في رحلتي هذه؛ أود أن أسبر أغوار حديقة غنَّاء يجلس فيها جَمعٌ من الصعاليك، ارتقوا بالصعلكة إلى مقام شريف يفوق في نظر البعض مقام الفروسية.
تحت راية الصعاليك (الحلقة الأولى) | المقدمة
(بقلم: زيتون)
تحت راية الصعاليك |
صعاليك فرسان
يتسع
مفهوم الصَّعْلَكة ويضيق حسب الزمن الذي يتحدث عن كل كاتب، ويسمو المعنى ويسفل
وفقا للصعلوك الذى يدور عنه الكلام.
إلا أنني
في رحلتي هذه؛ أود أن أسبر أغوار حديقة غنَّاء يجلس فيها جَمعٌ من الصعاليك، ارتقوا
بالصعلكة إلى مقام شريف يفوق في نظر البعض مقام الفروسية.
في هذا
المجتمع الصغير - الصعاليك بحق - سنرى معا نفوسا رغم كل ظرف وقسوة [تنادي بثورة
المستضعفين من فقراء هذا المجتمع - الجاهلي في فترة ما قبل ظهور الإسلام - والمضطهدين
فيه على طبقة الأغنياء المتخمين؛ وخاصة البخلاء منهم، وكيف أن هذه الثورة كانت
تستهدف تحقيق صورة من صور العدالة الاجتماعية والتوازن الاقتصادي في هذا المجتمع]¹
الصعلكة بين المعنى والقيمة
الحديث في
هذه السلسلة سيكون عن مجموعة من الصعاليك نجحوا فى تحويل الصعلكة إلى فكرة إنسانية
نبيلة، تجعل للفقير حقا في موارد مجتمعه؛ بل ونجحوا في فك الارتباط بين معنى وقيمة
الصعلكة، وبين اللصوصية، والتي طالت الأيام وهي تحمل في أذهان الناس أن كل صعلوك
هو لص حقير دنيء النفس.. فتحولت طبقة الصعاليك الخاصة التي يجلس على عرشها "عروة
بن الورد" إلى فئة تاريخية؛ لها من الاحترام والقيمة في التاريخ والأدب ما
لها.
يكتنف
الغموض معنى الصعلكة بين اللغويين والأدباء، لكنك إن رُمت تعريفا يجمع بين الشق
اللغوي والاجتماعي للكلمة؛ فحسبُك ما سطَّره الدكتور "يوسف خليف" في دراسته
الشهيرة قائلا أن [الصعلكة هي الفقر! لكنه فقر يغلق أبواب الحياة في وجع صاحبه،
ويسد مسالكها أمامه].
وللصعلكة
جوانب اجتماعية يطول سردها، ولعلنا نتناول بعضها فيما هو قادم تصريحا أو تلميحا
حسبما يقتضي السياق.
الصعاليك حقا
لكن؛
وبشكل عام.. فالصعاليك هم أولئك الذين نبذهم قومهم لسبب ما، فصارت الصحراء وطنا
لهم، وافترشوا حصوات الكهوف في كل جبل، حتى توطنت طبيعة الصحراء فيهم، فصاروا قريبي
الحال منها، ثم تحولوا إلى غُزاة مُغيرين، لهم طباع صلبة، ويعيشون حياة يتذوقون
فيها مرارة الظلم والشطر كل ساعة، فيما يرون في أنفسهم، وفيما يرون من واقع أسياد
كل حي حولهم على كل ضعيف مسكين فقير.
يقول "الشنفري"
في لاميته عما يصنعُ بذاته ويبنيها في قلب الصحراء:
أُديـمُ
مِطَـالَ الجُـوعِ حتّـى أُمِيتَـهُ وأضْرِبُ عَنْهُ الذِّكْرَ صَفْحاً
فأُذْهَـلُ
وَأَسْتَـفُّ
تُرْبَ الأرْضِ كَيْلا يُرَى لَـهُ عَلَـيَّ
مِنَ الطَّـوْلِ امْـرُؤٌ مُتَطَـوِّلُ
صارت
الشمس اللافحة أُماً لهم تربيهم على عين حرارتها؛ فتصقل نفوسهم، وقلوبهم تعينهم في
الغزو والإغارة.. ثم تَهَذَّبت قلوبُهم ورَقَّت، حتى صفا منهم مَن صار يَهُم
للإغارة والغزو للتصدي للظلم الواقع على الفقراء والمظلومين.. فكان يغزو ليعطي
الفقراء، ويهدم واقعا صعبا مبناه على الظلم والقهر ولا مكان لفقير فيه أو مُحتاج.
لقد كانت
الصعلكة على ما فيها من صعاب وأهوال طريقا للكثيرين من المتمردين على طبائع
مجتمعاتهم لتحقيق ما يرنون إليه؛ حتى وإن صاروا على مشارف الموت من الجوع والعطش في
هذه الصعلكة، فيقول "السُليك":
وَما نِلتُها
حَتّى تَصَعلَكتُ حِقبَةً وَكِدتُ لأَسبابِ المَنيَّةِ أُعرَفُ
وَحَتّى رَأَيتُ الجُوعَ بِالصَيفِ ضَرَّني إِذا قُمتُ تَغشاني ظِلالٌ فَأُسدِفُ
الصفوة
هؤلاء هم صفوة الصعاليك الذين خلَّد التاريخ ذكرَهم؛
وسنتناول سيرتهم واحدا بعد الآخر..
إلا أن البداية
في المقال القادم عن امرأة صَنَعَت على عين ألمها وقهرها اثنين من خَيْرة
الصعاليك..
والكلام
عن "عنيزة" يطول..
فإلى
لقاء!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- [الشعراء الصعاليك فى العصر الجاهلي، د/ يوسف خليف]
اقرأ أيضا: روبن هود العرب | قصة أمير الصعاليك "عروة بن الورد"
COMMENTS