بداية من خمسينيات القرن العشرين؛ ساعدت أبحاث راند في صياغة القرار الأمريكي الخاص بالكثير من المواضيع التي تضمن تفوق حكومة الولايات المتحدة على الدوام

مؤسسة راند | قصة الصانع الرئيسي للتفوق الأمريكي في العالم

 (بقلم / سيرجي كوربوف)

مقر مؤسسة راند في سانتا مونيكا بكاليفورنيا

راند - بذور الفكرة

مؤسسة راند لها دور كبير وخطير في صُنْع السياسات الأمريكية..

فكرة المؤسسة بدأت عندما فكَّر بعض أصحاب القرار في (وزارة الدفاع الأمريكية) و(مكتب البحث العلمي والتطوير والصناعة) في إنشاء مؤسسة خاصة يمكنها ربط التخطيط العسكري بقرارات البحث والتطوير.

هنا بدأ الجنرال "هنري أرنولد" قائد القوات الجوية تنفيذ مشروع راند Research And Development.

كان هدف المشروع الأول هو التخطيط الطويل المدى لأسلحة المُستقبل.

في مارس 1946م؛ أخدت شركة (دوجلاس) للطيران عقد بحث وتخطيط حروب القارات باستخدام بحوث العمليات.. وفي مايو 1946م؛ قدمت شركة (دوجلاس) أول أبحاثها، وكان عبارة عن تصميم لسفينة فضاء تجريبية تدور حوْل الكوكب.. هذا البحث أو المُقترَح كان النموذج الأوَّلي لبرنامج القمر الصناعي الأمريكي.

نقطة التحول

في العام 1948م؛ انفصل مشروع راند عن شركة (دوجلاس)، ومُنْذ هذا التوقيت أصبحت راند منظمة غير رِبحية.. رأس المال الذي تم توفيره بعد الانفصال مباشرة كان مُقدَّما كمنحة من (مؤسسة فورد).

في العام 1948م؛ تحوَّل المشروع الجديد إلى مركزٍ فكري ضخم أو Think Tank للسياسة العالمية..

مؤسسة راند بدأت العمل على بحث وتطوير وتحليل أنشطة القوات المسلحة الأمريكية، وتقديم توصيات وأبحاث وتقارير تضمن هيمنة الولايات المُتَّحدة على العالم.

مشاريع راند والتفوق الأمريكي

روبرت ماكنمارا - وزير الدفاع الأمريكي الأسبق

بداية من خمسينيات القرن العشرين؛ ساعدت أبحاث راند في صياغة القرار الأمريكي الخاص بالكثير من المواضيع التي تضمن تفوُّق حكومة الولايات المتحدة على الدوام؛ مثل:

(سباق الصناعات المُتَعلِّقة بغزو الفضاء - مواجهة التهديدات النووية السوفييتية - إنشاء برامج خاصة برفاهية المجتمع الأمريكي - المساهمة بشكل كبير في الثورة الرقمية - الرعاية الصحية).

من أكبر مساهمات راند؛ هو إنشاء وتكوين عقيدة (الردع النووي بالتدمير المتبادل)، التي كانت بتوجيه من "روبرت ماكنمارا" وزير الدفاع الأمريكي السابق، والمدير التنفيذي لشركات فورد في وقت ما.

تشكَّلت عقيدة الردع النووي بناء على نظرية اللعبة Game Theory التي قدمتها راند لصانع القرار الأمريكي.

توسَّعت راند وعملت في مشاريع عدَّة مع مؤسسات خاصة ومنظمات دولية وشركات وحكومات أخرى – راند لها مشروع في دولة قَطَر باسم (معهد راند قطر للسياسات).. لكن استمرَّت أبحاثُها الخاصة بالشأن الحربي والدفاعي حكرا خاصا للولايات المتحدة فقط.

من أهداف راند المُعلنَة:

(حل المشاكل بين فروع المعرفة، وترجمة المفاهيم الاقتصادية والعلمية إلى تطبيقات مبتكرة؛ وذلك باستخدام بحوث العمليات والعلم التطبيقي).

ومن إنجازاتها الكبيرة:

(تطوير تحليل الأنظمة، وتطوير برنامج الفضاء الأمريكي، وتطوير برامج الحاسبات والذكاء الاصطناعي).

باحثي راند طوروا أيضا الكثير من المبادئ التي تم استخدامها في بناء شبكة الانترنت، كما كان للمؤسسة الكبيرة مساهمات ضخمة في تطوير الألعاب وبرامج المحاكاة الحربية.

يتراكم لدى راند كم رهيب من الخبرات في كثير وكثير من المجالات مثل:

(سياسة الطفل - العدالة المدنية والجنائية - التعليم - الصحة - السياسة الدولية - أسواق العِمالة حول العالم - نظريات الأمن القومي - مشاريع البنية التحتية بكل فروعها - الطاقة - البيئة - حَوْكَمة الشركات – الاستخبارات - التنمية الاقتصادية - التخطيط طويل المدى - إدارة الأزمات - الاستعداد للكوارث - العلوم والتكنولوجيا - الدراسات الديموجرافية - الدراسات الإقليمية - النقل - سياسة الفنون - الرفاهية الاجتماعية –مكافحة الإرهاب).

لكن – ورغم كل تلك الأنشطة والمجالات – يجب أن نعرف أن تقرير راند السنوي في العام 2005م أشار إلى أن نصف أعمال المؤسسة تتعلق بمجالات الأمن القومي.

راند لها أدوار كبيرة جدا، ومُتَشعِّبة للغاية صعب التحقُّق منها؛ بسبب الافتقار لتفاصيل كثيرة عنها.. هذه الأدوار خاصة بوكالة الاستخبارات المركزية CIA ومؤسسة الدفاع.

أسماء شاركت مع راند في مشاريعها

أخيرا؛ سنُلقي الضوء سريعا على بعض الأسماء التي شاركت مع راند على مدار تاريخها.. بالنظر إلى هذه الأسماء والشخصيات؛ سيتضح مدى تأثير وخطورة هذه المؤسسة على القرارات والسياسات العالمية.

كينيث آرو

كينيث آرو

عالم اقتصاد يهودي فائز بنوبل.

برونو أوجنستاين

عالم مُتَخصص في الفيزياء والفضاء والرياضيات.

روبرت أومان

عالِم رياضيات من أصل يهودي، وحاصل على نوبل في الاقتصاد.

بول باران

عالم يهودي؛ وواحد من مُطَوِّري نظام نقل حِزَم البيانات التي تم استخدامها في شبكات الأربانت والإنترنت.

ريتشارد بيلمان

عالِم رياضيات يهودي؛ عمل في البرمجة الديناميكية.

هارولد بارودي

عالِم فيزياء؛ وخبير في تأثيرات الأسلحة النووية.

صمويل كوهين

عالِم من أصل يهودي؛ اخترع القنبلة النيوترونية.

جورج دانتزيج

جورج دانتزيج

عالم رياضيات؛ اخترع طريقة التبسيط للبرمجة الخطيَّة.

ستيفن دولي

خبير الهندسة البشرية.

فرانسيس فوكوياما

فرانسيس فوكوياما

مؤلف كتاب (نهاية التاريخ والإنسان الأخير).

ديفيد جالولا

يهودي تونسي؛ طور نظريات وتطبيقات حرب مكافحة التمرد.

جيمس جيلوجلي

عالم كمبيوتر متخصص في تشفير البيانات.

كارِن إليوت هاوس

رئيسة راند السابقة؛ والرئيسة السابقة أيضا لـ (داو جونز الدولية).

آمروم هاري

عالِم فيزياء؛ وأحد مُطوِّري وسائل الاستطلاع الجوي المُدَعَّمة بالأقمار الصناعية.

زلماي خليلزاد

زلماي خليلزاد

سفير أمريكا في الأمم المتحدة؛ وشغل أعلى منصب لديبلوماسي مسلم في إدارة بوش الابن، كما أنه زوج "شيريل بينارد" صاحبة تقرير راند الشهير، والذي تم نشره في كتاب بعنوان (الإسلام الديموقراطي المدني).

هنري كيسنجر

هنري كيسنجر

مستشار الأمن القومي للولايات المتحدة، والعضو الدائم في مجلس إدارة (مجموعة بيلدربرج الاقتصادية).. "كيسنجر" شخصية غنية عن التعريف، وسيكون ضيفا في مقال منفصل؛ نتحدث فيه – إن شاء الله – عن دوره الضخم في تثبيت أقدام النظام العالمي بعد اتفاقية (البترودولار) ومعاهدة (كامب ديفيد).

هاري ماركوفيتز

عالم اقتصاد من أصل يهودي؛ وحاصل على نوبل.

أندريو مارشال

خبير استراتيجي عسكري؛ شغل منصب كبير في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون).

مارجريت ميد

عالمة إنسانيات؛ وكان لها تأثير كبير على (الثورة الجنسية) التي بدأت مع ستينيات القرن العشرين.

جون فون نيومان

جون فون نيومان

عالم من أصل يهودي؛ وأحد رواد الكمبيوتر الرقمي الحديث.. عمل في مشروع (مانهاتن)، وكان عضوا في لجنة الطاقة الذرية الأمريكية، ومستشارا للقوات الجوية، ومستشارا لمعمل الأبحاث الباليستية، ومستشارا لمشروع الأسلحة الخاصة للقوات المسلحة.

كوندليزا رايس

وزيرة الخارجية؛ ومستشارة الأمن القومي السابقة.

دونالد رامسفيلد

وزير الدفاع الأمريكي السابق.

كلها أسماء من الوزن الثقيل؛ وهذا هو حال الشخصيات المُشاركة في مشاريع راند.

بقي أن نطرح سؤالا - بلا إجابة واضحة - كخاتمة لمقالنا:

لماذ لا يُمكن لأي دولة عربية أو إسلامية تأسيس مشروع أو كيان على غِرار مؤسسة راند؟!