من رد حقوق الفقراء ومقاومة الظلم إلى البلطجة | الفتوة بين الأمس واليوم

SHARE:

ارتبط (الفتوة) تاريخيا بسمات؛ كالقوة التي عادة ما يتحلَّى بها الشباب بين طوري المراهقة والرجولة، والشهامة والشجاعة التي يهرع أصحابها إلى نجدة الغير

من رد حقوق الفقراء ومقاومة الظلم إلى البلطجة | الفتوة بين الأمس واليوم

 (بقلم / الست الشريرة)

من رد حقوق الفقراء ومقاومة الظلم إلى البلطجة | الفتوة بين الأمس واليوم
الفتوة والفقراء - من فيلم التوت والنبوت

ارتبط (الفتوة) تاريخيا بسمات؛ كالقوة التي عادة ما يتحلَّى بها الشباب بين طوري المراهقة والرجولة

الفتوة - المصطلح

معنى (الفتوة) في المعاجم العربية هو الشباب بين طوري المراهقة والرجولة، وتُعَرِّفه أيضا على أنه النجدة أو نظام يُنَمِّي خُلُق الشجاعة والنجدة في الفَتَى كما جاء في المُعجَم الوسيط.

ارتبط (الفتوة) تاريخيا بسمات؛ كالقوة التي عادة ما يتحلَّى بها الشباب بين طوري المراهقة والرجولة، والشهامة والشجاعة التي يهرع أصحابها إلى نجدة الغير، والنُبْل والسعي إلى العدل والحق مما يؤسس لنظام يدعم هذه السمات، ويخلق الشجاعة والنجدة في الفتى.

قدَّمته السِيَر الشعبية أحيانا كنموذج للحاكم الفرد المستبد العادل، الذي يسعى لتطبيق قانون القوة والحق حسب معادلاته الخاصة، وبما يتوافق مع طبيعة أهل الحارة التي يحكمها.. فهو حاكم شعبي؛ سواء اختاره الناس، أو فرض نفسه بالقوة عليهم.. ولكي يستمر في موقعه؛ عليه أن يضيف إلى قوته ما يجعل الناس تحبه؛ كأن ينصر الفقراء، ويقيم العدل، ويلعب دور الحكيم، ويُرتِّب الحياة في الحارة التي يحكمها، بحيث يظل الجميع قانعين به ومدينين لحمايته إياهم؛ فهو على سبيل المثال يأخذ الإتاوة (مبلغ من المال) من القادر، ليعطي المحتاج.

شيئا فشيئا أصبح لكل حي أو مدينة في القاهرة والإسكندرية (وهي أكبر المحافظات وقتها) فتوة أو فتوات يحمون الأهالي

الفتوات - أصحاب السلطة الشعبية

يقترن ظهور الفتوة بغياب السلطة المركزية المسئولة عن ضبط المجتمع، فالناس تحاول أن تجد بديل أو قائد محلي من بينهم، وتتنازل له عن بعض الاستقلال في مقابل حمايتهم.

في الثلاثين سنة الأخيرة من عصر السلاطين المماليك، بين نهاية القرن الخامس عشر وبداية القرن السادس عشر، لم تعد هناك دولة، وظهرت تشكيلات عصابية كبيرة تضم كل منها ما بين 300 أو 400 رجل ينهبون الأسواق؛ فبدأ الفتوات يُكَوِّنون فرق للدفاع عن أحيائهم، بالإضافة للدور المنوط بهم من البداية؛ والذي كان إغلاق البوابات في المساء وإنارة المصابيح والتفتيش عن الأغراب.

وشيئا فشيئا أصبح لكل حي أو مدينة في القاهرة والإسكندرية (وهي أكبر المحافظات وقتها) فتوة أو فتوات يحمون الأهالي.

ومع قدوم الحملة الفرنسية اشتدت مقاومة الفتوات لها؛ فبدأ جنود الحملة في هدم أبواب الحارات، وفتح القاهرة على بعضها للإضعاف من سلطة الفتوات.

مع بداية الاحتلال الإنجليزي ترك المحتل الفتوات في حالهم؛ حتى بدأ الإنجليز في بناء البوليس في مصر، فبدأ النزاع بين الجانبين.. وكلما قوي البوليس ضعف أمر الفتوات، حتى حدثت ثورة 1919م.. بعدها انضم الفتوات إلى حزب الوفد.

"النحاس باشا" رئيس الوزراء ينتدب اثنين من موظفي الداخلية لحضور التحقيقات والكشف عن ملابسات الجريمة، واطِّلاعه عليها أولا بأول

مقتل راقصة ينهي عصر الفتوات

في 22 مايو عام 1936م؛ اكتُشفت جثة الراقصة وصاحبة ملهى البسفور "امتثال فوزي" مطعونة برقبة زجاجة في عنقها، وذلك خلف الملهى الذي تملكه مع صديقتها "ماري منصور" بمنطقة رمسيس.. تلك الحادثة لم تمر مرور الكرام؛ فقد تصدَّرت عناوين الصُحُف وقتها؛ الأمر الذي جعل "النحاس باشا" رئيس الوزراء ينتدب اثنين من موظفي الداخلية لحضور التحقيقات والكشف عن ملابسات الجريمة، واطِّلاعه عليها أولا بأول.

عقب هذه الجريمة أعلن "مصطفى النحاس" إلغاء العمل بنظام الفتونة.

جاءت ثورة 1952م؛ وتم ضبط الأحوال الأمنية للشوارع، فانتهى عصر الفتوات تماما، وشيء فشيء تحولت الفتوة (معنى الجدعنة والشهامة) إلى البلطجة، وذلك بفرض السيطرة على الناس وإرهابهم وتخويفهم بالقوة، عن طريق الاعتداء عليهم أو على آخرين، والتنكيل بهم، وأحياناً قتلهم لغرض السرقة، أو قمع الرأي، وإحراق الدواليب، وإغلاق الطرق، وترهيب المناطق الآمنة، ورمي الحجارة، وإحراق الأبنية.

مع انتشار الفقر والعوز والمخدرات؛ بدأ البلطجية في سرقة الشعوب وترهيبهم

البلطجة - الفتونة

انتشر هذا المُصطلح كثيراً بعد ثورات الربيع العربي؛ حيث استخدمتهم الأنظمة العربية كأدوات لقمع الشعوب الثائرة.. ففي مصر كان (البلطجية)، وفي سوريا (الشبيحة) واليمن (البلاطجة).

ويظهر دور البلطجة جلياً أثناء الانتخابات؛ فكم من مشاجرات حدثت وانتهت بسقوط قتلى ولم يحاسبهم القانون بسببها.. ومع انتشار الفقر والعوز والمخدرات؛ بدأ البلطجية في سرقة الشعوب وترهيبهم وتهديد حياتهم في بعض الأحيان، ولاندري هل الأجهزة الأمنية عاجزة عن مواجهة تلك الظاهرة المرعبة، أم لها يد في تمددها، لزيادة إحكام قبضتها؟!

اقرأ أيضا: كيف تهدم الأسرة في خطوات بسيطة؟!

COMMENTS

الاسم

اتجاهات وأفكار,8,أحداث من التاريخ,4,أخبارعلمية,1,أسرار تاريخية,12,أعمال مترجمة,3,اقتصاد,8,اقتصاد عالمي,7,الشرق الأوسط,12,أمام العدسة,11,تاريخ,24,تحليلات إخبارية,16,ترجمات علمية,2,ثقافة وأدب,38,حكايات أدبية,4,دراسات ثقافية وأدبية,6,دراماتيك,11,روايات وكتب,12,رياضة,9,سياسة,47,سينما,13,شؤون مصرية,3,شخصيات تاريخية,7,شعر ونثر,17,علوم وتكنولوجيا,11,فلك وفضاء,3,فنون وسينما,32,قضايا معاصرة,19,كرة قدم,9,كمبيوتر وإنترنت,3,مسارات مختلفة,3,مساهمات القراء,39,مقالات وتحليلات,51,ملفات سياسية,42,
rtl
item
صفحة أخيرة: من رد حقوق الفقراء ومقاومة الظلم إلى البلطجة | الفتوة بين الأمس واليوم
من رد حقوق الفقراء ومقاومة الظلم إلى البلطجة | الفتوة بين الأمس واليوم
ارتبط (الفتوة) تاريخيا بسمات؛ كالقوة التي عادة ما يتحلَّى بها الشباب بين طوري المراهقة والرجولة، والشهامة والشجاعة التي يهرع أصحابها إلى نجدة الغير
https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEiUaOIbZGXF8CGScpvtbN0MizcvHyHBT_JEh3wy_8KlwHMTw8rp7yFrg3hxzgBfmJkmNNF39h0jcXFkf7tKagzUWtLQexIcfePWjZnICmMP4Js4n37GldAO_EZMJV8h6b362CLLZgTkSJM/w640-h626/%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2581%25D8%25AA%25D9%2588%25D8%25A9+%25D9%2585%25D9%2586+%25D9%2581%25D9%258A%25D9%2584%25D9%2585+%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AA%25D9%2588%25D8%25AA+%25D9%2588%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2586%25D8%25A8%25D9%2588%25D8%25AA.jpg
https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEiUaOIbZGXF8CGScpvtbN0MizcvHyHBT_JEh3wy_8KlwHMTw8rp7yFrg3hxzgBfmJkmNNF39h0jcXFkf7tKagzUWtLQexIcfePWjZnICmMP4Js4n37GldAO_EZMJV8h6b362CLLZgTkSJM/s72-w640-c-h626/%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2581%25D8%25AA%25D9%2588%25D8%25A9+%25D9%2585%25D9%2586+%25D9%2581%25D9%258A%25D9%2584%25D9%2585+%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AA%25D9%2588%25D8%25AA+%25D9%2588%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2586%25D8%25A8%25D9%2588%25D8%25AA.jpg
صفحة أخيرة
https://www.saf7a-a5era.com/2020/10/al-ftwa-yesterday-today.html
https://www.saf7a-a5era.com/
https://www.saf7a-a5era.com/
https://www.saf7a-a5era.com/2020/10/al-ftwa-yesterday-today.html
true
4387532385212111926
UTF-8
Loaded All Posts Not found any posts VIEW ALL Readmore Reply Cancel reply Delete By Home PAGES POSTS View All RECOMMENDED FOR YOU LABEL ARCHIVE SEARCH ALL POSTS Not found any post match with your request Back Home Sunday Monday Tuesday Wednesday Thursday Friday Saturday Sun Mon Tue Wed Thu Fri Sat January February March April May June July August September October November December Jan Feb Mar Apr May Jun Jul Aug Sep Oct Nov Dec just now 1 minute ago $$1$$ minutes ago 1 hour ago $$1$$ hours ago Yesterday $$1$$ days ago $$1$$ weeks ago more than 5 weeks ago Followers Follow THIS PREMIUM CONTENT IS LOCKED STEP 1: Share to a social network STEP 2: Click the link on your social network Copy All Code Select All Code All codes were copied to your clipboard Can not copy the codes / texts, please press [CTRL]+[C] (or CMD+C with Mac) to copy Table of Content