هذا القائد هو الشيخ "عبدالله بن ياسين" العالم الورع التقي، الذي عاش في القيروان قبل أن يبدأ رحلته الطويلة
عبد الله بن ياسين | نظرة على قيام دولة المرابطين العظيمة
قيادة فذة
في تاريخ الأمم وأثناء فترات نهوضها وقيامها، نلاحظ دائمًا وجود شخصية فذة تستلم مقاليد القيادة..
تشترك هذه
الشخصيات دائمًا في كثير من الصفات، مثل قوة الشخصية والذكاء والمبادرة والموهبة
الفطرية القادرة على إقناع الجماهير وتوحيدها تحت لواء واحد.
قيادة فذة
وحيدة كفيلة برفع شأن أمة كاملة، وجعلها في صدارة الأمم لقرون طويلة..
في التاريخ
الإسلامي العظيم يوجد شخصيات عديدة يمكن تسميتها بالفذة.
واحد من
هؤلاء الأفذاذ ممن كان لهم الفضل في رفع راية (لا إله إلا الله)، ونشرها في ربوع
القارة الأفريقية، كما حافظ على المتبقي من بلاد الأندلس تحت حكم المسلمين لعشرات
العقود، في ظل ملوك الطوائف.. كان له دور كبير أيضًا في الحفاظ على هيبة دولة
الإسلام في وقت تشرذمها وانفراط عقدها أثناء حكم العباسيين، واستطاع غرز نزاة
امبراطورية عظيمة؛ وحدت الغرب والجنوب الإسلامي تحت حكمها التابع نظريًا للخليفة
العباسي الضعيف..
هذا القائد
كان واحدًا من أئمة المذهب المالكي في القيروان التونسية، قبل ذهابه غربًا في رحلة
للمجهول داخل مجاهل صحراء المغرب..
رحلة نتج
عنها تربية مجموعة من الأفذاذ على يد هذا القائد الذي نتحدث عنه.
عبد الله بن ياسين - إمام المرابطين
هذا القائد
هو الشيخ "عبدالله بن ياسين" العالم الورع التقي، الذي عاش في القيروان
قبل أن يبدأ رحلته الطويلة..
كانت
البداية في الصحراء الموريتانية، التي كان يسكنها قبيلتين نسوا على شيئ عن
الإسلام، رغم انتمائهم لرايته في الظاهر فقط.. فقبيلة (جدالة) وقبيلة (لمتونة) غرقوا
في البدع والجهل لسنين طويلة.. إلى أن قرر شيخ قبيلة (جدالة) وهو "يحيى بن
ابراهيم" أن يذهب لمدينة (القيروان) ليسأل أحد العلماء تعليم قبيلته الدين
الإسلامي، ويحييه مرة أخرى في قلوبهم.
كللت رحلة
"يحيى بن ابراهيم" بالنجاح عندما وافق الشيخ "عبدالله بن
ياسين" مرافقته طمعًا في ثواب العمل بجوار ثواب العلم.
كانت رحلة
"بن ياسين" صعبة، لأن دعوتة هي دعوة كل المصلحين في كل الأزمان؛ دعوة
تناقض مسار المفسدين وأصحاب المصالح والنفوذ المالي والسياسي.
واجه "بن
ياسين" عنت كبير جدًا ومصاعب مختلفة، وقوبلت دعوته بالإنكار والاستنكار،
لكنها وجدت بسرعة في مشاعر وقلوب بعض من شباب القبيلة.
جاءت
النهاية بطرد الشيخ المثابر، وإرغامه على العودة للقيروان.. إلَّا أنَّه خرج وكله
تصميم على تغيير التاريخ.
الشيخ المثابر
لم يعد
"عبدالله بن ياسين" للقيروان، ولكن حوَّل مساره للجنوب، واستقر في خيمة
على ضفة أحد الأنهار في شمال السنغال، وأرسل للشباب ممن استمعوا له من أبناء
القبيلة؛ فسافروا له وأقاموا في مجموعة من الخيام المتجاورة وأطلقوا على أنفسهم
اسم (المرابطون).
استمر
"ابن ياسين" في تدريس علوم الدين للمرابطين، والذي زاد عددهم باستمرار
بسبب هجرة المزيد والمزيد من شباب القبيلة والانضمام لهم.
ويستمر
الوضع هكذا حتى تصل في يوم من الأيام قبيلة (صناهجة) بالكامل بقيادة أميرها
"يحيى بن عمر اللمتوني" ويعلنوا انضمامهم تحت لواء المرابطين وشيخهم..
يزيد عدد
المرابطين، ويسمعون عن قبائل في مجاهل السنغال يعبدون الأشجار والأصنام والدواب،
فيقرر "ابن ياسين" الذهاب لهم كي يدعوهم للإسلام.. وكالعادة يقف ضد
دعوته أصحاب النفوذ والسطوة ويحاربوه..
معارك شديدة
خاضها القائد الفذ في الغابات والأحراش بلا كلل أو ملل، وبعزيمة لا تلين حتَّى
أفضى إلى ربه شهيدًا بعد مسيرة كان من مخرجاتها، قادة أفذاذ خلد ذكرهم على شاكلة "أبو
بكر بن عمر اللمتوني"، الذي أكمل مسيرة شيخه ونشر الإسلام في غرب وأواسط أفريقيا
بالكامل.. وكان أول ملوك دولة المرابطين العظيمة.
و"يوسف
بن تاشفين" القائد الورع الذي دانت له شمال أفريقيا وغربها وأوسطها بالولاء
والطاعة، قبل أن يوحد ويضم تحت لوائه دولة
الأندلس أيضًا بعد موقعة (الزلاقة) الخالد، وبعد عقود مريرة من الانقسام تحت حكم
ملوك الطوائف، والانصياع لملوك الأعداء والاستقواء بهم ودفع الجزية لهم.
لم يكن الشيخ
"عبدالله بن ياسين" مجرد عالم يجلس ساندًا ظهره على أحد أعمدة مساجد
القيروان؛ يحكي سير وتاريخ، ويتكلم في فقه نظري..
"ابن
ياسين" اختار الطريق الشاق.. طريق العمل بالعلم، والخوض في المصاعب، فكان
أكبر ثمار دعوته قيام واحدة من أعظم ممالك الإسلام في التاريخ..
ما كان
ليكون الشيخ "ابن ياسين" قائد فذ دون أن يتعرض لهذا الموقف من الأساس،
لو لم يحدث هذا لاستمر الشيخ في تدريس العلم النظري لطلبة العلم في مساجد
القيروان..
لكن ارتحاله
لصحراء موريتانيا طمعًا في الثواب؛ وضعه في موقف شبيه بموقف الرسول الكريم في
بدايات الدعوة، وهكذا تصرف الشيخ بناءً على فهمه للسيرة، ولم يرجع للقيروان قبل أن
يدعوا البشر لعبادة الله وصحيح الإسلام.
الخلاصة
أنَّ المحن هي التي تصنع القيادات الفذة، وما نحن فيه الأن يمكن أن يكون محنة
عظيمة تُخرج لنا قيادة فذة تُصنع على أعين الله سبحانه وتعالى..
في ظل المحن
والظروف العصيبة التي تعيشها الأمة، وعلى مر تاريخنا كمسلمين نلاحظ أنَّ هذا هو ما
يحدث دائمًا.
العظيم في
قصة "ابن ياسين" رحمه الله أنَّه ربًى اثنين من القادة حملوا الراية من
بعده.. كان كل واحد منهم من عمالقة الأمة.. "أبو بكر بن عمر اللمتوني"
و"يوسف بن تاشفين" أولاد العم..
أبو بكر بن عمر اللمتوني
"أبو
بكر بن عمر" ورث الدولة الصغيرة من أخوه "يحيى بن عمر اللمتوني"
الذي ورثها بدوره من "عبدالله بن ياسين".
أكمل
"أبو بكر" المسيرة، ونشر الإسلام في غرب ووسط أفريقيا بعدما ترك ابن عمه
"يوسف بن تاشفين" نائب له في إدارة الدولة الناشئة في شمال السنغال.
المرابطين
كانوا في حدود 10 آلاف فرد، وبسبب مسيرة "أبو بكر" الطويلة في مجاهل أفريقيا؛ انتشر الإسلام في قلب
القارة، وأصبح للمرابطين قوة عسكرية مهيبة.. يُقال أنَّ "أبو بكر بن عمر اللمتوني"
عندما كان ينادي للجهاد، كان يلبي ندائه أكثر من 600 ألف فارس..
COMMENTS