ما إن دخلت (روسيا) مستنقع الشرق الأوسط، وبدأت تبني جسور التعاون العسكري والاقتصادي مع (ايران)؛ لمحاولة الحد من الخسائر مرتفعة التكلفة
إيران وروسيا | أحجار على رقعة الشطرنج (2)
(بقلم / مولانا العارف)
روسيا على الخريطة |
تكلمنا في مقدمة
المقال السابق عن أنَّ لعبة السياسة، ما هي إلاَّ لعبة شطرنج تجري الأحداث
السياسية كلها في رقعتها.
وتكلمنا أيضاً
عن طرق اللعب، وأساليب كل لاعب على الرقعة وتحركاته، وكان الكلام عن (إيران) ونخصص
هذا الجزء للحديث عن (روسيا).
دخلت (روسيا) وفي ظنها أن بدخولها (سوريا) تضيق الخناق على الغرب وتعطل مصالحه في الشرق الأوسط
الدب الروسي في القرم
اعتمدت (روسيا) أسلوب
لعب هجومي، وبادرت بالقيام بأول نقلة على الرقعة، ويا ليتها ما فعلت فكانت أول نقل
في عام 2014 باحتلال إقليم (القرم)، ولا أدري من أشار على الدب الروسي القيام بتلك
النقلة، فقد جرَّت على (روسيا) الكثير، واضطرتها إلى القيام بنقلات كانت هي الأسوء
منذ سقوط "الاتحاد السوفيتي" مطلع تسعينات القرن الماضي، فما أن أجرت (روسيا) نقلة إقليم القرم على رقعة
الشطرنج؛ إلَّا وفتحت على نفسها الويلات، فبدأ الغرب بالهجوم على (روسيا)، فانطلقت
العقوبات الاقتصادية على (روسيا)، وبدأت المقاطعة للمنتجات الروسية، وحظر استيراد
الغاز منها.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين |
اقتصاد يتراجع
تسبب ذلك في بداية سيئة على الاقتصاد الروسي في
العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين؛ ففي النصف الأول حقق الاقتصاد الروسي طفرة
قوية جدا بلغت ذروتها في عام 2008، حينما حقق الناتج القومي نسبة 7% وهو معدل قوي
جدا، وانخفضت نسبة الفقر من 30% إلى 14%، حتى جاءت أزمة الرهن العقاري في 2008 وبدأ
الاقتصاد الروسي في الانكماش؛ حتى وصل الناتج القومي من 7% إلى 1.3% بداية من 2013.
الدب الروسي في الفخ
لكن
يبدو الغباء سيد الموقف، وأحلام روسيا القيصرية والإمبراطورية السوفتية بدأت تطارد
الروس، وبدأوا في إجراء نقلات عديدة للرد على الغرب في العقوبات التي فرضها؛ فبدأت
في التحرك باتجاه الشرق الأوسط والدخول في صراعاته، أو كما أحب أن أقول مستنقع
الشرق الاوسط.
دخلت (روسيا) وفي ظنها أن بدخولها (سوريا) تضيق
الخناق على الغرب وتعطل مصالحه في الشرق الأوسط، وتضع قدماً على ساحل المتوسط؛
لتتحكم في ما يذهب ويجئ لأوروبا، وهي لا تدري أن ذلك فخاً آخر أدخلت نفسها فيه،
لكن هل أدركت (روسيا) ذلك؟! الإجابة لا طبعاً بل تحركت إلى فخ جديد، وهو فخ (ليبيا)
ظناً منها أنها تزيد الضغط وتكثِّف الخناق على أوروبا في المتوسط، فما أن دخلت حتى
بدأ سيل جديد من الضغط الأمريكي والأوربي بالعقوبات الاقتصادية، وبدأت روسيا في
نزيف اقتصادي سياسي عسكري اجتماعي حاد؛ أثر ذلك على قيمة العملة وزيادة معدلات
التضخم وارتفاع نسب البطالة و زيادة عجز الموازنة.. ناهيك عن الخسائر العسكرية.
قال بوتين: نعم أرمينيا حليف لكن الحرب تجري على أرضها ولا نستطيع التدخل.
ما إن دخلت (روسيا)
مستنقع الشرق الأوسط، وبدأت تبني جسور التعاون العسكري والاقتصادي مع (ايران)؛
لمحاولة الحد من الخسائر مرتفعة التكلفة إلَّا وقد انطبق عليها المثل القائل (عيان
بيضرب في ميت لا ده قادر ولا ده حاسس).
قلعة الكرميلين |
هل توقف الأمر
هنا على مجرد مستنقع الشرق الأوسط؟! لا وإنَّما هي بداية جديدة لفتح جبهات جديدة
على روسيا (نفس العلقة بتاعة إيران لا قلم زاد ولا قلم نقص)، وبدأت الجبهات تفتح
الواحدة تلو الأخرى، فهذه (بيلاروسيا) حليفة (روسيا) و قد ثار الشعب على الرئيس
الحالي، بعد جولة إعادة الانتخابات، وشكك في الانتخابات مما أجبر (روسيا) للتدخل
لحسابه، لكن ما باليد حيلة و(روسيا) على وشك ترك هذا الحليف المهم والخاضع إلى
الكرملين، والموالي لها يهرب من أيديها بفعل قوة المعارضة ضده وقلة حيلة (روسيا)
في ايجاد مخرج له، ثم فُتحت جبهة (أرمينيا-أذربيجان) وكان على الدب الروسي التحرك
لإنقاذ موقف أرمينيا (راجع مقال الأذر)، لكن وإن بدت (روسيا) متحمسة في أول الأمر،
إلا أنها وفي تصريح لبوتين؛ يدل على عجز (روسيا) المطلق في التدخل لإنقاذ حليفها
من براثن الأذر وتركيا، قال بوتين: نعم أرمينيا حليف لكن الحرب تجري على أرضها ولا
نستطيع التدخل.
جبهات
ثم وأثناء
معمعة أذربيجان تُفتح الجبهة السادسة على (روسيا) وهي جبهة (قيرغيستان) والموالية إلى
(روسيا) ونفس ما حدث في (بيلاروسيا)؛ تم الاعتراض على نتائج الانتخابات (هذه المرة
برلمانية) ولكن بعنف جدا، حيث اقتحم المتظاهرون مقرات الأمن الوطني هناك والسجن
وحرروا الرئيس الأسبق للبلاد، الذي كان مسجون بتهمة فساد من الواضح أنها لُفقت له
في عام 2019، والذي حَكَمَ منذ 2011 حتى 2017.. وهكذا تم فتح جبهات ست خارجية على
روسيا (سوريا، ليبيا، أرمينيا، بيلاروسيا، قيرغيستان، القرم) وكل ذلك بسبب نقلة
واحدة غبية قامت بها (روسيا) على الرقعة، ولكن هل انتهت الجبهات التي سوف تُفتح على
روسيا؟! الإجابة لا بل ستُفتح جبهات جديدة، ويزداد الضغط بشدة في الجبهات القديمة
مما قد يُجبر (روسيا) على الدخول في حرب كبرى تقضي عليها نهائيا.
الخلاصة إن لم تكن تجيد اللعب فلا تغامر بأي
نقلة لأن صانع اللعبة قد جهزلها لك كي تقع في الفخ..
ناقشنا في
المقالين السابق وهذا، أسلوبين للعب على الرقعة أحدهما هجومي، والأخر كان يدور في
فُلك الصانع لكنه قرر أن يتحوَّل إلى الهجوم؛ فأصبح مصيره ومصير من سبقه مصير واحد..
لنا عودة إن شاء الله لاستكمال باقي طرق اللعب
على الرقعة.
والله من وراء
القصد
COMMENTS