صراعات تدور من أجل (سيد الخواتم)؛ خاتم "سورون" الذي فقده في إحدى المعارك التي استمرت لآلاف السنين بينه وبين البشر والجن

ثلاثيات سينمائية (1) | سيد الخواتم.. الأب الروحي لعوالم الفانتازيا

 (بقلم / سيرجي كوربوف - عطار نيسابور)

سيد الخواتم The Lord of The Rings

نحن لازلنا نذكر النهاية المُحبِطة للمسلسل الأشهر (صراع العروش Game of Thrones)، والتي اعتُبرَت بمثابة المهزلة، وذلك عند مقارنتها بمسار الأحداث طوال أجزاء المسلسل الفانتازي العظيم

صراع العروش - نهاية محبطة

الأعمال السينمائية المسلسلة الطويلة غالبا ما تستقر في ذاكرة ووجدان مشاهديها؛ لأن عرضها يمتد على مدار سنوات؛ الشيء الذي يجعل الجمهور في انتظار أجزائها الجديدة بشغف كبير..

وعلى نفس الوتيرة فالأعمال الأدبية العظيمة في أغلب الأحيان تُقدِّم وصفة مضمونة للنجاح السينمائي أو التليفزيوني؛ عند تحولها إلى سيناريو مكتوب، حتى لو كان هذا العمل ضعيفا على مستوى أداء الممثلين أو الإخراج أو السيناريو نفسه..

نحن لازلنا نذكر النهاية المُحبِطة للمسلسل الأشهر (صراع العروش Game of Thrones)، والتي اعتُبرَت بمثابة المهزلة، وذلك عند مقارنتها بمسار الأحداث طوال أجزاء المسلسل الفانتازي العظيم.. هذه النهاية التي لم تمنع تصَدُّر (صراع العروش) لأغلب – إن لم يكن جميع – قوائم المسلسلات التي تم عرضها للجمهور على جميع الشاشات في التاريخ..

نعم؛ السر في الرواية الخرافية مكتملة الأركان..

فالكاتب "جورج ر.ر. مارتن" استطاع بعبقرية فريدة خلق عالم كامل موازي من خياله.. عالم ذو تاريخ يمتد لأكثر من اثني عشر ألف عام على أرض رَسَم جغرافيتها وحدودها، واقتبس تاريخها الطويل بشكل يجعلك تظن أنه قد قرأ تاريخ شعوب الأرض بالكامل.. فما تاريخ عالم (صراع العروش) إلا مرآة لتاريخ عالمنا..

مجموعة أغنية الجليد والنار - جورج مارتن

عند النظر لـ (صراع العروش) والتمعُّن في كتب "مارتن" التي وصف فيها (عالم الجليد والنار)، نستحضر فورا عوالم "ج. ر. تولكين" أحد رواد أدب الفانتازيا، والذي نعتبره الأب الروحي الحقيقي لعالم الجليد والنار، وكل العوالم المشابهة..

 لقد حصد (عودة الملك) على جميع جوائز الأوسكار التي ترشَّح لها وعددها 11 جائزة

حاصد الأوسكار

ثلاثية (سيد الخواتم The Lord of The Rings) تم عرضها على ثلاث أجزاء؛ أعوام 2001م، 2002م، 2003م؛ في ثلاث أجزاء متتالية، بعد خمس سنوات من عملية الإعداد والمونتاج..

حصل الجزء الأول من الثلاثية (رفقة الخاتم The Fellowship of The Ring) على أربع جوائز أوسكار من أصل 13 جائزة ترشَّح لها.. هذه الجوائز كانت أفضل تصوير، وأفضل ماكياج، وأفضل موسيقى تصويرية، وأفضل مؤثرات بصرية..

والجزء الثاني (البُرجان The Two Towers) حصل على جائزتي أوسكار هما أفضل مونتاج صوتي، وأفضل مؤثرات بصرية، وذلك من أصل 6 ترشيحات..

بيتر جاكسون وجوائز الأوسكار التي حصدها

أما الجزء الثالث (عودة الملك The Return of The King) فقد فعل ما لم يفعله أي فيلم آخر في تاريخ الأوسكار.. لقد حصد (عودة الملك) على جميع جوائز الأوسكار التي ترشَّح لها وعددها 11 جائزة، وهي أفضل فيلم في السنة، وأفضل مخرج، وأفضل سيناريو مُقتَبَس، وأفضل مونتاج، وأفضل ديكور، وأفضل ملابس، وأفضل ماكياج، وأفضل موسيقى تصويرية، وأفضل مونتاج صوتي، وأفضل مؤثرات بصرية.. كما حصد الفيلم على 4 جوائز جولدن جلوب..

يبدأ تاريخ هذا العالم في الأرض الوسطى، حيث صُنع عدد من الخواتم التي تهب قدرات خاصة لمن يرتديها

تاريخ الأرض الوسطى

الأرض الوسطى؛ هي العالم الخيالي الذي كتبه "تولكين".. عالم يدور فيه صراع طويل ومكرر بين الخير والشر.. صراع يتضح فيه الخط الفاصل بين المعسكرين.. لكن مع وضوح هذا الخط، فالصراع يزداد تعقيده طوال الأحداث..

يبدأ تاريخ هذا العالم في الأرض الوسطى، حيث صُنع عدد من الخواتم التي تهب قدرات خاصة لمن يرتديها.. وُزِّعت هذه الخواتم على سادة الأقزام (Dwarves) والجن (Elves) والبشر (Men)، وذلك لحكم هذا العالم.. لكن – وفي الخفاء – صُنِع خاتم آخر.. خاتم أقوى يمكنه التحكم في جميع الخواتم الأخرى.. هذا الخاتم كان من نصيب "سورون" الممثل الصريح للظلام أو لقوى الشر..

ج. ر. ر. تولكين

عالم "تولكين" تشكَّل من أجناس تتشارك على أرضه؛ فهؤلاء البشر أو السادة الحقيقيون لهذا العالم، وهؤلاء الجن؛ حلفاؤهم القدامى الذين ساعدوهم يوما في حربهم ضد "سورون"، وهؤلاء الأقزام أصحاب ثروات الجبال، وهؤلاء الهوبيتس الشُجعان الذين يؤثرون الابتعاد عن الصراع المستمر على هذه الأرض..

صراعات بين كل جنس وآخر، وصراعات أخرى تدور بين كل الأجناس وبين "سورون" وجيوشه..

مخرج الفيلم "بيتر جاكسون" استطاع أن يبني عالم "تولكين" كما كتبه تماما، بل ربما أفضل، وهذا ما جعله مستحقا لكل جوائز الأوسكار التي حصل عليها

صراعات تدور من أجل (سيد الخواتم)؛ خاتم "سورون" الذي فقده في إحدى المعارك التي استمرت لآلاف السنين بينه وبين البشر والجن..

الخاتم الذي ذهب – بالمصادفة – ليد "جولوم"؛ حاملا لعنته التي حولت ذلك الهوبيت البسيط إلى مسخ لا يستطيع التفرقة بين الخير والشر..

بيتر جاكسون وعالم تولكين

مخرج الفيلم "بيتر جاكسون" استطاع أن يبني عالم "تولكين" كما كتبه تماما، بل ربما أفضل، وهذا ما جعله مستحقا لكل جوائز الأوسكار التي حصل عليها.

فقد صنع الشاير The Shire؛  تلك المقاطعة التي يعيش فيها الهوبيتس المسالمين، والمتجاهلين لكل مشاكل العالم.. فلا هَمَّ لهم إلا الزراعة ورعي الحيوانات وشُرب النبيذ والتدخين.. عالم مُغلق على أصحابه، يسوده العلاقات الإنسانية المُفعمة بالترابط والمحبة والسلام..

الشاير - أرض الهوبيتس

عبقرية "جاكسون" تتجلى مع بدايات الفيلم؛ فأنت تشعر بالبهجة والألفة والسلام النفسي مُباشرة بمجرد ظهور الشاير أمامك على الشاشة.. فالمقاطعة يملؤها اللون الأخضر – اللون الافتراضي للجنة، وتسودها الألفة والسعادة اللتان تظهران مع احتفال الهوبيتس مع عائلة "باجينز" بعيد ميلاد "بيلبو"..

الشعور الذي يقابله التوتر والرهبة عند رؤية عالم "سورون".. هذا العالم المُظلم، والذي تحكمه كائنات قبيحة (الأوركس).. عالم يغلب عليه الألوان القاتمة والنيران المشتعلة والأراضي القاحلة..

أحداث يبدأ بها الفيلم، فترسم في خيالك بوضوح هذا الخط الفاصل الذي تحدثنا عنه..

جولوم

أبدع "بيتر جاكسون" أيضا في تصوير حلقة الوصل بين العالمين.. "جولوم" أو "سميجول"؛ هذا الوحش الذي صنعه سيد الخواتم بعد أن افتُتِنَ به..

"جولوم" كان من الهوبيتس؛ يعيش في المقاطعة.. ويتحول بمجرد رؤية الخاتم إلى قاتل.. فتتغير هيئته، ويفقد طبيعته الطيبة، ويتحول تدريجيا إلى مسخ يشبه الأوركس إلى حد ما..

جولوم أمام جبل الهلاك

شخصية "جولوم" تنتقل بين معسكري الخير والشر بمنتهى التلقائية، مما جعلها أحد أكثر الشخصيات تعقيدا في مسار الأحداث، لدرجة أنك لا تدري هل تتعاطف معها أم تمقتها في كل موقف لها؟!

ظهرت مقدرة المخرج أيضا في تصور مدينة "جوندور"، أو المدينة البيضاء التي تستقر في أحضان أحد الجبال المرتفعة، في رمزية رائعة لآخر حصون معسكر الخير

المدينة البيضاء

لكن "جاكسون" زاد إبداعه في إخراج المعارك الحربية على مدار الثلاث أجزاء، حتى أنه من الصعب أن تشاهد معركة شبيهة بمعارك (The Lord of The Rings) التي وصلت أحداث إحداها إلى ما يقرب من 45 دقيقة كاملة، مليئة بالتفاصيل التي لا يمكن للمشاهد أن يمل طوال مشاهدتها..

ظهرت مقدرة المخرج أيضا في تصور مدينة "جوندور"، أو المدينة البيضاء التي تستقر في أحضان أحد الجبال المرتفعة، في رمزية رائعة لآخر حصون معسكر الخير؛ فلو سقطت لانتصر الظلام، وتحولت إلى ألوان اللهب القاتمة..

مدينة جوندور - المدينة البيضاء

ولا ننسى أيضا روعة مشاهد مناجم "موريا" الخرافية؛ فهي عالم الأقزام الذي شيَّدوه في باطن الجبال، أو مملكة الجن (ريفينديل) المستوحاة من الأساطير الجرمانية التي تصف الجنة، أو غابة (فانجورن) ذات الأشجار المُتَكلِّمة.. لو تحدثنا عن عبقرية "بيتر جاكسون" في إخراج كل مشهد، لن نوفيه حقه..

استطاع "بيتر جاكسون" استخدام الموسيقى التصويرية التي لحنها "هاوارد شور" بصورة تلائم تماما ما تشعر به داخلك أثناء مشاهدتك لأحداث الفيلم.. ستضطر بالفعل إلى البكاء في أكثر من مشهد بسبب تفاعل هذه الموسيقى (التي فازت بالأوسكار) مع مشاعر الممثلين والأحداث على الشاشة..

الفيلم به أكثر من بطل؛ كل منهم له مسار منفصل عن الآخرين، فلا يجتمعون إلا في بدايات الفيلم ونهاياته فقط..

أداءات خرافية

وبالرغم من عدم فوز أي من ممثلي الفيلم بأي جائزة أوسكار خلال الثلاث أجزاء؛ إلا أن أداء أغلبهم كان مميزا على المستوى الجماعي؛ تماما كعازفي الأوركسترا.. الفيلم به أكثر من بطل؛ كل منهم له مسار منفصل عن الآخرين، فلا يجتمعون إلا في بدايات الفيلم ونهاياته فقط..

فهذا "فرودو باجينز – إليجاه وود" مع صديقه "ساموايز جامجي – شين أوستين" يسلكان مسارا طويلا مليئا بالمصاعب والمخاطر ومواجهة جحافل الأوركس؛ تحمَّلا خلاله سويا مهمة حمل الخاتم وتدميره في جبل الخراب الذي صُنع فيه..

وهذا "جاندالف – يان ماكلين" الساحر الذي تولى مهمة تكوين بعثة الخاتم؛ لكنه مر بصراع رهيب مع "بالروج"؛ روح العالم السفلي الشريرة التي أجبرته على الانفصال عنهم، ومن ثم المرور بتجربة قاسية جعلته يكمل المسار وحيدا..

وهذان "ميري – دومينيك موناغان" و"بيبين – بيري بويد" أصدقاء "فرودو" و"سام" اللذان خُطفا بواسطة الأوركس وضلا طريقهما في غابات (فانجورن) السحرية..

وهؤلاء "أراجورن – فيجو مورتنسن" و"ليجولاس – أورلاندو بلوم" و"جيملي – جون دافيس" الذين ذهبوا للبحث عن "ميري" و"بيبين" من أجل لم شمل البعثة من جديد..

بعثة الخاتم

مسارات مختلفة؛ نجح خلالها المخرج والممثلون في جذب المشاهدين تماما بدون أي بادرة ملل.. اثنا عشرة ساعة تقريبا من الأحداث المثيرة في عالم تستغرق فيه بكل كيانك ومشاعرك، فلا تشعر بما ومن حولك إلا بعد انتهاء آخر مشاهد هذه الثلاثية الساحرة..

تقييمات الفيلم على موقع IMDB العالمي

الجزء الأول: 8.8 (يحتل المركز العاشر في قائمة الموقع لأفضل الأفلام في التاريخ).. اضغط هنا

الجزء الثاني: 8.7 (يحتل المركز الرابع عشر).. اضغط هنا

الجزء الثالث: 8.9 (يحتل المركز السابع).. اضغط هنا

اقرأ أيضا: دراماتيك | العمل للسينما، والعمل من السينما

اقرأ أيضا: نتفليكس..شاشة تأخذك إلى جهنم (1) | هوليوود والنشأة