إنَّ الناظر فيما يجري من الأحداث يُلاحظ أنَّ سادة النظام العالمي يوجه دعم شديد وقوي إلى "تركيا"، وتُعظم من مكانتها وقدراتها
بلها واشرب مايتها | اتفاقية ترسيم الحدود البحرية والكعب العالي لتركيا
(بقلم / مولانا العارف)
“بلها واشرب مايتها” رسالة وجَّهتها "الأمم المتحدة" إلى كل اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية الأخيرة؛ التي تم توقيعها بين دول البحر الأبيض المتوسط، لاقتسام غاز شرق المتوسط.
اتفاقية ترسيم الحدود
جاء ذلك بعد إقرار "الأمم المتحدة" لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين "تركيا" و"ليبيا"، والتي تقطع الطريق في شرق المتوسط، وتُنهي كل اتفاقات جديدة قد تمَّ توقيعها في الفترة الأخيرة، أو حتَّي سوف يتم توقعيها في الفترة المقبلة، دون مراعاةٍ لحدود الاتفاق البحري الأخير بين "تركيا" و "ليبيا" ؛ لتبقى تلك الاتفاقيات حبر على ورق غير قابلة للتنفيذ نهائياً مادامت لم تتوافق مع الهوى التركي والليبي.
دعم النظام العالمي لتركيا
إنَّ الناظر فيما يجري من الأحداث يُلاحظ أنَّ سادة النظام العالمي يوجه دعم شديد وقوي إلى "تركيا"، وتُعظم من مكانتها وقدراتها.
ففي الوقت الذي تفتح "تركيا" النار على "أرمينيا"؛ حليف "روسيا" في إقليم "قرة باغ"، والهجوم الفرنسي عليها وتهديدات الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على "تركيا" ، نجد أنَّ السُلطة الدولية العليا (الأمم المتحدة) تُصدر قرارً مثل هذا من شأنها تعظيم النفوذ التركي في المتوسط على حساب دول كبرى مثل "فرنسا"و"ايطاليا" و"إسرائيل"، وعلى حساب دول أقل قوة لكنَّها من أداوت النظام العالمي في تنفيذ بعض المُتطلبات اللازمة له مثل "مصر" و"اليونان"، ثُم نجد تأييد أمريكي قوي، ودعم شديد لـ"تركيا" في أكثر من محور من محاور انتشارها.
ففي "ليبيا" نجد أنَّ "أمريكا" قد أسقطت مروحية لقوات الفاجنر التابعة لـ"روسيا" والموالية لحفترعدو "السراج" الموالي لـ"تركيا"،
وفي سوريا نجد القوات الأمريكية قد بدأت في محاولة الاحتكاك مع القوات الروسية في مناطق مختلفة.
موقف أمريكا من الأزمة
أمَّا موقف "أمريكا" من أزمة "تركيا-اليونان" الأخيرة، فعلى الرغم من أن الدولتين شريكتين في حلف الناتو؛ الأمر الذي يتطلب معه عدم انحياز "أمريكا" إلى أحد الطرفين في الأزمة، إلَّا أنَّنا نجد تصريحات السفير الأمريكي في أنقرة عن عدم اعتراف "أمريكا" بخريطة "إشبيلية" الخاصة بحدود وخطوط التماس في البحر المتوسط، والتي تُعَوِّلْ عليها كثيرا اليونان.
أيضاً في "ليبيا" نجد أنَّ "أمريكا" رفضت، بل وضغطت على الحليف المصري بعدم المشاركة العلنية مع حفتر في معاركه مع قوات السراج.
والكثير والكثير من المواقف الأمريكية المؤيدة، بل والداعمة لـ"تركيا" في كل الجبهات التي تخوض فيها نزاعات عسكرية، أو قانونية وسياسية.
تكبير وتعظيم دور تركيا
مستوى تعظيم قوة وقدرات "تركيا"، لم يتوقف على تلك النزاعات التي تخوضها الأن، تحت حماية النظام العالمي،
بل أيضاً وصل إلى إضعاف كل القوى المحيطة بها في نطاق الشرق الأوسط، وسحب أدوار الزعامة التاريخية، وأدوار البطولة السياسية من تحت أيدي تلك الدول، وإعطائها لـ"تركيا"، ففي سابقة خطيرة طلبت كلاً من "فتح" و"حماس" بسحب ملف القضية الفلسطينية من "مصر"، التي لعبت فيه الدور الأبرز على مدار ٧ عقود أو يزيد، وإعطائه لـ"تركيا" لتقود هي بنفسها أخطر وأهم ملف في كامل المنطقة العربية، بل هو محور المنطقة العربية ككل.
تهميش مصر ودورها
إنَّ استبدال "مصر" بـ"تركيا" في الملف الفلسطيني، هو إنهاء لأي دور سياسي لـ"مصر" على الساحة العربية والدولية، وسحب ورقة الضغط الأقوى التي ظلت بيدها طيلة العقود الماضية.
وأيضاً، بتوثيق "الأمم المتحدة" لاتفاقيات ترسيم الحدود البحرية الأخيرة، تمَّ تقليص سُلطة "مصر" في المتوسط، ليس فقط فيما يخص اتفاقيات التعاون بين دولة، بل أيضاً تعدى الأمر إلى أن أصبحت "مصر" رهينة للقبول التركي في أي اتفاق جديد تنوي توقيعه، وأيضاً أجهضت "تركيا" كل الاتفاقات الدولية التي وقعتها "مصر" مؤخراً، ليتم تهميش "مصر" في أقوى وأهم ملفات سياسية دولية وإقليمية، وذلك السحب من الرصيد يُضاف إلى رصيد"تركيا" لتزداد قوتها.
ومما سبق باختصار، تجد دعم أمريكي ضخم لـ"تركيا" يُكَلَّلْ بمباركة أممية من "الأمم المتحدة" لاتفاقيات ترسيم الحدود البحرية بين "تركيا" و"ليبيا"، على الرغم من مطالبات "تركيا" التاريخية بحقوقها في المتوسط، والتي لم تجد آذان صاغية منذ عشرات السنين. إلَّا أنها الأن تجد الترحيب والدعم، بل والتوثيق الرسمي!! أنها دفعات بقوة ودعم شديد لـ"تركيا"؛ لتحويلها إلى اللَّاعب الأكثر قوة وتأثير في منطقة الشرق الأوسط، وإضعاف كل المحيطين بها.
إسلام صوفي النزعة
الهدف في رأيي من ذلك الدعم، هو جعل "تركيا" هيَّ القائم على مصالح المنطقة العربية، وخلق قوى إسلامية كبرى تُماثل "إسرائيل"، ليكون هناك مرجعية كبرى لمسلمي المنطقة العربية في كل شئونهم السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، وحتى الدينية.
فالإسلام التركي علماني النزعة، صوفي الهوى، قومي الهوية، تختفي فيه مفاهيم وقيم الإسلام الأساسية، من جهاد وولاء وبراء، وهي القيم المزعجة للنظام العالمي، وهي أحد ركائز هذا الدين، وأحد مُتطلبات كلمة التوحيد الدَّالة على "الإسلام".
فيكون الإسلام التُركي هو الأفضل كمرحلة أولية في خطط النظام العالمي للمنطقة العربية، وتحديد هويَّتها الدينية الإسلامية،
لحين إنتهاء تلك المرحلة، والدخول في مرحلة جديدة، قد تكون تُطبخ على نارٍ هادئة الأن ألا وهي الإبراهيمية، التي لو تم التصريح بها مباشرةً؛ لفشلت وماتت بالضربة القاضية في الجولة الأولى.
لذلك يتم نفخ "تركيا"، وتعظيم قوتها؛ لتكون ممثل "الإسلام" أمام النظام العالمي، والناطق بإسم شعوبه، والمُوَقِّعْ عنه أمام المحافل الدولية ...
لنا عودة في هذا الموضوع قريبا أن شاء الله بتفاصيل أكثر دقة.
COMMENTS