نتحدث عن تاريخ الصراع الأذرب الأرمني، وكيفية تكون التحالفات التي تدعم كل طرف في حربها المستمرة منذ أكثر من مائة عام

عن الأذر والأرمن | الصراع القديم المتجدد

 (بقلم / مولانا العارف)

الصراع الأذري الأرمني

أطراف الصراع

أذربيجان مع الحليف التركي من جانب..

وأرمينيا وحلفاؤها؛ روسيا وإيران..

هذه التحالفات ليست جديدة، وإنما قديمة قِدَم التاريخ.. فالأرمن منذ زمن يدينون بالولاء لإيران الدولة الصفوية، حيث كانوا جزءا لا يتجزأ منها في معظم فترات التاريخ..

أيضًا؛ يدين الأرمن بالولاء لروسيا؛ حيث أن السكان كلهم مسيحيون أرثوذكس تابعون لروسيا، وأيضًا كانوا جزءا من الدولة السوفيتية القديمة، ومازال التوجُّه الشيوعي موجود في أرمينيا.

عدد المسلمين في أرمينيا لا يتجاوز ألف شخص، بنسبة لا تتعدي 0.1 % من مجموع السكان؛ أغلبهم إيرانيون.. بالتالي يتضح أن التدخل الإيراني في جانب الأرمن ليس بسبب دين؛ وإنما لأسباب تاريخية..

كذلك التدخل الروسي تاريخي؛ وديني أيضًا.

لماذا العداء الأرمني التركي

أما سر العداء مع تركيا؛ فلا يخفى على أحد كمّ الثورات التي قام بها الأرمن الأرثوذكس ضد الأتراك، والتي راح ضحيتها ألوف؛ بل ملايين من الجانبين.. وليس كما يُقال؛ أن مذابح الأرمن كانت ثورات أرمنية للخلاص من الحكم العثماني رُدِعَتْ بقوة من الدولة العثمانية.

أما أذربيجان؛ فالمُكَوِّن السكاني ٩٦٪ مسلمين بأغلبية شيعية ٨٥٪ إلى ١٥٪ سُنَّة.. كما أن المُكَوِّن العِرْقي لهم تركي بالأغلبية الساحقة.

وكلمة (تركي) هنا تعني الجنس التركي، والذي يتمركز في أكثر من دولة؛ أغلبها في منطقة القوقاز.

وأذربيجان أيضا أحد الدول التي كانت تحت الحكم العثماني لقرونٍ طويلة.

من هنا؛ يتضح لماذا تتدخل تركيا إلى جوار أذربيجان.. فالمُكَوِّن السُكاني مسلم، والعِرق تركي؛ وهي إحدى دول الخلافة العثمانية القديمة.

وبسبب المُكَون التركي والإسلامي لأذربيجان؛ ظلت تدين بالولاء للدولة العثمانية، ثم من بعدها التركية.

الآن اتضحت الصورة بخصوص تدخل الحلفاء إلى جوار الفريقين.

تاريخ الصراع

نأتي إلى سبب الصراع..

يعود تاريخ الصراع إلى فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى بعد هزيمة الدولة العثمانية، واستمر هذا الصراع بين الأعوام ١٩١٨م و1920م، والأسباب معلومة مسبقا كما سبق وسردنا.

صراع آخر نشب بين الدولتين، واستمر من ١٩٢٠م إلى ١٩٢٢م، وتدخلت الدولة العثمانية وبريطانيا.

أذربيجان وأرمينيا - صراع مستمر

انتهت تلك الحروب بعد تكوين الاتحاد السوفييتي، وضم كلاً من أذربيجان وأرمنيا إلى جمهورياته.

مع بداية انهيار الاتحاد السوفييتي؛ بدأت الحروب تتجدد مرة أخري بين الأَذَر والأرمن على إقليم (قره باغ) الذي تسكنه أكثرية أرمنية بحُكْم شبه ذاتي (نظراً لاحتواء الإقليم على أغلبية أرمنية بنسبة ٩٤٪).. وقد رفضت هذه الأغلبية التخلي عن الإقليم، وطلب برلمان (قره باغ)  الانضمام إلى أرمينيا، ولكن هذا الأمر لاقى رفضا كبيرا من الأذريين، وتسبب في أول حرب بعد سقوط الاتحاد السوفييتي.

يعود سبب الصراع بالأساس إلى البلاشفة والاتحاد الروسي الذين قرروا أحقية الأرمن في إقليم (قره باغ)، وذلك بعد أن تم ضم أذبيجان وأرمينيا إلى الاتحاد بواسطة "جوزيف ستالين".

ستالين - فرق تسد

الزعيم السوفييتي جوزيف ستالين

لكن عاد "ستالين" وقرر التصويت لصالح بقاء (قره باغ) ضمن الأراضي الأذربيجانية اتباعاً للسياسية الشهيرة (فرق تسد).

هذا هو الصراع في صورته التاريخية.. أما الآن؛ قد انقضى التاريخ القديم، وبدأنا عصر جديد.. وأصبح الصراع سياسيا؛ لا على أرض ولا بسبب عرق.. إنه صراع نفوذ له نفس الامتداد القديم، لكن بشكل مختلف..

فليس هناك اتحاد سوفييتي، وإنما وريث لا تُقارَن قوته بالدولة الشيوعية القديمة.. أيضاً لا مقارنة بين الدولة الصفوية ووريثتها إيران، أو الدولة العثمانية ووريثتها تركيا.

 

حرب من أجل النظام العالمي الجديد

الصراع الآن لخدمة النظام العالمي الجديد فقط، ولا يخدم مصالح الدول المتورطة فيه.. تأثيره معنوي لا أكثر ولا أقل، فهو في الأساس إجهاد وإرهاق لقوة تلك الدول، واستنزاف لطاقاتها، وفتح جبهات تحاصرها في أكثر من مكان.

فإيران متورطة في حرب شبه مباشرة في اليمن ولبنان وسوريا والعراق؛ ضد أمريكا واسرائيل، بينما تركيا  تتورط في حروب على جبهات ثلاثة؛ العراق مع الأكراد، وسوريا، وليبيا؛ وهناك أيضا الصراع العنيف في شرق المتوسط مع اليونان وفرنسا. روسيا أيضاً تحارب في سوريا وليبيا، والآن في أرمينيا.. هذا بخلاف حربها الاقتصادية والشبه عسكرية مع أمريكا في أكثر من بقعة، لكن هذه الحرب غير واضحة.

الناظر إلى الأمر بعين التدقيق؛ لا يجد أي من الدول الثلاث (تركيا وروسيا وإيران) مستفيد بأي شيء سوى الإرهاق الشديد جدا؛ اقتصاديا وعسكريا، مما يتسبب فى مردود عكسي داخل تلك الدول علي الناحية السياسية والاجتماعية.