كان سان سيمون يدعو إلى أنَّ السلطة يجب أن تُسلم إلى الصناعيين لا للعلماء، لأنهم هم الرؤساء الحقيقيون للشعب، فهم الذين يقودونه في أعماله اليومية
هدية مصر للعالم (2) | خطط لها نابليون ونفذها السان سيمونيون
نظرة على ما قد بدأناه
توقفنا في المقال السابق عند الأسباب
الحقيقية لقدوم "نابليون" إلى (مصر والشام) وهي كما ذكرنا بحسب المصادر
والمؤرخين الغربيين نفسهم هي (أنَّ هدف نابليون الأسمى لم يكن كما يقول هو أنَّه
كان من أجل المجد الامبراطوري ولكنه كان من أجل إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين)..
وهنا في هذا المقال نستكمل ما بدأناه من حديث.
لن نتوقف كثيرًا عند (نابليون) لأنَّ حملته فشلت
وفشلت معها فكرته في إقامة القناة عن طريق القوة العسكرية واحتلال (مصر) وإقامة
الوطن القومي لليهود، ولكن إذا كانت حملته العسكرية قد فشلت في فعل هذا لكن هذا
يخصه وحده فقط وكتبه التاريخ باسمه فقط، وإذا
كان الفشل من نصيبه فإنه فشل لا يخص ممولي الحملة، وان كان الفشل من نصيب (نابليون)
ولم يعاود الكرة مرة أخرى لكن هذا لم يعني فشل ممولي الحملة و عدم معاودة الكرة
مرة اخري..
وهنا سنتكلم عن كيف تم معاودة الكرة مرة أخرى وبأي
أسلوب وكيف نجحت ليس فقط في شق قناة السويس وربط الشرق بالغرب، بل وشق الجسد
العربي المسلم، بل والأكثر من ذلك هو فتح العالم العربي المسلم تمامًا أمام احتلال
غربي وسيطرة مطلقة بدأت بقوة السلاح ومازالت مستمرة حتَّى اليوم ليس فقط بقوة
السلاح ولكن بكل القوى الممكنة والمتاحة.
كنا قد تحدثنا سابقًا في سلسلة
السرداب عن الباشا ودوره الخطير في (مصر) وولائه الشديد لليهود وحبه لهم وكيف أنقذهم
أكثر من مرة؛ أشهرها قصة الأب "توما" وأيضًا وعده لـ"موسي
مونتفيوري" بوطن قومي لليهود وسعيه معه لامتلاك اليهود أكبر قدر من الأراضي
في الشام وتحديدًا في (فلسطين)، بعدما كان هذا الأمر ممنوع من قبل الباب العالي في
الأستانة؛ إلَّا أنَّ قدوم "محمد علي" إلى (مصر) وتوليه الحكم قد كسر
هذا الباب العالي وسلطانه على الأمة العربية الإسلامية..
وأيضًا تحدثنا في السلسلة عن الباشا
وصناعة النخب وكيف صنع الباشا النخب المصرية التي قادت التغريبية والقومية لـ(مصر)
بعيدًا عن العربية والإسلامية، وذكرنا أنَّ الباشا عمل على محورين في صناعة النخب،
المحور الأول هو البعثات في أوروبا، والمحور الثاني هو محور كلامنا الأن وهو السان
سيمونيون ودورهم في (مصر) في مساعدة الباشا على استكمال محور صناعة النخب التي
قادت ومازلت تقود التغريب لـ(مصر) بعيدًا عن الجسد العربي المسلم، فمن هم السان
سيمونيون وما هو الدور الذي لعبوه في (مصر) وما هو دورهم في شق قناة السويس وما هو
الهدف الأساسي لهم من الوجود في (مصر)؟!
اقرأ أيضًا: السرداب (1) | العلاقة السرية بين محمد علي واليهود
من هو السان سيمون وما هي معتقداته؟!
السان سيمون |
وقبل التعرف على السان سيمونيون في (مصر)
لابد أولًا من التعريف بصاحب المذهب والفكرة والذي يُنسب إليه السان سيمونيون.. هو
"سان سيمون" الفيلسوف الفرنسي ( 1760 – 1825 )
بحسب السيرة الذاتية له والمنشورة في
الكتب والتي اقتبست منها الويكيبيديا هذا التعريف ( كان سان سيمون يدعو إلى أنَّ
السلطة يجب أن تُسلم إلى الصناعيين لا للعلماء، لأنهم هم الرؤساء الحقيقيون للشعب،
فهم الذين يقودونه في أعماله اليومية. فالأمة هي ورشة صناعية واسعة، تزول فيها
فروق المولد والنسب، وتبقى اختلافات القدرات. وقد كانت آراؤه وراء بدايات
"العلم الوضعي" و الاشتراكية ) أ.هــ.
وبعيدًا عن السيرة الذاتية لـ"سان سيمون"
والمذكورة في كتب الفلسفة والسير الذاتية وهو أمر لا يعنينا كثيرًا.. ما يعنينا
هنا هي النقاط المهة للغاية في فكر "سان سيمون" والتي انتهجها من بعده
اتباعه.
أفكار "سان سيمون" التي
تكشف حقيقته وحقيقة السان سيمونيون وأهدافهم:
1- الهوس بفكرة الوحدة العالمية (تأسيس
وحدة عالمية بين جميع البشر في جميع القارات تحت حكم واحد وإدارة واحد بل وحاول
إعادة كتابة المسيحية لتكون الدين العالمي الجديد ولكنها مسيحية علمية لاهوتها
العلم وهذا في كتابه المسيحية الجديدة (الدعوة الي إقامة نظام عالمي موحد).
2-وضع "سان سيمون" مخططات
لربط جزئي العالم القديم، الشرق والغرب، وذلك في إطار مقاربة عالمية تدعو لتوحيد
العالم وتأمين السلام الكوني بالاعتماد على فلسفة الشبكات، والتي منها شبكات السكك
الحديدية وكذلك القنوات المائية ومنها قناة السويس وقناة بنما.
3- جعل "سان سيمون" من
تحقيق التقدم الهدف الرئيس من دعوته للعالمّية بحيث تكون الوحدة الإنسانية محصّلة
التطوّر البشري، وتتويجاً للتطورّ الذي عرفته المجتمعات الإنسانية منذ الانتقال من
طور المجتمعات الإقطاعية إلى طور المجتمعات الصناعية، لتصبح الوحدة العالمية هي
المحصلة الطبيعية للتطور.
4- كان يرفض الجانب الأخلاقي في الدين
والذي كان يقول عنها إنها كانت تنحو منحًا سلبيًا واقترح في كتابه المسيحية
الجديدة أن تكون الاخلاق وضعية من صنع البشر لتناسب المجتمع الصناعي.
كذلك رفض ما في الديانات من تخويف
بسوء المصير في حالة العصيان، لأنَّه كان يرى في ذلك عامل تأثير سلبي على الإنسان،
مما يخفض قدرته الإنتاجية.
كان هذا جزء بيسط عن فكر "سان
سيمون" ذاته والذي يتضح منه رغبته في إقامة نظام عالمي واحد بدين واحد وضعي
واقتصاد واحد، وهذا يستتبع وجود حكومة واحدة لإدارة تلك المنظومة العالمية الموحدة
(للتوضيح أكثر، هذه هي فكرة الماسونية والنورانينة بنات اليهودية وهي حكومة عالمية
واحدة يحكمها من يتحكم في رأس المال والذي بدوره يحدد للبشر الدين الذي يتبعوه
والكيفية الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشون بها وهذا أمر غير خفي عن رغبة اليهود
في ذلك منذ بداية علوهم الكبير في أوروبا مع بدايات القرن السادس عشر وشق المسيحية
وظهور البروتستانية أو المسيحية اليهودية وظهور المسيحية الصهيونية، وسوف ندلل على
ذلك فيما يلي من عرض أفكار السان سيمونيين الدينية وطقوسهم ومن مصادر غربية وعربية
حتَّى يتثني التأكد من العقيدة السان سيمونية الموالية تماما للفكر اليهودي).
اقرأ أيضًا: العلو الأول والأخير | بني إسرائيل ووعد الآخرة
خلفاء السان سيمون
الأب انفانتان |
بعد وفاة "سان سيمون"؛ تولى
قيادة السان سيمونية خلفه "بروسبير انفانتان" وتلميذه "اولند
رودريج".
من هنا بدأ التأسيس للعقيدة الدينية السان سيمونية بوضوح شديد ولولا وفاة "سان سيمون" وتولى "انفانتان" قيادة السان سيمونية ما كان التاريخ ليذكر عقيدة "سان سيمون" الحقيقية، وكانت ستظل طي الكتمان لكن جاءت إرادة الله لتوضح تلك العقيدة على أيدي تلاميذه وكاتمي أسراره، وهم الذين جاءوا من بعده لتطبيق تلك العقيدة في الأرض الخصبة (مصر) بعد تولي الباشا الحكم.
من كتاب السان سيمونيون في (مصر) هو "فيليب
رينييه" يقول عن انفانتان:
"انفانتان: استضاف أربعين من
الحواريين للإقامة في المنزل الريفي الذي ولد به وخصصوا في هذه الخلوة أمسياتهم
للتأمل الجماعي، والتي يشكل محضر اجتماعاتها أغلب الكتاب الجديد (يقصد الكتاب
المقدس للجماعة) وهو مخطوط غير مطبوع ومُخصص في فكرهم لتكملة الوحي الوارد في
الكتب الكبرى للأديان التوحيدية القديمة (توراة، انجيل و قرآن).
من كتاب (سان سيمون والسان سيمونية أحد
فصول تاريخ الاشتراكية في فرنسا) لعالم الاقتصاد "ارثر جون بوث".
في رسالة "إميل بارو" أحد
اتباع إنفانتان إلى انفانتان (أيها الأب أنت التجلي الأعلى للإله في الإنسانية،
انت مسيا الإله وملك جميع الممالك).. مسيا يعني مسيح الإله وهي عند اليهودية أي
المسيح المُخلص المنتظر لقيادة اليهود لحكم العالم من الهيكل المقدس في القدس..
ومن نفس الكتاب يقول (أهم مسألة كانت
تشغل إنفانتان ويوليها اكبر اهتمام هي جنس الإله، ذكر أم أنثى).. يعلق على هذه
النقطة الدكتور "بهاء الأمير" في كتابه (أول الآتين من الخلف) بقوله:
"ولأنَّ الإله في القبالاه (الصوفية
اليهودية) هو ذكر أو أنثى فقد وصل انفانتان في تأملاته إلى أنَّ الإله أب وأم
ولابد للمسيا الرجل (يتحدث عن نفسه بصفته المسيا) أن توجد معه مسيا أنثى، والمسيا
الأنثى هي من جاء انفانتان إلى مصر من أجل التزواج بها وهذا ما ذكره أمين فخري عبد
النور (دون أن يشعر) في تقديمه لكتاب فيليب رينيه (السان سيمونيون في مصر) يقول كانوا متصوفة، مقتنعين بما يشبه وجود
امرأة نبية من الشرق تتزوج انفانتان يسمونها الأم).
ومن نفس الكتاب ننقل ما قاله "فيليب
رينيه" هذه المرة يقول "بارو" لاقناع اتباعهم من السان سيمونيون
بالمجيء إلى (مصر)..
المسيا المُخلص قد جاء زمان ظهوره وأنَّه
سيكون امراة يهودية وظهورها سيكون بـ(مصر) وأنَّها سوف تكون شريكة الأب "انفانتان"
والأم التي ستشارك معه في تأسيس الديانة الكونية وتحرير نساء العالم..
خاتمة
مما سبق من المصادر التي جمعانها عن
عقيدة "سان سيمون" والسان سيمونيون من بعده تتضح عدة نقاط، أنَّ الفكر
السان سيمونيون الاقتصادي والاجتماعي كان قائمًا على فكرة وعقيدة دينية راسخة في
ذهنه، والتي شرحها بكل وضوح أتباعه من بعده وهذه العقيدة تدور في فلك العقيدة اليهودية
البحتة والتي تنادي بعودة المسيح المُخلص المشيحا لحكم الأرض من الهيكل المقدس
المقام على أنقاض بيت المقدس وهذا ما ذكره بكل وضوح "انفانتان" في
رسالته التي ارسالها إلى "بارو" في عام ١٨٣٨ والتي يقول فيها:
"يقع على عاتقنا أن نشق بين (مصر) وبلاد
اليهود القديمة طبقًا من الطرق الجديدة التي تربط أوروبا بـ(الهند والصين) وبذلك
نضع أحد أقدامنا في بلاد النيل والأخرى في (أورشليم) وفي حين يتمتد ذراعنا الأيمن
على مكة يصل ذراعنا الأيسر إلى (روما) ويظل مرتكزا على (باريس).. إنَّ (السويس) هي
مركز حياتنا العلمية وفيها سوف ننفذ العمل الذي ينتظره العالم مننا".
وهذه الرسالة هي صلب العقيدة السان
سيمونية، السيطرة علي العالم وإعادة اليهود إلى أراضيهم القديمة والسيطرة على مقرات
ورموز الأديان السماوية مكة الإسلام وروما المسيحية..
وهذا كله من العقيدة اليهودية البحتة
والتي أثرت في السان سيمونيون وحولتهم إلى أحد الأدوات التي ينفذ بها اليهود إلى أرض
الميعاد وإقامة وطنهم.
كان هذا ملخص شديد الاختصار عن ما هي السان
سيمونية وما هي عقيدتها ولماذا جاءت إلى (مصر) تحديدًا..
ومنعًا للإطالة نترككم لاستيعاب هذا المقال وما سبقه ونعود إن شاء الله ونكمل في
المقال القادم أدوار السان سيمونيون في (مصر)، وتأثيرهم وماذا قدموا في الحملة
الفرنسية الثانية على (مصر).
COMMENTS