رغم تدفق المساعدات الداخلية والخارجية، ظلت المنظومة العلاجية عاجزة عن علاج مشاكلها، وظهرت مستشفيات الجمعيات الأهلية التي قدمت المساعدات الطبية للجمهور
اسأل مجرب.. ولا تسأل طبيب | المنظومة العلاجية في مصر2020
(بقلم / الست الشريرة)
![]() |
المنظومة الصحية في مصر |
الطب عند قدماء المصريين
نبغ المصريون القدماء في
العديد من المجالات، كان أبرزها مجال الطب، إذ تركوا بصمة تشهد لهم في كل تخصص من
تخصصاته، حتَّى يُعتقد أنَّ مفهوم الصحة والرعاية الطبية، بدأ مع نشأة الحضارة
الفرعونية، غير أن "أبقراط" المُلقب بـ (أبو الطب) أخذ من طب البرديات
فكانت له مرجع يستمد منه.
وسر التحنيط (حفظ الجثث)، الذي لم تُكْتَشَفْ أسراره حتَّى الأن، مع
التقدم الرهيب الذي حققه الإنسان في مجال الطب.
يشير "هيوميروس" في كتابه الشهير (الأوديسا) إلى أنَّ الناس في مصر موهوبين في الطب أكثر من غيرهم، وأنَّ لديهم كان متفوقًا على العلوم الأخرى، وقال أبو التاريخ "هيردوت" عن المصريين:
إنهم يعطون الطب بتعقل، فلم يكن مسموحًا لأحد أن يتدخل في غير ما تخصص له
وكان الطب يُدَرَّسْ قديماً في مدارس متخصصة ملتحقة بالمعابد، لأنهم
اعتبروا أن انتشار الأمراض نتيجة لغضب الآلهة.
ولكن، للأسف أصاب الطب ما أصاب المجالات الأخرى في مصر من ضعف وإهمال.
![]() |
أبقراط - أبو الطب |
الطب في عصر محمد علي
في ٢٢ ديسمبر سنة ١٨٢٤ ميلادية، أصدر "محمد علي" مرسومًا
بتعيين "كلوت" بك رئيسًا للمساعدة الطبية الجهادية في الجيش المصري،
ولما رأى "كلوت" بك أنَّ الجيش المصري، وعدده ٥٠٠٠ جندي في ذلك الحين في
حالة صحية غير مُرضية، قام بإنشاء وتأسيس
مستشفى مكانها يسع بين ٨٠٠ إلى ١٠٠٠ مريض، واستحضر لهم حوالي ١٥٠ صيدليًّا،
وطبيبًا، وضابطًا، ومساعدًا جلبهم من إيطاليا وفرنسا. وكان مكانها في ثكنة عسكرية
في (أبي زعبل).
وغرس وسط هذا المستشفى حديقة غنَّاء كانت ذات فائدة عظيمة للطلبة؛ إذ
كان فيها أكبر عدد ممكن مما تنبت الأرض من عقاقير ونباتات طبية.
![]() |
محمد علي باشا |
إنشاء المدرسة الطبية
كما قام بإعداد مدرسة طبية للأطباء، والصيادلة، والأطباء البيطريين حتَّى
تكفي حاجة الجيش، وصدر الأمر الأميري بذلك عام ١٨٢٧، رغم مقاومة المشايخ، وضباط
الجيش، وعامة الشعب. وأُسِّست المدرسة في ذلك العام في (أبي زعبل)، وعُيِّن "كلوت"
بك ناظرًا لها، فاختار أساتذتها من فطاحل الأوروبيين في ذلك الوقت، واختار لها
الكثير من الكتب الفرنسية، وترجم منها إلى العربية ٥٢ كتابًا نقَّحَهم جميعاً
الشيخ "محمد الهراوي".
وكان عدد الأطباء والصيادلة خلال المدة التي حكمها "محمد علي"
١٥٠٠ مُتخصص. وأُقفِلت المدرسة أيام الخديوي "سعيد"، ثم أعاد فتحها في
سبتمبر ١٨٥٦ ميلادية.
شروط الالتحاق بالمدرسة الطبية
وفي عام ١٨٧٧ صدر أمر بإنشاء شهادة الدراسة الثانوية، وجعلت هذه شرطًا
للالتحاق بالمدرسة الطبية ومدرسة الصيدلة. وتَقَرَّرَ أن تكون مدة الدارسة بها ٤
سنوات، وظلت مدرسة الصيدلة في مكانها في مستشفى قصر العيني حيث أُنشِئت الكلية
الجديدة.
بداية التدهور في المنظومة الصحية
ونُلاحظ هنا، أنَّ الخدمات الطبية، لم تكن تُغطي مساحة مصر بالكامل،
ولم تخدم الشعب بجملته، ومع انتشار الجهل، والمرض، ظهر الطب الشعبي، والعلاج بالأعشاب،
ووظيفة حلاَّق الصحة، الذي عانى الشعب منهم كثيرا، وناقشها الأديب "يحي حقي"
في رائعته (قنديل أم هاشم).
![]() |
الأديب الراحل "يحيى حقي" - مؤلف قنديل أم هاشم |
فليس كل فئات المجتمع حين ذاك قادرة على التعليم، والوصول لمدارس الطب،
وإذا نجح البعض في الإلتحاق بها، لم يفكر بالرجوع لقريته، أو بلده لخدمة أهله، بل
يطمع في الإقامة بالمدينة أو السفر للخارج.
واستمر تدهور الحالة الصحية للمجتمع مع قلة عدد الأطباء، والعجز
الكبير في المعدات والمستلزمات الطبية ، ممَّا ساهم في انتشار الأمراض والاوبئة في
القرى والمناطق النائية، حتَّى في المدينة، لم يحظى الشعب على العلاج المناسب.
مجانية التعليم
لكن، مع إعلان مجانية التعليم، حتَّى المرحلة الجامعية في ستينيات
القرن الماضي، وانتشار التعليم بدأت عقول المجتمع تتفتح، وانحسر دور العلاج الشعبي،
واختفت مهنة حلاق الصحة تماما، مع الإستمرار في العلاج بالأعشاب.
وأصبح لا غنى عن الطبيب .. لكن، واجهت المهنة عجز الحكومة في توفير
الميزانية اللازمة للنهضة بالمجال الصحي في مصر؛ نتيجة الممارسات الخاطئة، وليس
زيادة عدد السكان كما يَدَّعي المسؤولين.
ورغم تدفق المساعدات الداخلية والخارجية، ظلَّت وزارة الصحة عاجزة عن
علاج مشاكلها، وظهرت مستشفيات الجمعيات الأهلية، التي قدمت المساعدات الطبية
للجمهور في حدود المتاح لها .
ولجأ المواطن للوسائل البدائية في العلاج، كالعلاج بالأعشاب، والكي
وما شابه ذلك، وحقَّقَ ذلك درجة من الانتشار مع دخول قنوات فضائية إلى المجال،
الذي أصبح مفتوحأ أكثر للنصَّابين،
وتم ملاحقة البعض منهم والقاء القبض عليهم .. لكن لم تنتهي تلك
الظاهرة، بل بالعكس تطورت وانتشرت مع دخول الانترنت ومواقع التواصل الإجتماعي،
وانتشرت طرق علاجية كثيرة، ووصفات مختلفة،
سواء من متخصصين أوغيرهم، هدفهم الكسب السريع.
ووصل الأمر لنشر فيديوهات لطرق العمليات الجراحية.
وانتشرت مشاكل كثيرة بسبب
استخدام تلك الوصفات الضارة، التي تنتهي
بالذهاب للمستشفى أو القبر.
وأصبحت الحكومة أكثر عجزأ في مواجهة مشكلات المجتمع الصحية، وانهيار المنظومة العلاجية في مصر بسبب تقاعسها، ورمي المسؤولية على المواطن المطحون، بالرغم من دفعه قيمة الضرائب المفروضة عليه في مقابل تقديم الخدمات المناسبة له.
COMMENTS