خطر لي أن لكل شيء فلسفة، فلماذا لا يكون هناك فلسفة للخوف أيضًا؟!
فلسفة الخوف
(ميساء الخطيب)
فلسفة الخوف |
منذ مدة كتبت مقالة بعنوان فلسفة المرض، من هنا خطر لي أن لكل شيء فلسفة،
فلماذا لا يكون هناك فلسفة للخوف أيضًا؟! وقد يكون فلسفة للزواج وفلسفة للمعاملات
وغيره وغيره..
قد يخطر لي فيما بعد أن أكتب سلسلة عن كل جوانب حياتنا، وليس بالفلسفة العميقة
القديمة، ولكن بمقاييس حديثة، تتماشى مع هذا العصر السريع في خطواته.
الخوف كلمة تصف شعور، قد يشتد حد الرعب، ودرجاته مختلفة -ليست معرض حديثنا-
لكن نشأة هذا الشعور تأتي مع نمو المشاعر لدى الإنسان، فلا يولد المرء خائفًا،
ولكنها تتطور مع المدة والتربية، فإما يربي الأهل أبناء على الخوف من كل شيء، أو
يربونهم على الجرأة والقوة، وهنا لا أوصم الخوف بالجبن فشتان بين الأمرين، إذ في
بعض الأحيان يكون الخوف شعور جيد، مثل الخوف من عقاب الله فلا يرتكب الإنسان
المعاصي، أو الخوف من القانون فلا يرتكب المخالفات، أو قد يكون الخوف من الموت أو
المرض؛ فلا يؤذي الشخص نفسه مما يؤدي إلى هلاكه، ولكن حينما يزداد الأمر سلبيةً،
فيسمى جُبن، يخاف من الفقر فيصبح بخيلًا، يخاف من الموت فلا يدافع عن وطنه وأرضه
وعرضه، يخاف من قول كلمة حق سواء أمام حاكم ظالم أم أمام عامة الناس.. سوف يقول: "وأنا
ما لي".
إنما من يخالف ذلك كله، فهو يسمى "شجاع"، حيث الشجاعة ضد الجُبن،
ويطول المدح في وصف الشجاع، كما قالوا عنهم الأشعار منذ الجاهلية، ولعل أجمل ما
قاله المتنبي:
يَرى الجُبَناءُ أَنَّ العَجزَ عَقلٌ
وَتِلكَ
خَديعَةُ الطَبعِ اللَئيمِ
وَكُلُّ شَجاعَةٍ في المَرءِ تُغني
وَلا مِثلَ
الشَجاعَةِ في الحَكيمِ
إذن هي صفات وطباع في البشر، إلا أن للأهل دور بارز، إما تقوي الصفة فتجعلها أكثر إيجابية وتصقلها، ومن ثم يأتي دور الفرد في انعاش مثل هذه القوة، ولعل أكبر دليل ماثل أمامنا على ذلك؛ هو بسالة الشباب الفلسطيني المقاوم، وأيُّ بسالة هي الشجاعة بعينها، فتية صغار لا تهاب الموت، ولا مفارقة الأحباب، ولا تبكي على متاع الدنيا، الذي يعيشه معظم أبناء جيلهم، في كل مكان تقريبًا، لنجد أشخاص يماثلونهم في العمر أو أكبر منهم، يلهثون خلف التفاهة والسخافة، حتى حطوا من قدرهم وقدر ذويهم، الذين نلقي عليهم اللوم في ضياع أبنائهم، فأصبحوا أسرى للشهوات، بكل أشكالها، ولا أريد التحدث عنهم فنحن نراهم كل يوم يثيرون الشفقة والاشمئزاز، ناهيك عن الفئة الأكثر ضلالة من تحولوا جنسيًّا.
ما هو دور الأهل؟!! ليس الإنجاب فقط، وإنما التربية، وهي لا تقتصر على الدور
المادي، الذي لا هم لهم سواه، إهمال رعاية الأبناء وتلبية حاجاتهم وتنمية الفرد،
وزرع القوة بداخله ليكون صريحًا، نعلمه معنى الخوف، نرسخ بداخله القيم الإنسانية
والأخلاقية، تعريف معنى الكرامة، وكيف أن الإنسان بلا كرامة ميت، بل الموت أفضل
مئة مرة من الذل والهوان والجبن والتخاذل، ما أجمل أن يموت الإنسان شجاعًا ولا
يعيش أبد الدهر ذليلًا…
ولن أطيل عليكم؛ فللحديث بقية..
COMMENTS