إن هدف "نابليون" الأسمى لم يكن كما يقول هو وتقول كتب الوزارة من أجل المجد الامبراطوري ولكنه كان من اجل إقامة وطن قومي لليهود.

 هدية مصر للعالم | خطط لها نابليون ونفذها السان سيمونيون

(بقلم/ مولانا العارف)

نابليون بونابرت

بداية فكرة حفر قناة السويس

في هذه الدردشة، التي قد تطول قليلًا، نستعرض محطة تاريخية في تاريخ قناة السويس.

هذه المحطة هي أول المحطات وأهمها على الإطلاق في سلسلة المحطات التي مرت بها قناة السويس منذ الإنشاء وحتَّى الآن.

لكن هذه المرة سنتناول القصة من منظور آخر بعيد جدًا ويكاد يكون غير معروف للأغلبية الساحقة من البشر، لكنه وان لم يكن معروفا للأغلبية إلَّا أنَّه ليس وهم أو خيال وإنَّما حقيقة ولكنها تقبع في كتب التاريخ القديمة الغير متداولة بشكل كبير بين أيدي الناس بل تكاد تكون غير متداولة نهائيًا، ونحن هنا سنعمل جاهدين على إزاحة غبار الزمان عن تلك الكتب ونستخرج منها التأريخ لحدث إقامة قناة السويس، أي سنحاول الغوص في أعماق التاريخ لبحث فكرة إنشاء هذه القناة..

ولنبدأ بسم الله.

عنوان المقال هو هدية مصر للعالم | خطط لها نابليون ونفذها السان سيمونيون..

تم اختيار هذه العنوان لا لأنَّه التاريخ الحقيقي لفكرة قناة السويس وإنَّما لأنَّه هو التوقيت الفعلي لبداية المشروع..

حيث يُذكر تاريخيًا أنَّ فكرة إنشاء قناة تربط الشرق بالغرب كانت مطروحة قديمًا وتحديدًا في القرن الخامس عشر بواسطة مجموعة من تجار البندقية، والذي كان بيدهم في هذا الوقت أغلب تجارة العالم الغربي ومسيطرون على البحر المتوسط بشكل لا ينازعهم فيه أحد..

أو ما يسمى بمفوضية التوابل..

حيث تم عرض الأمر على سلطان (مصر) في هذا الوقت وهو "قنصوه الغوري"، الذي رفض رفضًا قاطعًا لا تفاوض فيه إذ أنَّ هذا الأمر كان غاية في الخطورة،

لأنه كان سيقسم (مصر) ويصنع حاجزًا مائيًا بين (مصر) و(سيناء)، وأيضًا بين (مصر) و(الشام)، وكان هذا من فطنة وذكاء "قنصوه الغوري"، وكثيرًا من حكام مصر في ذلك الوقت رفضوا رفضًا قاطعا إقامة مثل هذا الحاجز، ويُضاف إلى ذلك السلاطين العثمانيين بعدما تولوا حكم (مصر) ويذكر التاريخ أنَّ السلطان "سليم" قد أخذ موقف أشد قوة من الرفض بأنَّه أعلن أن البحر الأحمر والخليج العربي والبحر المتوسط هي بحيرة إسلامية خالصة لا يبحر فيها إلَّا الأساطيل الإسلامية العثمانية، أو الدول التي ترضى عنها العثمانية وهذا للحفاظ على جسد الدولة المسلمة من المحيط إلى الخليج كجسد واحد..

حسنًا لن نتوقف كثيرًا عند مفوضية التوابل لأسباب بسيطة، أنَّ الفكرة والمشروع لم يُنفذ وتم رفضه، لكن لابد من التنويه على أنَّ مفوضية التوابل الفينيسيون هم الأسرة اليهودية والبنوك اليهودية التي كانت تتحكم في التجارة لمدة أربع قرون في البندقية، والتي دارت بينها وبين الدولة العثمانية فيما بعد مجموعة من الحروب الشرسة التي كانت جوالات مستمرة منذ 1570 إلى 1573 انتهت بتوقيع اتفاقية سلام على أنَّ تدفع البندقية جزية للدولة العثمانية.

اقرأ أيضًا: الحملة الفرنسية على مصر| نظرة من القرن الحادي والعشرين

الأهداف الحقيقة لحفر قناة السويس

حفر قناة السويس

نعود مجددًا إلى "نابليون" وفكرة شق قناة السويس، ونطرح الأسئلة المهمة.. ما هي بالأساس أهداف "نابليون" من الحملة الفرنسية على (مصر)؟

تأتي الإجابة من كتب وزارة التربية والتعليم، وهي السيطرة على البحر المتوسط عن طريق احتلال (مصر) لقطع طرق تجارة (الهند) من يد (إنجلترا)؛ حتَّى تكون لـ(فرنسا) اليد العليا.. كانت هذه هي إجابة كتب وزارة التربية والتعليم، وهي بطبيعة الحال إجابة تم وضعها عن طريق مجموعة من الأغبياء والحمقى لزيادة التجهيل وخلق أجيال لا تعي ولا تفهم عن التاريخ الحقيقي أي شيء؛ فيستمر مسلسل إخراج الجهلة على مر القرون، والرد على تلك الإجابة محسور في ملحوظة مهمة جدًا، أنَّ أثناء الفترة التي قرر فيها "نابليون" القدوم إلى (مصر) لم يكن هناك أساسًا ممر مائي يربط الشرق بالغرب، وكانت تجارة (بريطانيا) من الشرق تأتي عن طريق رأس الرجاء الصالح، فكيف عندما تحتل (فرنسا) أراضي (مصر) تكون قد قطعت طرق التجارة على (بريطانيا)!.

 حسنًا لنتجاوز تلك الإجابة ونذهب إلى إجابات المؤرخين التي لم يتم ذكرها في كتب الوزارة..

 يقول "هنري لورنس" عن أهداف "نابليون" من احتلال (مصر): "ظلَّ نابليون يزعم طوال حياته أنَّه كان يستهدف الهند أو امبراطورية الشرق أو العودة إلى فرنسا عن طريق القسطنطينية والهدف الأول علاوة على القضاء على خطر الجيوش العثمانية هو تمزيق الإمبراطورية نفسها على الأقل في جزئها الأسيوي".

من هذا تتضح أهداف "نابليون" من حملته على (مصر) وهي شق الجسد العثماني والقضاء على الإمبراطورية العثمانية المسلمة؛ التي طالما أرَّقت الغرب بقوتها وتلاحمها، ولكي يبدأ الهدم لابد من الضرب في أقوى نقاط تلك الدولة ألا وهي (مصر)، التي تُعتبر قلب الدولة العثمانية لما لها من موقع فريد يربط الشرق بالغرب بأسيا بأفريقيا بأوروبا، وإذا ما حدث ضرب لهذا القلب بدأ الجسد يتفتت وهو ما حدث بالفعل.

اقرأ أيضًا: السرطان البني إسرائيلي

رسالة نابليون بونابرت

السان سيمونيون

مرة أخرى نطرح سؤال أكثر عمقًا.. هل كانت تلك هي فقط أهداف "نابليون" من حملته على (مصر)؟

والإجابة كالمعتاد من كتب الوزارة؛ نعم فقد كان "نابليون" يسعى للمجد الامبراطوري ومجد (فرنسا) العظمى والقضاء على (بريطانيا) و(الدولة العثمانية).. لكن هناك إجابة أكثر دقة وعمقًا مما سبق من تدليس كتب الوزارة، وهذه الإجابة تستخلصها من نص رسالة "نابليون" إلى اليهود في (عكا) أثناء قدومه لها 1799 وأثناء حصارها وقبل المجئ إلى (مصر) وهاك نص الرسالة:

"من نابليون بونابرت القائد الأعلى للقوات المسلحة للجمهورية الفرنسية في أفريقيا وآسيا إلى ورثة فلسطين الشرعيين.

أيها الإسرائيليون، أيها الشعب الفريد، الذي لم تستطع قوى الفتح والطغيان أن تسلبه نسبه ووجوده القومي، وإن كانت قد سلبته أرض الأجداد فقط.

إن مراقبي مصائر الشعوب الواعين المحايدين ـ وإن لم تكن لهم مقدرة الأنبياء مثل إشعياء ويوئيل ـ قد أدركوا ما تنبأ به هؤلاء بإيمانهم الرفيع أن عبيد الله (كلمة إسرائيل في اللغة العبرية تعني أسير الله أو عبد الله) سيعودون إلى صهيون وهم ينشدون، وسوف تعمهم السعادة حين يستعيدون مملكتهم دون خوف.

انهضوا بقوة أيها المشردون في التيه. إن أمامكم حربا مهولة يخوضها شعبكم بعد أن اعتبر أعداؤه أن أرضه التي ورثها عن الأجداد غنيمة تقسم بينهم حسب أهوائهم.. لا بد من نسيان ذلك العار الذي أوقعكم تحت نير العبودية، وذلك الخزي الذي شل إرادتكم لألفي سنة. إنَّ الظروف لم تكن تسمح بإعلان مطالبكم أو التعبير عنها، بل إن هذه الظروف أرغمتكم بالقسر على التخلي عن حقكم، ولهذا فإن فرنسا تقدم لكم يدها الآن حاملة إرث إسرائيل، وهي تفعل ذلك في هذا الوقت بالذات، وبالرغم من شواهد اليأس والعجز.

إن الجيش الذي أرسلتني العناية الإلهية به، ويمشي بالنصر أمامه وبالعدل وراءه، قد اختار القدس مقرا لقيادته، وخلال بضعة أيام سينتقل إلى دمشق المجاورة التي استهانت طويلا بمدينة داود وأذلتها.

يا ورثة فلسطين الشرعيين..
إن الأمة الفرنسية التي لا تتاجر بالرجال والأوطان كما فعل غيرها، تدعوكم إلى إرثكم بضمانها وتأييدها ضد كل الدخلاء.
انهضوا وأظهروا أن قوة الطغاة القاهرة لم تخمد شجاعة أحفاد هؤلاء الأبطال الذين كان تحالفهم الأخوي شرفا لأسبرطة وروما، وأن معاملة العبيد التي طالت ألفي سنة لم تفلح في قتل هذه الشجاعة.

سارعوا، إن هذه هي اللحظة المناسبة ـ التي قد لا تتكرر لآلاف السنين ـ للمطالبة باستعادة حقوقكم ومكانتكم بين شعوب العالم، تلك الحقوق التي سلبت منكم لآلاف السنين وهي وجودكم السياسي كأمة بين الأمم، وحقكم الطبيعي المطلق في عبادة إلهكم يهواه، طبقا لعقيدتكم، وافعلوا ذلك في العلن وافعلوه إلى الأبد".

كان هذا نص الرسالة  كما نقلها  Fran’s Kopler , Napoleon and the Jews.

وللاستمرار في الإجابة على السؤال هل كانت حملة "نابليون" على (مصر) فقط من أجل القضاء على (الدولة العثمانية).. ننقل بعض الكتابات المهمة في هذا الشأن

في كتاب "خيرية قاسمية" النشاط الصهيوني في الشرق العربي وصداه.

"وكان "نابليون بونابرت" أول رجل دولة يقترح بشكل جدي إقامة دولة يهودية في فلسطين. ويبدو أنَّه كان مطلعًا على الاتصالات التي كانت تجري بين زعماء يهود (فرنسا) والحكومة الفرنسية عشية استلامه السلطة، فقد قامت حكومة الادارة الفرنسية عام ١٧٩٨ بإعداد خطة سرية لإنشاء كومنولث يهودي في (فلسطين) حال نجاح الحملة الفرنسية في احتلال (مصر) والمشرق العربي بما فيه (فلسطين)، وذلك مقابل تقديم الممولين اليهود قروضًا مالية للحكومة الفرنسية التي كانت تمر آنذاك في ضائقة اقتصادية خانقة، إضافة إلى المساهمة في تمويل الحملة الفرنسية المتجهة صوب الشرق بقيادة "نابليون بونابرت"، وأن يتعهد اليهود ببث الفوضى واشعال الفتن وإحلال الأزمات في المناطق التي يرتادها الجيش الفرنسي لتسهيل أمر احتلالها.

يقول "ليفي أبو عسل" في كتابه (يقظة العالم اليهودي):

 "كانت فكرة إعادة اليهود إلى فلسطين في طليعة المرامي والمشاريع الاجتماعية السامية التي كانت تجول في مخيلة "نابليون" الوقادة ويطمع في تحقيقها حيال المسألة الشرقية عندما شرع في تجهيز حملته لغزو (مصر والشام)"

حسنًا باتت الإجابة أوضح الأن

إن هدف "نابليون" الأسمى لم يكن كما يقول هو وتقول كتب الوزارة من أجل المجد الامبراطوري ولكنه كان من اجل إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.

نتوقف قليلًا هنا ثم نعود إن شاء الله قريبًا لاستكمال فكرة "نابليون" في شق قناة السويس والتي أظن أنَّها قد اتضحت الأن ولا تحتاج إلى شرح كبير في المرة القادمة.. ثم نعود ونستكمل تنفيذ الفكرة على يد "السان سيمونيون" لنصل إلى الهدف الحقيقي من وراء قناة السويس وشقها وأهميتها قديمًا والدور الذي لعبته في شق الجسد العربي الإسلامي.