الحملة الفرنسية على مصر | نظرة من القرن الحادي والعشرين

SHARE:

عندما سمعت خطاب الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" دفاعاً عن حرية الرأي، واتهام الإسلام بوجود أزمة لديه، لم أرَ سوى وجه جده "نابليون" المستعمر

الحملة الفرنسية على مصر | نظرة من القرن الحادي والعشرين

(بقلم: الست الشريرة)

الحملة الفرنسية على مصر | نظرة من القرن الحادي والعشرين
صورة لنابليون بونابرت في القاهرة

عندما سمعت خطاب الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" دفاعاً عن حرية الرأي، واتهام الإسلام بوجود أزمة لديه، لم أرَ سوى وجه جده "نابليون"

ماكرون - نابليون

تُصر فرنسا من حين لآخر إثارة غضب وحنق العالم الإسلامي بدعوى حرية الرأي؛ وذلك بنشر رسومات مسيئة أحيانا، وأحيان أخرى عبر خُطَب استفزازية..

ولا أدري ما الحرية في إهانة الآخرين، واتهامهم بالإرهاب عند الرد؟!

لا يدل ذلك إلا على نفس حقودة مريضة بحب الظهور من خلال الأفعال الشاذة؛ مثل الرجل الذي تبوَّل داخل المسجد الذي يجلس فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، مع أصحابه رضي الله عنهم جميعا..

فعندما سمعت خطاب الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" دفاعاً عن حرية الرأي، واتهام الإسلام بوجود أزمة لديه، لم أرَ سوى وجه جده "نابليون"؛ المستعمر الذي جاء إلى مصر في حملة استعمارية عسكرية؛ ظاهرها تحرير البلاد من المماليك وأفعالهم، وباطنها استيلاء وتوسُّع وضم مصر إلى البلاد التابعة لفرنسا، والتحكم في ثرواتها ومقدراتها، لمنافسة إنجلترا في أيهما أكثر استعمارا..

توقع "نابليون" أن يخدع المصريين، فيستسلموا له بسهولة هرباً من ظُلم المماليك وأفعالهم (لنخرج من نُقرة ونقع في دحديرة)كما يقول المثل الدارج.. فهل حقَّقت الحملة الفرنسية الأهداف النبيلة التي جاءت من أجلها؟!!

لكن الوجه الآخر لباريس؛ وجه المستعمر الشرير؛ فلم يأتِ أي مستعمر بما أتى به المستعمر الفرنسي من شذوذ وبشاعة بعيدة كل البعد عن الصفات الإنسانية

 

ودخلت الخيل الأزهر

سرعان ما كشف "نابليون" عن وجهه الحقيقي مع مقاومة الشعب المصري بقيادة شيوخ الأزهر، عندما قام باقتحام الجامع الأزهر بخيوله في أكتوبر ١٧٩٨م، وحوَّل الجامع إلى إسطبل للخيول، وداست جنوده على الكتب، وسرق بعضها اليهود..

تدخَّل الشيخ "الجوهري" وقابل "نابليون" ليطلب منه الخروج من الأزهر بعساكره، ويوضح له فداحة فعلته واستفزازه للمصريين، والذي إن دل فإنما يدل على نفس حقودة جاهلة توارثتها الأجيال حتى عصرنا هذا، بالرغم من اعتبار باريس عاصمة الأدب وبلد الجن والملائكة حسب وصف د. "طه حسين"، وهي المقولة الأشهر..

لكن الوجه الآخر لباريس؛ وجه المستعمر الشرير؛ فلم يأتِ أي مستعمر بما أتى به المستعمر الفرنسي من شذوذ وبشاعة بعيدة كل البعد عن الصفات الإنسانية؛ بل والحيوانية كذلك.. والجزائر ليست بعيدة، وتاريخها المُوثَّق تحت الاحتلال الفرنسي خير دليل يمكن الرجوع إليه لمن يرغب.

لولا قلة السلاح والعتاد وتخلفهما؛ لما استطاع "نابليون" أن يخطو خطوة واحدة داخل مصر

 

مقاومة شرسة

مكثت الحملة الفرنسية في مصر ثلاث سنوات، لم تذق فيها طعم النوم.. لم يتخيل الفرنسيون حجم المقاومة والوحدة التي كانت بين أفراد الشعب المصري تحت قيادة الأزهر بشيوخه وطلابه؛ بداية من الإسكندرية الواجهة الأولى تحت قيادة الشيخ "محمد كريم" رحمه الله.. فلولا قلة السلاح والعتاد وتخلفهما؛ لما استطاع "نابليون" أن يخطو خطوة واحدة داخل مصر.. ثم مجيئه للقاهرة ومحاولة خداعه للمصريين بإشهاره إسلامه، لكن هيهات.. فلم تنطلي تلك الخدع عليهم.

لم يتوقع "نابليون" حجم وشراسة المقاومة التي واجهها مع قلة الإمكانيات وتخلف البلاد بسبب المماليك والعثمانلية؛ حجته لإحتلال مصر، والذي قال أنه أتى لتحريرها، ونقل الحضارة الأوروبية إليها، ولكن منذ متى المستعمر يأتي بالخير؟!!

وصدَّق من في نفسه عِلَّة، وانضم لصفوف الحملة في مواجهة بني وطنه، وقدَّم المساعدات الكافية على أمل أن يحصل على ميزة، ولكنه باع نفسه وشرفه من أجل منصب أو حفنة من الأموال.

الحملة الفرنسية على مصر | نظرة من القرن الحادي والعشرين
لوحة تمثل ثورة القاهرة الأولى

وفي المقابل؛ نجد المقاومة تضم أطياف الشعب المختلفة تحت قيادة الشيوخ والطلاب الشباب والرجال والنساء وحتى الأطفال، فأقاموا المتاريس، واستخدموا كل الإمكانيات المتاحة لديهم في صُنع أسلحة للمقاومة؛ بل انضم إليهم أيضا بعض المماليك والعثمانلية الشرفاء، والذين اعتبروها معركة دينية في الأصل..

فكانت ثورتي القاهرة الأولى والثانية، ونذكر بالأخص الثانية التي نسجت بطولات وكفاح لم يسبق له نظير؛ وخصوصا التي قام بها أهالي بولاق، وقد ذُكِر حادث خطير حدث خلال الثورة الثانية لم يتم إلقاء الضوء عليه بالشكل الكافي، وسنعلم السبب ضمنا بعد ذكر هذا الحادث، والذي سيوضِّح لنا بالشكل الكافي لماذا يُزَكِّي الغرب والمُتَغَرِّبين روح الانهزامية والتواكل بين شعوب العالم الثالث؛ وبالأخص منطقة الشرق الأوسط.

بذل أهالي القاهرة مافي طوقهم لتأييد الثورة، وأتوا في هذا السبيل من الأعمال ما أدهش الفرنسيين، فقد أنشأوا في أربع وعشرين ساعة معملاً للبارود في بيت "قائد أغا" بالخرنفش

 

الثورة الصناعية المصرية

في بداية ثورة القاهرة الثانية؛ أوشك المصريين على وضع أقدامهم على بداية الثورة الصناعية حسب ماذكر المفكر الكبير الراحل "محمد جلال كشك" في كتابه (ودخلت الخيل الأزهر)، فيقول أن تفاصيل هذا الحادث العجيب، والظاهرة التي يغض جميع مؤرخي المدرسة الاستعمارية الطرف عنها؛ لأهميتها البالغة، ولأنها تنسف نظريتهم تماما عن عدم إمكانية الشعوب الفقيرة تحقيق أي تقدُّم..

بذل أهالي القاهرة مافي طوقهم لتأييد الثورة، وأتوا في هذا السبيل من الأعمال ما أدهش الفرنسيين، فقد أنشأوا في أربع وعشرين ساعة معملاً للبارود في بيت "قائد أغا" بالخرنفش، وأنشأوا معملاً لإصلاح الأسلحة والمدافع، ومعملاً آخر لصُنع القنابل، وصب المدافع جمعوا له الحديد والآلات والموازين، وأخذوا يجمعون القنابل التي تتساقط من المدافع الفرنسية بالشوارع، ومن ثَم يستعملونها قذائف جديدة للضرب..

يقول "الجبرتي": وأحضروا مايحتاجون إليه من الأخشاب وفروع الأشجار والحديد، وجمعوا إلى ذلك الحدَّادين والنجَّارين والسبَّاكين وأرباب الصنائع الذين يعرفون ذلك، فصار هذا كله يُصنَع ببيت القاضي والخان الذي بجانبه والرحبة التي عند بيت القاضي من جهة المشهد الحسيني.

وقال مسيو "مارتان" أحد مهندسي الحملة، وشاهد عيان على تلك الثورة: لقد قام سكان القاهرة بما لم يستطع أحد أن يقوم به من قبل؛ فقد صنعوا البارود وصنعوا القنابل من حديد المساجد وأدوات الصُنَّاع، وفعلوا مايصعب تصديقه، ذلك أنهم صنعوا المدافع.

وقال الجنرال "كليبر" في يومياته: استخرج الأعداء مدافع كانت مطمورة في الأرض، وأنشأوا معامل للبارود ومصانع لصب المدافع وعمل القنابل، وأبدوا في كل ناحية من النشاط ما أوحت به الحماسة والعصبية، هذه هي وجه عام حالة القاهرة عند قدومي إليها، وإني لم أكن أتصورها في هذه الدرجة من الخطورة، وتم كل ذلك في ثلاثة أيام.

وهكذا؛ نرى أن مصر قد طرقت أبواب الصناعة خلال قتالها ضد الاستعمار الغربي؛ لا من خلال الرضوخ له، أو التعاون معه.. فمَن يُقرر الرفض، ومن يختار الانفصال بذاته والدفاع عن هذه الذات، سيجد نفسه أمام حتمية اكتساب كل الوسائل المادية لحماية هذه الذات والانتصار لها.

وتجربة التاريخ كله لا تُثبت حالة واحدة استحال فيها على شعب متخلف اكتساب التكنولوجيا والتفوق فيها، شرط أن يختار القتال.

المساعدة فقط، وليس التقليد الأعمى الذي من شأنه محو الهوية، وتحول الشعوب لأتباع لاحول لهم ولاقوة

 

القتال حتى الحرية

ولا نبالغ عندما نُعظِّم دور الشعب المصري في سحق الحملة الفرنسية التي لم تستطع أن تستمر لأكثر من ثلاث سنوات ١٧٩٨م - ١٨٨١م، ونستدل من هذه الأحداث أن سبب عدم الاهتمام بذكرها؛ بل محاولة طمسها؛ هم الأعوان والخونة في كل مكان وزمان، الراغبون في مصلحتهم الشخصية الدنيوية، وعملهم الدؤوب على تحطيم أي بادرة من شأنها تحقيق التقدم للمجتمع، حتى لو كان بسيطا.. ولن يتحقق التحرر إلا بامتلاك إرادتنا كاملة.

نحتاج المساعدة؟!

نعم.. لكن المساعدة فقط، وليس التقليد الأعمى الذي من شأنه محو الهوية، وتحول الشعوب لأتباع لاحول لهم ولاقوة.

ستظل فرنسا مُستعمِر ظالم مهما نادت بالحرية.. حرية بطعم الاستعباد.

اقرأ أيضا: قوة الشعوب الناعمة وفرنسا

اقرأ أيضا: مقاطعة البضائع الفرنسية والاقتصاد الموازي | نقطة انطلاق

اقرأ أيضا: مقاطعة البضائع الفرنسية والاقتصاد الموازي | وهم الاختيار

COMMENTS

الاسم

اتجاهات وأفكار,8,أحداث من التاريخ,4,أخبارعلمية,1,أسرار تاريخية,12,أعمال مترجمة,3,اقتصاد,9,اقتصاد عالمي,7,الشرق الأوسط,12,أمام العدسة,12,تاريخ,24,تحليلات إخبارية,19,ترجمات علمية,2,ثقافة وأدب,42,حكايات أدبية,4,دراسات ثقافية وأدبية,6,دراماتيك,11,روايات وكتب,16,رياضة,9,سياسة,50,سينما,13,شؤون مصرية,3,شخصيات تاريخية,7,شعر ونثر,17,علوم وتكنولوجيا,11,فلك وفضاء,3,فنون وسينما,33,قضايا معاصرة,20,كرة قدم,9,كمبيوتر وإنترنت,3,مسارات مختلفة,3,مساهمات القراء,40,مقالات وتحليلات,56,ملفات سياسية,44,
rtl
item
صفحة أخيرة: الحملة الفرنسية على مصر | نظرة من القرن الحادي والعشرين
الحملة الفرنسية على مصر | نظرة من القرن الحادي والعشرين
عندما سمعت خطاب الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" دفاعاً عن حرية الرأي، واتهام الإسلام بوجود أزمة لديه، لم أرَ سوى وجه جده "نابليون" المستعمر
https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEis0fZLW2JKPGqAFdH6lllofAgeTrOVlqrsY56zwvtyD2B4VgmORdDF4krp_D2qW5PdpnoNjVV1WHrEXM6t4Ej6v4-rB-iB7fOXBj8JelDdrkiNtnuFUnMMIXyBmdC3fvLDdliVztpY7JA/w442-h640/%25D9%2586%25D8%25A7%25D8%25A8%25D9%2584%25D9%258A%25D9%2588%25D9%2586+%25D8%25A8%25D9%2588%25D9%2586%25D8%25A7%25D8%25A8%25D8%25B1%25D8%25AA+%25D9%2581%25D9%258A+%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2582%25D8%25A7%25D9%2587%25D8%25B1%25D8%25A9.jpg
https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEis0fZLW2JKPGqAFdH6lllofAgeTrOVlqrsY56zwvtyD2B4VgmORdDF4krp_D2qW5PdpnoNjVV1WHrEXM6t4Ej6v4-rB-iB7fOXBj8JelDdrkiNtnuFUnMMIXyBmdC3fvLDdliVztpY7JA/s72-w442-c-h640/%25D9%2586%25D8%25A7%25D8%25A8%25D9%2584%25D9%258A%25D9%2588%25D9%2586+%25D8%25A8%25D9%2588%25D9%2586%25D8%25A7%25D8%25A8%25D8%25B1%25D8%25AA+%25D9%2581%25D9%258A+%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2582%25D8%25A7%25D9%2587%25D8%25B1%25D8%25A9.jpg
صفحة أخيرة
https://www.saf7a-a5era.com/2020/11/French-campaign-on-Egypt.html
https://www.saf7a-a5era.com/
https://www.saf7a-a5era.com/
https://www.saf7a-a5era.com/2020/11/French-campaign-on-Egypt.html
true
4387532385212111926
UTF-8
Loaded All Posts Not found any posts VIEW ALL Readmore Reply Cancel reply Delete By Home PAGES POSTS View All RECOMMENDED FOR YOU LABEL ARCHIVE SEARCH ALL POSTS Not found any post match with your request Back Home Sunday Monday Tuesday Wednesday Thursday Friday Saturday Sun Mon Tue Wed Thu Fri Sat January February March April May June July August September October November December Jan Feb Mar Apr May Jun Jul Aug Sep Oct Nov Dec just now 1 minute ago $$1$$ minutes ago 1 hour ago $$1$$ hours ago Yesterday $$1$$ days ago $$1$$ weeks ago more than 5 weeks ago Followers Follow THIS PREMIUM CONTENT IS LOCKED STEP 1: Share to a social network STEP 2: Click the link on your social network Copy All Code Select All Code All codes were copied to your clipboard Can not copy the codes / texts, please press [CTRL]+[C] (or CMD+C with Mac) to copy Table of Content