الدولة التي لا تخشى شعبها، هي دولة لا تحترم شعبها، ودولة لا يمكن محاسبتها.
خرافة احتكار الدولة للسلاح: دراسة في صناعة المواطن الأعزل
![]() |
صناعة المواطن الأعزل |
تخبرنا الجوقة الحديثة من المثقفين والسياسيين أن احتكار الدولة للسلاح هو قمة التحضر والمدنية، وأن نزع السلاح من يد الشعب هو شرط بناء الدولة الحديثة. إنها الكذبة الأكثر فاعلية التي قيلت لشعوبنا لتبرير استعبادها وتدجينها، فالدولة التي لا تخشى شعبها، هي دولة لا تحترم شعبها، ودولة لا يمكن محاسبتها.
لنعد إلى البداية، إلى مشروع محمد علي باشا. الرجل الذي قدموه لنا في كتب التاريخ كـ"مؤسس مصر الحديثة". والحقيقة أنه كان مؤسس "الدولة المنفصلة عن الأمة". أول قرار استراتيجي فعله لم يكن بناء المصانع، بل كان نزع السلاح من الفلاحين والمشايخ والأعيان. لقد أدرك بعبقرية شيطانية أن دولته الجديدة القائمة على حكم الفرد والعائلة لا يمكن أن تقوم إلا على أنقاض المجتمع الأهلي المسلح الذي كان موجوداً قبله. لقد خلق جيشاً نظامياً ولاؤه الكامل لشخصه، لا للأمة، وفي المقابل خلق شعباً أعزل، مجرد "رعايا"، وظيفته أن يدفع الضرائب ويقدم أبناءه ليموتوا في حروب لا ناقة له فيها ولا جمل. لقد كانت تلك هي اللحظة التي مات فيها المواطن ليولد "المأمور".
انظر في المقابل إلى النموذج الأمريكي، الذي لا نكن له وداً. لماذا يتمسك المواطن الأمريكي العادي بحقه الدستوري في حمل السلاح بضراوة؟ هل لأنه يحب الجريمة؟ لا. بل لأن الآباء المؤسسين أدركوا حقيقة بسيطة تعلموها من التاريخ: الحكومة هي خصم محتمل دائماً. حق الشعب في حمل السلاح ليس لقتل اللصوص في الشوارع، بل هو الضمانة الأخيرة لمنع الحكومة من أن تصبح هي اللص الأكبر. هو ما يخلق توازن رعب بين الحاكم والمحكوم.
والآن نرى الأثر الكارثي لمشروع محمد علي المستمر حتى اليوم في أفظع صوره. نرى نظاماً في مصر، وفي غيرها من الدول العربية، يستطيع أن يشارك فعلياً في حصار أهلنا في غزة، ويعقد صفقات الغاز مع عدونا التاريخي، ويصف المقاومة علانية بأنها "عناصر"، وهو آمن تماماً ومطمئن.
آمن لماذا؟ لأنه يعلم أن الشعب الذي يحكمه أعزل. لا يملك إلا الصراخ على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو صراخ يمكن حجبه بضغطة زر. لو كان هذا النظام يخشى رد فعل شعبي منظم ومسلح، هل كان يجرؤ على اتخاذ عُشر هذه المواقف المخزية؟ الإجابة معروفة.
الأمن القومي الحقيقي لا يصنعه جيش منعزل عن إرادة شعبه، بل يصنعه شعب مسلح واثق من نفسه، يكون هو خط الدفاع الأول والأخير عن أرضه وعرضه. أما حصر السلاح في يد الدولة في بلادنا، فلم يكن يوماً لـ"حماية الوطن"، بل كان دائماً وأبداً لـ"حماية الحاكم" من الوطن. وهذه هي الحقيقة الموجعة التي يجب أن نفهمها.
COMMENTS