمل المقدس فإذن يلزمني أن أعرف من أنتم؟
الطالبون: نحن أخوة من قبائلكم وعشائركم (قبائل بني اسرائيل).
الرئيس: هل أنتم من أولئك الإخسَّاء الذين هربوا حينما كان الهيكل والمدينة
المقدسة تحت الحصار؟! أو من الذين تركهم حُرَّاس
بابل لحراثة الارض؟!
الطالبون : حاشا أن نكون من أولئك الجبناء الهاربين، أو ممن تركهم حُرَّاس
بابل، إنما نحن فئة من أولي الشرف ذوو حسب ونسب، من سلالة الأحبار والملوك، ومن أبناء
إبراهيم وإسحق ويعقوب، فنحن أيها الفاضل من نسل أمراء يهوذا وحكامه، الذين لأجل
خطاياهم و آثام الشعب؛ قد سيقوا مع ملكهم ( يهويا كيم ) ( يكنيا ) إلى الأسر على
يد "نبوزردان" قائد جيش "نبوخذنصر" ملك بابل.. طالبين
التصريح لنا بالإقامة في أرض وطننا؛ التي أنبأنا الأنبياء أننا سنسكنها في هدوء
وسكينة إلى الأبد.
من هنا تُدرك الغاية النهائية من الماسونية كما وردت على لسان "يوسف
الحاج"، وأنَّ اليهود هم من أنشأوا الماسونية، وهم رُعاة محافلها، وذلك
لتهيئة العقول لتَقَبُل فكرة تقديس اليهودية، ولكن بالتدريج من خلال جهد سنين ودرجات
متدرجة في سلم الماسونية العامة، حتَّى يصل المنتسب إلى الماسونية إلى أعلى
درجاتها، وقد رسخت الفكرة في عقله على مدار سنين خصوعه للطقوس الماسونية داخل
محافلها.
فالماسوني هنا طفل اليهود المدلل الذي يتربي على أيديهم داخل المحافل،
وينتقل من مرحلة إلى مرحلة، حتَّى يكبر ماسونيا مواليا بكل قوته لليهود.
شعار الماسونية |
محمد علي والماسونية
والأن، بعدما عرفنا ما هي الماسونية، وما علاقتها باليهود، نعود إلى محور حديثنا (الباشا والماسونية واليهود).
انتشرت المحافل الماسونية في "مصر" في عهد "محمد علي"
انتشار النار في الهشيم، وزاد عدد ُروادُها من النخب المثقفة والسياسية والاقتصادية وأمراء الأسرة العلوية (كان الامير حليم بن محمد علي احد اعضاء محفل
دروفيتي في مصر)، واستمرت المحافل
الماسونية في مصر منذ 1806 (مع بداية العام الثاني من ولاية الباشا) الي 1964 ((عهد
عبد الناصر الذي حدثت بينه و بين تلك الجمعيات خلافات شديدة فأصدر قانون يقضي
بحلها ومصادرة مقرَّاتها وأموالها)). أي استمرت أكثر من قرن ونصف ( 150 عام ) من
الزمان في مصر، وقد آتت ثمارها الجيدة داخل النسيج المصري، وداخل عقول الطبقات
العليا منه، والذي بدوره يُلاحظ في ولاء تلك الطبقات للقضية الفلسطينية خاصة والعربية
عامة، فتجد أعلى هرم المثقفين في مصر "احمد لطفي السيد"، رئيس الجامعة المصرية آنذاك، وقد سافر إلى تل
ابيب عام 1936، لحضور حفل تدشين الجامعة العبرية هناك! وهناك الكثير والكثير من آثار
المحافل الماسونية في مصر على تركيب العقلي والذهني للنخب المصرية، دينية كانت أو
سياسية، فكبار زعماء النضال المصري، وكبار الكُتَّاب والمثقفين، وحتَّى الفنانين
خريجي المحافل الماسونية. فالزعيم "سعد زغلول" والعلامة "محمد عبده"
والأستاذ "جمال الدين الأفغاني" والفنان "كمال الشناوي" و"حسين
رياض" و"محمود المليجي" .. الخ
من الأسماء الرنانة، التي حملت لقب النخب السياسية والفكرية في التاريخ
المصري الحديث؛ كلهم أبناء المحافل الماسونية، ولنا وقفة قريبا مع كل شخص من هؤلاء
والدور الذي لعبه.
كان يتولى "محمد علي" باشا ذات نفسه، الإنفاق من خزائنه على أحد تلك المحافل الماسونية تحت إسم الجمعية المصرية الماسونية، والتي كان كل مُمثلي الباشا السياسيين والتجاريين أعضاء فيها.
سعد باشا زغلول |
المحافل الماسونية في مصر
وأمَّا عدد المحافل الماسونية والجمعيات السرية في مصر في عهد الباشا فحدث
ولا حرج، فبخلاف الجمعية المصرية سالفة
الذكر، كان هناك محفل "أصدقاء الكنوكورد" في الأسكندرية، وفرسان الأهرام
في القاهرة، وبلغ عدد أعضائهم 13 الف عضو، منهم 300 امرأة.
والمحفلين بحسب المؤرخين بدأوا نشاطهم ما بين عام 1811 وهو محفل الفرسان و
1812 محفل اصدقاء الكنوكورد.
وأيضاً محفل أصدقاء نابيلون، وهو أول محفل تم تأسيسه عام 1806، وكان يتبع
محفل الشرق الأعظم في فرنسا، وهناك جمعية "دروفيتي"، القنصل الفرنسي
العام في مصر، وأحد أقرب أصدقاء "محمد علي" باشا، ولا يسع المقام هنا
لذكر كامل المحافل وأسمائها، ولكن نذكر نبذة تعريفية ببعض الأسماء، لتكون سراج لنا
في داخل سرداب الباشا.
أمَّا الأن، وبعد استعراض هذا النذر اليسير، قد يخطُربعقلك سؤال؛ ولماذا
كان يحتفي الباشا بالمحافل الماسونية؟! ويغدق عليها من خزائنه؟! وللإجابة على هذا
السؤال، لابد من اقتباسها من أحد المراجع الموثوقة، ففي (الوثائق الرسمية والسرية
للمخابرات النمساوية في إيطاليا صدرت سنة 1851 وكاتبه هو المؤرخ الإيطالي لويجي إرنالدي)
تقول وثيقة عن شهر ديسمبر 1818 رقم 45 و 46 بناءاً على معلومات تم تبادلها
مع "أنجلو كازيتي" وكيل القنصل العثماني في ليفورونو مع القنصل العام
النمساوي.
يقول التقرير: (قد تم تأسيس جمعية سياسية سرية بواسطة "محمد علي" باشا من أجل توطيد سلطته في مصر وتنفيذ سياساته، عبر زرع الوكلاء والعملاء في المواني والجزر. وإنَّ الهدف الرئيسي الأعلى لتلك الجمعية، هو استقلال مصر والجزر اليونانية كمقدمة أولى لاستقلال اليونان، ومن ثم فالواضح أنَّ العدو الرئيسي للجمعية هو الإمبراطورية العثمانية، التي تتقارب مصالحها مع مصالح الإمبراطورية النمساوية، بينما تحظى الجمعية بدعم "محمد علي" والإنجليز والقوميين اليونان، والطليان. والباشا يرى فيها وسيلة لتحقيق أغراضه والاستقلال عن الدولة العثمانية، وهو الهدف الذي من أجله ساعده "ديليسبس" و"دروفيتي" في الوصول إلى السلطة)، و يتبع التقرير أن الجمعية المصرية ماسونية بالكامل، فهي منظمة بطريقة الأخوية، وتستخدم الطقوس والرموز الماسونية، ولا تسبتعد أي ديانة وأعضائها يطلق عليهم الفئة المُطَّلعة.
محمد علي باشا |
خاتمة
قد تُصاب بالدهشة من هذا النص والتقرير، وتسرح بخيالك من أين لهذا الأمّي الذي لا يجيد القراءة ولا الكتابة كل هذا التفكير والتخطيط؟! وهي أسئلة مشروعة وإجابتها قد تكون صادمة، عندما تعلم من أين جاء الباشا، وكيف دخل مصر، وكيف نجا من الغرق، وكيف أصبح الوالي، بعدما كان مجرد جندي في حامية لا يتعدى عددها 500 فرد.
أسئلة كثيرة سوف نحاول معاً إن شاء الله إجابتها في سلسلة السرداب قريباً فتابعونا.
COMMENTS