يعرف الأخوة الثلاثة أنهم كانوا بمثابة فئران تجارب تشرف عليها جهات سرية، وأنَّ مصيرهم كان مُحدد مسبقًا بناء على توصيات الفريق العلمي المسئول عن التجربة

 three identical strangers | عندما تتحول صدفة إلى مأساة

(بقلم / سيرجي كوربوف وعطَّار نيسابور)

التوائم الثلاثة

قصة غريبة

في العام 1980 كان حديث الإعلام والشعب الأمريكي عن حدث من أغرب الأحداث على الإطلاق، فهي قصة لن يصدقها أحد أبدًا وسيعتبرها ضرب من ضروب الخيال.

استمرت هذه القصة لسنين طويلة ما بين لحظات السعادة في بدايتها؛ والمأساة التي انتهت بها حين تم كشف الحقيقة.

البداية كانت في إحدى الجامعات التي التحق بها الطالب الجديد ذو التسعة عشرة سنة واسمه "بوبي شافران"..

في أول أيام العام الدراسي فوجيء "بوب" اثناء دخوله من بوابة الجامعة بأحد الأشخاص يستقبله بود ظاهري كما لو كان صديق قديم.

لم يكتفِ الأمر بهذا الشخص، فتطور الأمر ليجد أن جميع من بالمكان يرحبون به ويستقبلونه بأذرع مفتوحة..

يناديه أحد هؤلاء الأشخاص قائلا: "ألست أنت إيدي؟!".

ينكر "بوبي" ويعرفه بنفسه، فيسأله الآخر عن تاريخ ميلاده وهنا ينتقل الذهول لزميله سائلًا: "هل لديك أخ توأم؟!"، فيجيب بلا..

يأخذ هذا الطالب "بوبي" إلى أقرب كابينة تليفون ويتصل برقم ما، وما أن يجيب الطرف الأخر حتى يسمع "بوبي" صوتًا نسخة طبق الأصل من صوته؛ ليكتشف أنَّ له أخ توأم لم يعرفه طيلة تسعة عشرة عام.

يقرر الأخوان أن يتقابلا فورًا في التو واللحظة، ويركب "بوبي" سيارته وينطلق بها بأعلى سرعة سار بها في حياته؛ ليجد نسخة أخرى منه لا يستطيع المدقق التفريق بينهما..

يعلم الأخوان سريعًا أن مؤسسة تُدعى "لويز وايز أدوبشن" للتبني فصلت بينهما في سن الطفولة وعرضت كلا منهما على أسرة مختلفة..

تنتشر القصة كالنار في الهشيم، وتحكيها الصحف والجرائد في سيناريو المعجزة التي جمعت بين التوأم المتطابق بشكل سينيمائي أقرب للخيال منه للواقع..

هل تنتهي القصة عند هذا الحد؟! بالطبع لا فهناك المزيد من الغرابة..

على الجانب الأخر وفي أحد المنازل توقظ أم أبنها النائم وتعرض عليه الجريدة قائلة:"أنظر إلى هذا التوأم إنهم يشبهونك تمام!"

يتواصل "دايفيد" مع التوأم المشهور ويتفاجيء الرأي العام بالتوأم الثالث ويكتمل لم شمل الأخوة بعد تسعة عشرة عام كاملة بجهل كل منهما بوجود أخين له على قيد الحياة..

تنتشر أخبار التوائم الثلاثة في كل مكان ويحلّوا ضيوفًا بجميع البرامج التلفزيونية.. حتًى أنًّ النجمة المشهورة "مادونا" طلبت منهم الظهور في مشهد لأحد أفلامها استغلالًا لشهرتهم..

اقرأ أيضا: فيلم بابليون (papillon) | السعي إلى الحرية

 

التوائم الثلاثة في مشهد من فيلم لمادونا

الغريب أنَّ بسؤال التوائم الثلاثة عن عاداتهم وسلوكياتهم؛ اتضح أنهم يدخنون نفس نوع السجائر، وينجذبون لنفس النوع من النساء، ولونهم المفضل واحد، كما أنَّ الثلاثة اعتادوا لعب المصارعة في فترة معينة من عمرهم، غير استخدامهم لنفس الكلمات في الحوار ونفس طريقة الجلوس وردات الفعل.

يستغل الثلاثة شهرتهم الواسعة ويقوموا بافتتاح مطعم حقق لهم أرباح خيالية في بدايته، قبل اختلافهم في إسلوب الإدارة..

غضب ومفاجأة

ظل سؤال مهم شاغلًا عقول من الأخوة آبائهم بالتبني، فلماذا فرق مكتب التبني الثلاثة عن بعضهم ولم يخبر أي منهم بأن الطفل له توأمين متماثلين؟!

يذهب الآباء الثلاثة لمكتب التبني للبحث عن إجابة هذا السؤال، لكن الإجابات كانت واهية ومترددة؛ فيخرج الآباء شاعرين بالغضب..

ينسى أحد هؤلاء الأباء مظلته بداخل المكتب فيعود لإحضارها؛ ليجد أنَّ المسؤلين في المكتب يفتحون زجاجة من الشامبانيا؛ كأنهم يحتفلون لخروجهم من مأزق ما..

بعد فترة وجيزة يأتي اتصال تلفوني من الصحفي "لورانس رايت" للأخوة يخبرهم فيه أنَّ توزيعهم  على ثلاثة أسر مختلفة كان نتيجة تجربة علمية سرية قام بها عالم نفس نمساوي يهودي يُدعى "بيتر نيوبوير".. تجارب عن تأثيرات (الكامن والمكتسب) في سلوكيات الفرد، والتي سعى من خلالها لوضع حد نهائي للنقاش القديم المتعلق ب"الجينات مقابل التنشئة"، فهل سلوك الانسان وتصرفاته تحدث بسبب طبيعته الجينية أم بسبب ظروف تنشئته وبيئته؟!

يعرف الأخوة الثلاثة أنهم كانوا بمثابة فئران تجارب تشرف عليها جهات سرية، وأنَّ مصيرهم كان مُحدد مسبقًا بناء على توصيات الفريق العلمي المسئول عن التجربة..

يستمر الصحفي المجتهد "لورانس رايت" في البحث عمَّا وراء الستار؛ ليكتشف أنَّ هذه التجارب أخضَعَت الكثير من التوائم لهذه الدراسة؛ ليتقابل كل هؤلاء الأشخاص بأخوتهم بعد مرور عقود من الزمن.

يستمر الصحفي "لورانس رايت" في بحثه عن نتائج هذه الأبحاث، وما الهدف النهائي منها، والمسؤلين الرئيسيين عنها.. لكنه لم يصل إلى أي شيء..

أخيرًا؛ يكفي أن نقول أن "إيدي" مر بحالة نفسية سيئة للغاية عندما أيقن أنه كان ضحية تجربة بشعة تحكمت بمصيره وحياته؛ فأطلق الرصاص على نفسه في نهاية الأمر ومات منتحرًا..

اقرأ أيضا: أصفر | فوضى في أتوبيس عبود (محاكاة مشوشة)

بعد سنين طويلة من هذه الواقعة الغريبة، يظهر فيلم وثائقي three identical strangers يحكي عما حدث لهم بالتفاصيل، وبسبب هذا الفيلم وبسبب الضغط الناتج عنه؛ ظهرت تقارير من عشرات الآلاف من الصفحات؛ يُقال أنَّها نتائج الأبحاث والتجارب، لكنها أيضًا لم تقدم إجابات شافية.. ويقول أحد الخبراء أنًّه ربما تظهر الحقيقة عقب وفاة جميع من عمل بهذه التجربة.

الأخوة الثلاثة