فيلم (القلعة الأخيرة) ليس مجرد فيلم عادي؛ ولكنه من الأعمال القليلة التي تحمل معنى ومغزى؛ سواء من الشخصيات، مرورا بالحوار والعُمْق المختبئ فيه
القلعة الأخيرة | كيف تُحدِث تغييرا وثورة؟!
(بقلم / صفية عامر)
القلعة الأخيرة |
القلعة ليست في حقيقتها قلعة؛ بل هي سجن لجنود وضباط مِمَّن ارتكبوا جرائم عسكرية
فيلم (القلعة الأخيرة) ليس مجرد فيلم
عادي؛ ولكنه من الأعمال القليلة التي تحمل معنى ومغزى؛ سواء من الشخصيات، مرورا
بالحوار والعُمْق المختبئ فيه، أو من الأحداث ورمزيتها.
يبدأ الفيلم بشرح معنى القلعة (على أرض
مرتفعة، تطل على مناطق مرتفعة، الجدران العالية القوية التي تحميها من أي هجوم مُحتَمل،
الرجال المُدَرَّبون الجاهزون لحمايتها، ثُم العَلَم.. وما يجب أن يتعلَّمه جنودك
هو عدم التفريط في العَلَم أيا كانت الظروف والأسباب، وأخيرا ليرتفع العلم عاليا
ليراه الجميع)
القلعة ليست في حقيقتها قلعة؛ بل هي
سجن لجنود وضباط مِمَّن ارتكبوا جرائم عسكرية.. كولونيل "وينتر" يُعامِل
المساجين كمُجرِمين لا كجنود سابقين، ولديه مجموعة من آثار لبعض المعارك (أسلحة،
ذخيرة) يعاملها باحترام شديد.
يستقبل "وينتر" سجين غير
عادي؛ وهو الجنرال "إروين" أحد القادة الكبار، ونَظَرا لموت عدد كبير من
جنوده أثناء مهمة صعبة، تمَّت محاكمته والحكم بسجنه 10 سنوات رغم تاريخه المشرف
والنزيه.
رجُل المُراهنات؛ الطيار السابق
"ييتس" حين استقباله كسجين يَطْرح أول مراهنة على الرجل:
"هل سيتحمل؛ أم سيقتل نفسه؟!"
يلتقي "وينتر" بـ
"إروين" ليخبره عن قواعد السجن ووصف ملخص للمكان، ويسأله عن خططه؛
ليجيبه: "أقضي فترة عقوبتي وأمضي"..
بينما يبحث كولونيل "وينتر"
عن أحد مؤلَّفات الجنرال "إروين" لتوقيعها، يصطدم بتعليق
"إروين" عن مجموعته:
"أي رجل لديه مجموعة كهذه، لم تطأ قدمه ساحة المعركة، بالنسبة له تبدو رصاصة مخروطية من شايلو، مجرد مادة من صُنع الإنسان، بالنسبة لجندي قديم، فهي قطعة من المعدن سببت ألما شديدا لأحد الأوغاد المساكين".
مكانته ورتبته التي أخذت منه على أبواب السجن تدفع البعض أن يطلبوا منه التدخل مستخدما علاقاته القوية
لتظهر لنا إحدى أزمات هذا الكولونيل،
فقدميه لم تطأ أرض معركة حقيقية بعد، ويجعل من إدارته للقلعة، وسيطرته السيكوباتية
على المُدانين، انتصارا عسكريا في المعركة الوهمية التي يعيشها هو فقط.
الشجارات المعتادة بين المساجين..
وجود "ييتس" رجل المراهنات
وانتهازه للفرص..
تظهر سعادة الكولونيل بالخلافات بين
المساجين، هي وسيلته للسيطرة، وانشغالهم عن التفكير في أي شئ آخر كالهروب من
القلعة مثلا، وفي الوقت المناسب يُطلِق النفير لينبطح الجميع أرضا حتى يسيطر على
الموقف.
الجنرال "إروين" يراقب في
صمت محتفظا برغبته في قضاء مدته والذهاب.. بينما مكانته ورتبته التي أخذت منه على
أبواب السجن تدفع البعض أن يطلبوا منه التدخل مستخدما علاقاته القوية لإيقاف
"وينتر"؛ وذلك بسبب إهماله في حق المساجين ووفاة عدد كبير منهم، وعدم
وجود الرعاية الطبية اللازمة.. إلخ
وتولَّى الإيضاح والشرح طبيب كان تحت
إمرته سابقا، حتى أنه يلتمس له العذر كونه يعلم جيدا أنهم لم يعودوا جنودا وأنهم
مدانون بجرائم.
هل تُذَكِّرك تلك الجرائم بشئ ما؟! أو
مكان ما؟!
زيارة من ابنته تكشف عن جانب آخر..
لقدم اهتم بحياته المهنية والعسكرية على حساب ابنته الوحيدة.
يتعرف "إروين" على
"إجويلار" الضابط المتلعثم، والذي يُلقي عليه التحية العسكرية؛ وبينما
يخبره عن معنى التحية العسكرية (التحية عبارة عن الاحترام يا بني.. احترم نفسك
والخدمة والعلم) تحت سمع وبصر "وينتر"، ليكون عقابه على تحية الجنرال والتي
لم يكن يقصدها أن يقف في البرد والمطر طوال الليل مؤديا التحية العسكرية.
نفس سياسة كسر الرموز وتحطيم الأبطال؛ والحجة: "هو ليس مختلفا عنكم"
لابد من كسر الكرامة..
لابد من الإذلال..
لتكون هذه الأحداث بداية الاصطدام مع
"وينتر" وقواعده؛ حين يرفض الجنرال تلك العقوبة ويحاول منعها، ليكون
عقابه أيضا نقل الحجارة من مكان لمكان بمتابعة قلقة من الجنود نظرا لكبر سنه، فيستغل
الفرصة "ييتس" صبي المراهنات مرة أخرى؛ وعلى عكس توقُّعات
"وينتر" بإذلاله؛ ينال "إروين" إعجاب المساجين به وبقدرته على
الصمود وعدم الخضوع.. يدفع ذلك "وينتر" لإعادة الكَرَّة مرة أخرى ليعيد
الحجارة إلى مكانها الأول.
نفس سياسة كسر الرموز وتحطيم الأبطال؛ والحجة:
"هو ليس مختلفا عنكم".
هدف يبدو أنه يحمل من المنطق الكثير؛
لكنه يحمل: "لا تأملوا فيه كثيرا" بشكل أكبر..
هي محاولة لمنع ظهور قيادة لكنها أتت
بعكسها تماما، فبالطَّرْق على جُدران محبسهم الحديدية؛ استقبل المساجين ذلك
الجنرال كتحية لِما أبداه من صمود غير مخالفين لقواعد السجن.
وهنا تبدأ رمزية الحجارة، وفكرة وبناء
قلعة لتتحول لرمز فخر بدلا من كونها عقاب، وطبعا تحسن حالتهم النفسية ليست في صالح
"وينتر"؛ فيقرر هدم تلك القلعة ليتصدى لها "أجويلار" ووسط
غرور القوة وسيطرتها على "الكولونيل" يقتل "أجويلار".
يبدأ الصراع العملي بين
"وينتر" و"إيروين"؛
حين يخاطب الأول الثاني بلهجة التفضل أنه يوافق على التحية الغريبة التي بدأ
المسجونون بتفعليها كلما تقابلوا مع الجنرال بجانب لقب "رئيس" الذي
أطلقوه عليه تجنُّبا للتصادم مع تعليمات السجن.
ليواجهه "الثاني" بأنه قرر
عزله وتسليم إدارة السجن لمن هو أحق منه لأنه عار على العسكرية؛ وعلى الزي الذي
يرتديه.. وتبدأ الخطة.
وهنا؛ لابد من مشاهدة الفيلم.. فهذه الخطة أجمل من أن توصَف بكلمات، خاصة وبينما الكولونيل يستخدم أحط الأساليب وأسوأ مافي المساجين، كان الجنرال يسير في الاتجاه العكسي.
أبطال أكتوبر غاب أغلبهم عن المشهد من سنوات، وتصدرت صور المُدَّعين والأفَّاقين المشهد والقيادة
لكن هنا يجب أن نعود لشخصية
"وينتر"، وعُقدة النقص التي يُعاني منها وإن لم يكن يظهرها.. الانتصار
الوحيد الذي يفتخر فيه أن السجن لم يسجل حالات تمرد أو هروب منذ تولَّى إدارته.
إدارة السجن هي معركته الوهمية؛ حيث لا
يملك أي تاريخ عسكري مُشَرِّف، هي مجرد ترقيات تلقاها الواحدة تلو الأخرى بشكل
روتيني مَحض.
هل يشعر "وينتر" بالنقص؟!
الإجابة برأيي: "هو كذلك، وكم ممن
هم على شاكلته بيننا.. مَن لا يملِكون أي انتصار أو شرف عسكري حقيقي يتسيَّدون
الموقف؛ بينما الأبطال الحقيقيون ستجدهم قمة التواضع وغالبا ما يتوارون عن الأنظار".
أبطال أكتوبر غاب أغلبهم عن المشهد من
سنوات، وتصدرت صور المُدَّعين والأفَّاقين المشهد والقيادة؛ وتركوا مهامهم
الرئيسية للذَوْد عن الوطن، وتحوَّلوا لرجال أعمال يُنافِسون الشعب على "لُقمة
العَيْش".
COMMENTS