أول ملوك الاسلام؛ مؤسس الدولة الأموية، سيدة الفتوحات الإسلامية التي وضعت أُسُس السياسة والحكم والتنظيم الإداري؛ التي ملأت الدنيا خيراً وعدلاً
معاوية رضيَّ الله عنه (2) | فصول من حياته
(بقلم / مولانا العارف)
أحد قصور الدولة الأموية |
طفولة معاوية
هو "معاوية بن أبي سفيان بن صخر بن حرب
بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب القرشي الأموي".
ذكرنا نسبه لأبيه وأمه في المقال الأول، وهنا
نتحدَّث عن "معاوية"، وفي هذا البحث نتطرق إلى "معاوية" من
حيث ما ذُكر فيه من أحاديث صحيحه، وما رواه منها، وتزكية الخلفاء الراشدين له، ورد
الشُبُهات عن أول ملوك الاسلام؛ مؤسس الدولة الأموية، سيدة الفتوحات الإسلامية التي
وضعت أُسُس السياسة والحكم والتنظيم الإداري؛ التي ملأت الدنيا خيراً وعدلاً، وكانت
سبباً في دخول الملايين إلى الإسلام، والنجاة من نارالشرك والكفر وطغيان السلطان.
وُلد "معاوية" قبل البعثة بخمس سنوات،
وقيل بسبع وقيل بثلاثة عشرة سنة.
تَوَسَّم أبوه وأمه فيه الزعامة والسيادة منذ
طفولته، فهذا "أبو سفيان" يقول "لهند بنت عتبة" أن ابني هذا
سيسود قومه، فردَّت "هند" ثكلته أمه إن لم يَسُدْ العرب قاطبة.
وهذه "هند" مع إبنها "معاوية"،
فيُروى عنها أن "معاوية" وهو في صغره سقط على الأرض، فقالت له انهض وعنفته
فمرَّ رجل وقال لا تعنفيه فإنه سيسود قومه، فقالت ثكلته امه إن ساد قومه فقط ..
فها هي الأم وها هو الأب منذ الطفولة
يزرعون في "معاوية" القيادة والسيادة.
آثار من الدولة الأموية |
إسلام معاوية
أسلم "معاوية" في عام الفتح، وقيل
قبل الفتح، ولكنَّه أخفى إسلامه خوفاً من بطش أهله.
فيُروى عنه:
كان "معاوية" -رضيَّ الله عنه-، على
درجة كبيرة من القرابة بالمصهارة مع النبي -صلَّ الله عليه وسلم-، فاخته هي "أم
حبيبة" زوج النبي -صل الله عليه و سلم- وهي أرملة بنت "أبي سفيان"،
تزوجها النبي أثناء وجودها بالحبشة في الهجرة الأولى، بعد أن ارتد زوجها عن الإسلام،
وقد أصدقها "النجاشي" -رضي الله عنه- عن النبي أربع مائة دينار، وهي من أقرب
أزواج النبي له نسباً.
فاجتمع لـ"معاوية" شرف مصاهرة النبي و شرف النسب..
شمائل معاوية
شهد "معاوية" مع النبي -صلَّ الله
عليه وسلم- حنين وأعطاه الرسول من غنائمها، ولله الفضل والمنة إذ قال عن أهل حنين في
كتابه الكريم فقال ( ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى
الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا
ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ)
وقد دعى له النبي -صل الله عليه وسلم- فقد
ثَبُتَ أنَّ النبيَّ -صلَّ الله عليه وسلم- دعى لـ"معاوية" قائلا:
"اللهمَّ عَلِّمْهُ الكِتابَ والحِسابَ، وقِهِ العَذاب"
وهنا أيضاً حديث؛ دَخَلَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّ
اللهُ عليه وسلَّمَ- علَى ابْنَةِ مِلْحَانَ، فَاتَّكَأَ عِنْدَهَا، ثُمَّ ضَحِكَ
فَقالَتْ: لِمَ تَضْحَكُ يا رَسولَ اللَّهِ؟ فَقالَ: نَاسٌ مِن أُمَّتي
يَرْكَبُونَ البَحْرَ الأخْضَرَ في سَبيلِ اللَّهِ، مَثَلُهُمْ مَثَلُ المُلُوكِ
علَى الأسِرَّةِ، فَقالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي
منهمْ، قالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا منهمْ، ثُمَّ عَادَ فَضَحِكَ، فَقالَتْ له
مِثْلَ - أَوْ مِمَّ - ذلكَ، فَقالَ لَهَا مِثْلَ ذلكَ، فَقالَتْ: ادْعُ اللَّهَ
أَنْ يَجْعَلَنِي منهمْ، قالَ: أَنْتِ مِنَ الأوَّلِينَ، وَلَسْتِ مِنَ
الآخِرِينَ، قالَ: قالَ أَنَسٌ: فَتَزَوَّجَتْ عُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ
فَرَكِبَتِ البَحْرَ مع بنْتِ قَرَظَةَ، فَلَمَّا قَفَلَتْ: رَكِبَتْ دَابَّتَهَا،
فَوَقَصَتْ بهَا، فَسَقَطَتْ عَنْهَا، فَمَاتَتْ ..
وكان
"معاوية" هو قائد هؤلاء النفر الذين أول من ركبوا البحر في أثناء غزوه
لقبرص.
وكان لملازمة "معاوية" للنبي -صلَّ
الله عليه وسلم- ومصاهرته؛ عظيم الأثر، فكان
رضوان الله عليه من كتبة الوحْي، ومن رواة الحديث فقد روى عن النبي -صلَّ الله
عليه وسلم- 63 حديثاَّ؛ اتفق الإمامين البخاري ومسلم على 5 منها وأدرجوهم في
صحيحيهما.
أثار من الدولة الأموية |
أقوال الصحابة والعلماء في معاوية
هذا نذر يسير عما ورد عن "معاوية"
في الكتاب و السنة، ولسنا في حاجة إلى أن نأتي بأدلة خارج الكتاب والسنة؛ لنثبت
بها فضائل صاحبنا أول ملوك الإسلام، ولكن عملاً بالمنهج العلمي، ومنعاً لسوء الفهم
واختلاط التفاسير فيما ورد في الكتاب والسنة، فهذه بعض من اقوال الصحابة وعلماء الإسلام
في فضائل "معاوية" رضي الله عنه.
ومن المعروف لدينا أن الصحابة من الذين لا
يخافون في الله لومة لائم، ولا يقدمون شخصاً على الإسلام، ولا يداهنون حاكماً ولا
سلطان.
عمر بن الخطاب
جاء عمر الشام، فوافاه "معاوية"
بموكب عظيم أنكره عليه عمر فقال: أنت صاحب الموكب العظيم؟ قال: نعم. قال: مع ما
بلغني عنك من طول وقوف ذوي الحاجات ببابك. قال: هو ما بلغك من ذلك. قال: ولم تفعل
هذا؟ لقد هممت أن آمرك بالمشي حافياً إلى بلاد الحجاز. قال: يا أمير المؤمنين إنَّا
بأرض جواسيس العدو فيها كثيرة، فيجب أن تظهر من عز السلطان ما يكون فيه عز للإسلام
وأهله ويرهبهم، فإن أمرتني فعلت، وإن نهيتني انتهيت، فقال له عمر: ما سألتك عن شيء
إلا تركتني في مثل رواجب الضرس، لئن كان ما قلت حقاً، إنه لرأي أريب، ولئن كان
باطلاً إنه لخديعة أديب. قال: فمرني يا أمير المؤمنين قال: لا آمرك ولا أنهاك.
فهذا "عمر" الذي عزل "سعد بن أبي وقاص" عندما شكاه أهل العراق؛ يوافق "معاوية" على فعلته بل ويتركه في منصبه.
علي رضي الله عنه
ثَبُتَ
عنه أنه قال: "قَتْلايَ وقَتْلى معاويةَ في الجنةِ وكان يدعو لأهلِ الشامِ
بالمغفرةِ
ابنُ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهما
فقد
قيلَ له: هل لك في أميرِ المؤمنين معاويةَ؛ فإنه ما أوترَ إلا بواحدةٍ؟! فقال رضيَ
اللهُ عنه: "إنه فقيهٌ
وكان
يقولُ عن معاويةَ: "ما رأيتُ رجلًا كان أخْلَقَ للمُلكِ من معاويةَ
مَا رَأَيْتُ رَجُلاً كَانَ أَخْلَقَ
لِلمُلْكِ مِنْ مُعَاوِيَةَ، كَانَ النَّاسُ يَرِدُوْنَ مِنْهُ عَلَى أَرْجَاءِ
وَادٍ رَحْبٍ، لَمْ يَكُنْ بِالضَّيِّقِ، الحَصِرِ، العُصْعُصِ، المُتَغَضِّبِ"
ابن تيمية
يقولُ: "لمَّا ماتَ يزيدُ بنُ أبي سُفيانَ
في خلافةِ عُمرَ؛ استعملَ أخاه معاويةَ، وكان عمرُ بنُ الخطَّابِ من أعظَمِ الناسِ
فِراسةً، وأَخبَرِهم بالرجالِ، وأقْومِهم بالحقِّ، وأعلَمِهم به.
واتفق العلماء على أنَّ "معاوية"
أفضل ملوك هذه الأمة، فإن الأربعة قبله كانوا خلفاء نبوة، وهو أول الملوك، كان
ملكه ملكاً ورحمة..وَكَانَ فِي مُلْكِهِ مِنْ الرَّحْمَةِ وَالْحُلْمِ وَنَفْعِ
الْمُسْلِمِينَ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ خَيْرًا مِنْ مُلْكِ غَيْرِهِ
وقيل:"فلم
يكن من ملوك المسلمين خير من معاوية، ولا كان الناس في زمان ملك من الملوك خيراً
منهم في زمان معاوية".
ابن كثير
في ترجمة معاوية رضي الله عنه:"وأجمعت
الرعايا على بيعته في سنة إحدى وأربعين.. فلم يزل مستقلاً بالأمر في هذه المدة إلى
هذه السنة التي كانت فيها وفاته، والجهاد في بلاد العدو قائم، وكلمة الله عالية،
والغنائم ترد إليه من أطراف الأرض، والمسلمون معه في راحة وعدل، وصفح وعفو".
يقولُ الذَّهبيُّ:
"حَسبُكَ بمَن يُؤمِّرُه عمرُ ثم عُثمانُ
على إقليمٍ -وهو ثَغرٌ- فيَضبِطُه ويقومُ به أتمَّ قيامٍ، ويَرْضى الناسُ بسَخائِه
وحِلمِه، وإن كان بعضُهم تألَّمَ مرَّةً منه، وكذلك فلْيَكُنِ المُلْكُ.
قتادة
قال:"لو أصبحتم في مثل عمل معاوية لقال أكثركم هذا المهدي.
الزهري
قال:
"عمل معاوية بسيرة عمر بن الخطاب سنين لا يخْرِم منها شيئاً".
سُئل "المعافى" معاوية أفضل أم عمر
بن عبد العزيز؟
فقال:كان معاوية أفضل من ستمائة مثل عمر بن عبد
العزيز.
خاتمة
هذا النذر اليسير فقط فيما ورد من فضائل "معاوية" رضي الله عنه.
في المقال القادمة إن شاء الله؛ نتحدث عن أعمال
"معاوية" في الإسلام، وقيادته للدولة وتوحيد صفوفها، بعد أعوام من
الفتنة، بعد مقتل عثمان وعلي -رضي الله عنهما- و الكثير مما قام به "معاوية" من
فضائل وأعمال؛ يذكرها التاريخ وسيظل يذكرها و نُذَكِّر بها حتَّى يتعلَّم أبناؤنا
من تاريخنا العِزَّة والله من وراء القصد .
COMMENTS