اللغة ظاهرة إنسانية تنتشر من خلال استخدامها في عملية من التفاعل الإجتماعي، وطالما هناك بيئة نشطة لهذه اللغة؛ فإن عملية اكتسابها تستمر.
كيف تساعد طفلك على تعلّم اللغات؟! | المقال الأول
كيف تساعد طفاك على تعلم اللغات |
مقدمة
فقبل الأعرابي
تحديهم وبدأ بشرب اللبن ثم أنزل القِدر وقال: كبش أملح. فقالوا له: تنحنحت! فقال:
لم أتنحنح، ما أفلح من تنحنح. ثم أكمل شرب اللبن و أخذ ما أراد ومشى.
يستدل
"ابن جِنّي" -وهو من عباقرة اللغويين العرب- بهذه القصة على أنَّ العرب أهل سليقةٍ وفطرةٍ
بطبعهم، حيث أن هذا البدوي قد تنحنح خمس مرات في قوله "أملح، أتنحنح، تنحنح".
حيث أدرك ذلك الأعرابي بفطرته الصفة الوظيفية للحرف "ح" فنطق كلمات بها هذا الحرف حتَّى يستغل "البحّة" المصاحبة لذلك الحرف ويتنحنح دون أن يخسر التحدي، بل وأتى بذلك الحرف في هذه الكلمات ساكناً، حيث تكون البحّة أقوى!
وهنا أول النقاط التي أود أن أشير إليها في عملية تعليم وتعلّم اللغة، سواء كان ذلك مرتبطاً باللغة العربية أو اللغة الإنجليزية أو أي لغة أخرى؛ وهو إدراك الهدف الحقيقي من عملية اكتساب اللغات ومدى الاستيعاب الفطري لوظائف اللغة وأهدافها.
اقرأ أيضاً: ثقافة الإنسان المصري بين ماضيه وحاضره | دراسة
ما اللغة؟!
في أصول الفقه قاعدة شهيرة تقول "الحكمُ على الشَّيءِ فَرعٌ عَنْ تَصَوُّرِهِ" أي أنه لكي يتم إصدار الأحكام على أشياء معينة (أقول أو أفعال أو تصرفات معينة) لابد من تصور ذلك الشيء المعروض لإصدار الحكم فيه، بمعنى فهمه واستيعابه بدرجة تمكن الناظر فيه من أخذ فكرة متكاملة عنه حتى يأتي حكمه!
وفي اللغات
أيضاً عليك أن تُعمِل هذه القاعدة بتصرّف، فتعرف ما هي اللغة حقاً عند اللغويين
وأهل الإختصاص حتَّى تكون بدايتك في التعلّم واضحة ووفق أسس سليمة تعينك على إنجاز
الأهداف قصيرة المدى وطويلة المدى في رحلة تعلّم اللغات. وإليك اثنين من أشهر وأهم
التعريفات للّغة وطريقة اكتسابها:
ففي تعريف اللغة يقول "ابن جِنّي": أصواتٌ يعبّر بها كل قوم عن أغراضهم. وفي اكتساب اللغة يقول "ابن فارس": تؤخذ اللغة اعتياداً كالصبي العربي.
وعليه! فيجب
أن تزرع في عقلك طفلك وتساعده علي استخدام المفردات والتراكيب اللغوية بالبناء
الصرفيّ السليم والبسيط بدايةً للتعبير عمّا يريد وأن تبني لديه ولديك أولاً- قناعة تامة بأن تلك هي الوسيلة
الصحيحة للتواصل والفائدة الأهم لأي لغة، وألا تكون فقط مادة دراسية الهدف من
تحصيلها اجتياز اختبارات محددة، فتظل اللغة حبيسة كتاب المدرسة والمسار التعليمي
الأكاديمي فقط!
فاللغة ظاهرة إنسانية تنتشر من خلال استخدامها في عملية من التفاعل الإجتماعي، وطالما هناك بيئة نشطة لهذه اللغة؛ فإن عملية اكتسابها تستمر.
ابن جني |
هل يُعدّ المسار النظامي المدرسي كافياً لعملية اكتساب اللغة؟!
لا شك أنَّ
المسار الدراسي هو أهم العوامل في عملية تعليم اللغات بشكل عام، لكن لأسباب كثيرة
فلابد من توفير بيئة مساعدة خارج هذا المسار لا تقل أهمية عن التعليم المدرسي خاصة
فيما يخص اكتساب اللغة وتوظيفها العملي. وفي ذلك تفصيل هام، نقول فيه:
أنَّ هناك ما
يسمى بـ"المعارف اللغوية" وهي تشمل المهارات اللغوية الأربعة (التحدث
والاستماع والقراءة والكتابة) بالإضافة إلي للأساليب والقواعد الصرفية وغيرها لكل
لغة.
لكن القدرة على فهم واستيعاب هذه المعارف اللغوية يتحدد بمدى القدرة على "الممارسة اللغوية العملية" وهذا ما يعيب النظام التعليمي بصورته الحالية حيث لا مساحة -ولو بسيطة- لممارسة اللغة! فقط تعليم نظري واختبارات مكتوبة. وبناء على ذلك، فإن البيئة الاجتماعية المحيطة بالطفل يقع على عاتق أفرادها توفير وسائل ولو بدائية بسيطة تساعد الطفل على إخراج المكتسبات اللغوية من حيز الحفظ والذاكرة إلى حيز الممارسة والنطق ولذلك فوائد مهمة جدا منها:
- توفير القوة النفسية للطفل لاستخدام اللغة، بحيث يجد دعماً وتصويباً
في حالة الخطأ، وليس عقابا وخصم درجات كما في المسار المدرسي.
- تدعيم القدرات العقلية والمعرفية للطفل، مما سيؤثر إيجابياً على قدرة الطفل في الربط بين المحتوى النظري المدروس والجهد العملي والتطبيقي في الحياة العامة، وحينها لن يقتصر الطفل على جانب اللغة فقط؛ بل الرياضيات والعلوم وغيرها.
فالطفل المحروم من الممارسة اللغوية يومياً، هو محروم من أوسع مساحات الإبداع العقلي التي يُفترض بنا دعمه فيها، فالطفل يتعلّم اللغة العربية، و يتعلّم العلوم والرياضيات والتاريخ وغيرها من المواد باللغة العربية، وبدون ممارسة اللغة العربية بشكل عملي؛ يظل هناك حاجز نفسي ضخم بين الطفل وبين المحتوى الذي يتلقّاه بنفس اللغة. أمّا اللغة الإنجليزية، فإنها بدون ممارسة عملية تظل حبيسة مفهوم "مادة دراسية" حتَّي يصل إلى مراحل تعليمية سيتحتّم عليه فيها التعامل مع أجزاء كبيرة من "المنهج الدراسي" على أنَّه "مواقف حياتية عامة" و هو ما يؤدي في أحيان كثيرة إلي فشل استيعاب تلك الأجزاء لأن مفهوم اللغة لدى الطفل غير واضح منذ البداية !
لكن! كيف
نوفّر بيئة خصبة للممارسة اللغوية في حياة الطفل؟! هذا ما نتناوله في المقال الثاني
إن شاء الله.
COMMENTS