سنستعرض في هذا المقال الوضع السابق لمحور فيلادلفيا في ضوء هذا الاتفاق قبل إعادة احتلاله من قبل الإسرائيليين عقب طوفان الأقصى
وضع محور فيلادلفيا في ضوء اتفاق المعابر لعام 2005 بين مصر وإسرائيل: نظرة تاريخية
محور فيلادلفيا |
تعد منطقة "محور فيلادلفيا" واحدة من
أبرز النقاط الجغرافية التي تلعب دورًا محوريًا في العلاقات المصرية الإسرائيلية،
لاسيما بعد توقيع اتفاق المعابر في عام 2005. سنستعرض في هذا المقال الوضع السابق
لمحور فيلادلفيا في ضوء هذا الاتفاق قبل إعادة احتلاله من قبل الإسرائيليين عقب
طوفان الأقصى، مع إلقاء الضوء على الخلفية التاريخية للصراع العربي الإسرائيلي،
والصراع المصري الإسرائيلي، وتأثير ذلك على الأوضاع في هذه المنطقة الحساسة.
تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي وتأثيره على محور فيلادلفيا
مرحلة ما قبل 1948: الجذور التاريخية للصراع
بدأ الصراع العربي الإسرائيلي في أواخر القرن
التاسع عشر، مع تصاعد الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وازدادت حدة هذا الصراع بعد
الإعلان عن "وعد بلفور" عام 1917، الذي وعد اليهود بإقامة "وطن
قومي" في فلسطين. تصاعدت التوترات بين العرب واليهود، وتوجت بإعلان قيام دولة
إسرائيل في 14 مايو 1948. وقد أدى هذا الإعلان إلى اندلاع الحرب العربية
الإسرائيلية الأولى، حيث وقفت الدول العربية، بما في ذلك مصر، إلى جانب أصحاب
الأرض الأصليين (الشعب الفلسطيني).
الحرب العربية الإسرائيلية الأولى (1948-1949) وتأثيرها على محور فيلادلفيا
بعد الحرب، وُقعت اتفاقيات الهدنة في عام 1949،
ورُسمت الحدود بين المحتل الإسرائيلي وجيرانه العرب، بما في ذلك مصر. وفي تلك
الفترة، أصبحت منطقة "محور فيلادلفيا" عبارة عن شريط ضيق يمتد على
الحدود بين مصر وقطاع غزة، الذي كان يخضع للإدارة المصرية في ذلك الوقت. ولعبت هذه
المنطقة دورًا هامًا في الصراع العسكري والأمني بين مصر وإسرائيل.
الصراع المصري الإسرائيلي: من 1948 إلى 1979
على مدى العقود الثلاثة التالية، خاضت مصر
وإسرائيل ثلاث حروب رئيسية: حرب السويس عام 1956، وحرب الأيام الستة عام 1967،
وحرب أكتوبر عام 1973. كل هذه الحروب شهدت توترات عسكرية كبيرة في منطقة محور
فيلادلفيا، التي كانت تعتبر نقطة تماس مباشرة بين القوات المصرية والإسرائيلية.
حرب السويس 1956
استهدفت الحملة العسكرية الثلاثية مصر بعد تأميم
قناة السويس، وكانت جزءًا من الصراع الأكبر بين إسرائيل والدول العربية. أثرت
الحرب على الأوضاع الأمنية في المنطقة الحدودية، بما في ذلك محور فيلادلفيا.
حرب 1967
سيطرت إسرائيل على قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء،
وبهذا أصبحت منطقة محور فيلادلفيا تحت السيطرة الإسرائيلية المباشرة بشكل كامل.
حرب أكتوبر 1973
رغم أن هذه الحرب لم تؤد إلى تغييرات جغرافية
دائمة على محور فيلادلفيا، فإنها مهدت الطريق لاتفاقية كامب ديفيد بين مصر
وإسرائيل.
اتفاقية كامب ديفيد 1978 ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية 1979
كان توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في عام
1979 نقطة تحول تاريخية في العلاقات بين البلدين، حيث أنهى الاتفاق حالة الحرب
وأدى إلى انسحاب إسرائيل من سيناء. رغم ذلك، بقي محور فيلادلفيا منطقة حساسة،
نظرًا لوقوعه على الحدود بين مصر وقطاع غزة الذي ظل تحت الاحتلال الإسرائيلي حتى
عام 2005.
اتفاق المعابر عام 2005 وتأثيره على محور فيلادلفيا
خلفية الاتفاق
في عام 2005، توصلت إسرائيل والسلطة الفلسطينية
إلى "اتفاق المعابر"، وهو اتفاق يهدف إلى تنظيم الحركة عبر المعابر
الحدودية بين قطاع غزة ومصر وإسرائيل بعد انسحاب القوات الإسرائيلية والمستوطنين
من غزة. كان لهذا الاتفاق تأثير كبير على الوضع في محور فيلادلفيا، الذي اعتبر
جزءًا من الحدود الدولية بين مصر وغزة.
محور فيلادلفيا واتفاق المعابر: الوضع الأخير
نص الاتفاق على أن تتولى قوات الأمن المصرية
مسؤولية مراقبة منطقة محور فيلادلفيا بدلاً من القوات الإسرائيلية، ولكن تحت إشراف
دولي لضمان عدم تهريب الأسلحة والممنوعات إلى غزة. هذا الاتفاق وضع قيودًا مشددة
على الجانب المصري فيما يتعلق بتواجد القوات والأسلحة الثقيلة في هذه المنطقة.
رغم أن الاتفاقية هدفت إلى تحقيق التوازن بين
الأمن الإسرائيلي والحفاظ على السيادة المصرية، إلا أنها لم تحل التوترات بشكل
كامل. بقي محور فيلادلفيا مسرحًا لتحديات أمنية مستمرة، بما في ذلك تهريب الأسلحة
عبر الأنفاق التي تمتد تحت الحدود بين مصر وقطاع غزة. هذا التهريب أثار مخاوف
إسرائيلية ومصرية على حد سواء، مما أدى إلى تشديد الرقابة الأمنية وزيادة التعاون
الأمني بين البلدين على حساب توفير الحاجات الأساسية للمواطنين الفلسطينيين في
قطاع غزة الذي تم حصاره.
تحديات ما بعد الاتفاق وأثرها على محور فيلادلفيا
مع مرور السنوات، واجه اتفاق المعابر تحديات
عديدة، من أبرزها:
1 استمرار الأنفاق والتهريب
رغم التواجد الأمني المصري، استمرت عمليات
التهريب عبر الأنفاق التي حفرت تحت محور فيلادلفيا. كان لهذه الأنفاق دور كبير في
نقل الأسلحة والبضائع الأساسية إلى قطاع غزة، مما أثر على الأوضاع الأمنية في
المنطقة.
2 التوترات بين مصر وإسرائيل
رغم اتفاقية السلام، استمر وجود بعض التوترات بين
البلدين، خصوصًا فيما يتعلق بأمن الحدود في محور فيلادلفيا. وقد زادت هذه التوترات
مع تدهور الوضع الأمني في سيناء وتصاعد الأنشطة الإرهابية في السنوات العشر
الأخيرة.
3 الضغوط الدولية
تعرضت مصر لضغوط دولية كبيرة، لا سيما من قبل
الولايات المتحدة، لتعزيز الرقابة على محور فيلادلفيا ومنع تهريب الأسلحة إلى غزة.
أثرت هذه الضغوط على السياسات الأمنية المصرية في المنطقة.
وضع محور فيلادلفيا قبل طوفان الأقصى وتأثيره على العلاقات المصرية الإسرائيلية
استراتيجية مصر الجديدة تجاه محور فيلادلفيا
في السنوات الأخيرة، تبنت مصر استراتيجية جديدة
لتعزيز أمنها القومي والسيطرة على الحدود. شملت هذه الاستراتيجية:
إجراءات أمنية مشددة
تعزيز التواجد الأمني المصري على الحدود، وإقامة
منطقة عازلة في محور فيلادلفيا لتقليل خطر الأنفاق والتهريب.
التعاون الاستخباراتي مع إسرائيل
ازداد التعاون بين الجانبين في مجال الاستخبارات
والأمن لمواجهة التحديات المشتركة، بما في ذلك الإرهاب في سيناء، والذي تم ربطه –
إعلاميا - بالمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
المبادرات الدبلوماسية
سعت مصر طوال الوقت إلى تحقيق التوازن بين الحفاظ على سيادتها الوطنية وضمان أمن الحدود، من خلال مبادرات دبلوماسية تسعى إلى تهدئة الأوضاع في المنطقة وتعزيز التعاون مع إسرائيل.
طوفان الأقصى وإعادة احتلال محور فيلادلفيا
بعد قيام المقاومة الفلسطينية بالهجوم الاستراتيجي في السابع من أكتوبر 2023، شنّ الاحتلال الإسرائيلي حربا شعواء على المدنيين في قطاع غزة، مما أدى لتدمير القطاع بصورة شبه كاملة، ومن ثم إعادة تواجد الجيش الصهيوني من جديد داخل شوارع غزة، والبدء في احتلالها من جديد رغم المقاومة العنيفة التي يحمل لواءها مجاهدي فصائل المقاومة الفلسطينية على اختلاف ألويتهم.
بمرور الوقت استطاع الإسرائيليون احتلال محور فيلادلفيا ومعبر رفح، رغم الاحتجاجات المصرية المتوالية، وذلك بحجة استخدام جماعات المقاومة للمحور في تهريب السلاح واحتياجات الشعب الفلسطيني الذي يتم تهجيره في استعادة لمشاهد النكبة الكبرى التي حدثت منذ ما يقرب من 75 سنة.
ورغم تشديد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على ضرورة انسحاب الجيش الصهيوني من المحور كمرحلة أولى في أي صفقة أو اتفاق، إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي "نتنياهو" يصر على مواصلة احتلال المحور الاستراتيجي بدون أي التفات للاحتجاجات المصرية الخجولة.
وحتى لحظة كتابة هذه السطور، لا زال مستقبل المحور غامضا في ظل أحداث تتصاعد قد تؤدي لنشوب شرارة حرب إقليمية شاملة.
COMMENTS