بطولة دوري السوبر الأوروبي European Super League الجديدة، والتي تضم حتى الآن خمسة عشر ناديا من كبار أوروبا

دوري السوبر الأوروبي وصراع الأفيال | هل تنهار منظومة كرة القدم العالمية؟!

 (بقلم: مولانا العارف)

15 ناد مشتركا حتى الآن في دوري السوبر الأوروبي

دوري السوبر الأوروبي - الحلم والاستحقاق

في قرار عاصف على كل الأطراف والمستويات، اجتمعت أكبر أندية أوروبا العريقة في كرة القدم، وقررت فيما بينها إقامة بطولة خاصة خارج إدارة الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (ويفا EUFA) وخارج منظومة الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا FIFA)؛ وهي بطولة دوري السوبر الأوروبي European Super League الجديدة، والتي تضم حتى الآن خمسة عشر ناديا من كبار أوروبا في دورياتها الكبرى لـ كرة القدم؛ الدوري الإنجليزي والإسباني والإيطالي؛ يحتل صدارتها عمالقة كرة القدم في العالم؛ أندية ريال مدريد وبرشلونة من إسبانيا، مانشستر يونايتد ومانشستر سيتي وليفربول من إنجلترا، ومن إيطاليا نادي يوفنتوس ونادي إيه سي ميلان؛ والقائمة تطول حسبما أصدرت بيانات المجموعة المؤسسة.

تخلَّف عن المنافسة في هذه القائمة من الأندية الكبرى في أوروبا فقط ناديي بايرن ميونيخ الألماني وباريس سان جيرمان الفرنسي، لكن أعتقد أن هذا القرار لن يكون النهائي لهما، وغالبا سيشارك فريق كرة القدم الخاص بهما في منافسات هذه البطولة عندما تقام حيث أن البطولة الجديدة لها عوائد مادية غير مسبوقة.. المشجعون في فرنسا وألمانيا سيضغطون بمنتهى القوة للمشاركة في بطولة كهذه وسيشجعون إدارات أنديتهم أن تسرع لتكون من المؤسسين تحت شعار (الجمهور هو الحكم الأوحد والحاكم ذو السلطة الأقوى).

هنا لن نتكلم عن ماهية الفرق التي يمكن أن تتأهل إلى هذه البطولة، أو عن الجانب الرياضي وتأثيره نتيجة اتخاذ هذا القرار الغير مُفاجئ لهذا المشروع الرياضي المثير للجدل!!

اقرأ أيضًا: دوري السوبر الأوروبي | تصريحات بيريز غير المبالية وغضب الفيفا والاتحاد الأوروبي

تاريخ الإعلان عن تأسيس بطولة دوري السوبر الأوروبي - حدث له ما بعده

نعم الغير مفاجئ.. حيث أن تاريخ هذا الطرح أو الحاجة إلى هذه الفكرة يعود لفترة ما بعد الأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم في العام 2009م؛ عندما اقترح رئيس نادي ريال مدريد الأشهر "فلورنتينو بيريز" أن تتم إقامة بطولة تضم الأندية الكُبرى في العالم كأندية مشاركة في بطولة أخرى كبرى من بطولات كرة القدم.. نعم، إنها فكرة تُنسب إلى رئيس نادي ريال مدريد الإسباني الشهير الذي يتصدر دوما بشأن بيان كل الخطط الخاصة بـ بدء هذه البطولة الوليدة أو قرب انطلاق منافساتها.

منذ عام، أو تحديدا منذ بداية تحدي وباء كورونا الجديد الذي ضرب العالم واقتصاده؛ تم مناقشة هذه الخطوة باقتراح إقامة بطولة (دوري السوبر الأوروبي) أكثر من مرة داخل أروقة الأندية السابق ذكرها والاتحاد الأوروبي الذي رفضه أكثر من مرة؛ بل وبدأ في اتخاذ خطوات أكثر جدية وحزم – أقرب لأن يعلن بيانا للحرب المفتوحة - بدلا من مجرد التحذيرات المتتالية لخرق نظام مسابقاته؛ حيث يدرس بشكل رسمي توقيع عقوبات على الكيانات التي سوف تشارك اللعب في أي مباراة في هذه البطولة سواء على مستوى اللاعبين، وذلك بحرمانهم من المشاركة مع منتخبات بلادهم الوطنية، أو على مستوى الأندية بحرمانها من المشاركة في دوريات بلادها، أو البطولات القارية التي ينظمها الاتحاد..

مستقبل الانضمام إلى البطولة - مصالح خطط وروابط

كل هذا لا يهم، والأهم في نظري أن القرار في حد ذاته قرار كارثي على المدى البعيد أو المتوسط؛ ليس على مستوى اللعبة فقط، إذ أنه سيتسبب في أخذها إلى منحنى جديد بعيد تماما عن هدفها الرئيسي؛ ألا وهو المتعة.. سيحدث ذلك حتما في أقرب وقت.

مع إطلاق منافسات دوري السوبر الأوروبي، كرة القدم ستذهب إلى مكان بعيد جدا وهو التجارة باللعبة الشعبية الأولى في العالم ذات الأصول البريطانية أو الإنجليزية (كرة القدم)، وتحويلها إلى سلعة خالصة بلا أي منافسة شريفة - ليست كما حالها الآن؛ مزيج من المتعة للجماهير والربح لمنظميها - بل إلى سلعة خالصة هدفها الربح فقط ولا شيء غيره.. ربح مليارات ومليارات لكافة أطرافها من المؤسسات أو الفرق، دون الأخذ في الاعتبار أي قيمة أخرى.

تبعات القرار أيضا تذهب أبعد من مجرد تحويل كرة القدم إلى سلعة يتم المضاربة عليها لأعلى سعر، و الغالب أنها ستكون في شكل أشبه بـ (مصارعة ديوك أو مصارعة حرة أوروبية).. الصورة المقترحة هي قتال من أجل المال فقط.. قتال تُستخدَم فيه كل الأساليب القذرة والرشوة واللعب غير النظيف والفساد، إلى آخره من مصطلحات وقيم جديدة تبعد باللعبة أساسا من هدفها الرئيسي وهو الرياضة وإشباع حاجة جماهير كرة القدم للمتعة، وتجعلها صراع على المال، ومن أجل المال..

هذا ما هو متوقع لعالمنا القادم وفقا لمنظور أو كما أعلن النظام العالمي الجديد NWO.. التحرك لصراعات واقتتال من أجل المال فقط، وإلغاء أو منع كل القيم الإنسانية وكل الأهداف الرئيسية والضرورية المؤسسة لحياة الإنسان.. يحدث ذلك لصالح صراع الصعود من أجل المال.. والمال فقط.

ما يحدث في تفاصيل إنشاء تلك البطولة المُستحدثة (السوبر الأوروبي) هو نموذج مُصَغَّر في أحد جوانب الحياة (الرياضة)، وإن نجح - وسوف ينجح- سيُطبَّق على باقي مناحي الحياة؛ من علوم وفنون وآداب.... إلخ.

ستتحول ضروريات الحياة البشرية كلها إلى صراع من أجل المال، ومن ثَمَّ تفقد كل أهدافها التي بُنِيَت أساسا من أجلها؛ وهي زيادة رفاهية الإنسان من أجل حياة أفضل، فتتحول حياة البشر فيما بعد إلى صراعات مستمرة يفوز فيها الأقوى والأعنف والأشرس والأكثر فسادا من أجل المال ولا شيء غيره..

حسنا.. هل الأندية مضطرة إلى هذه الدرجة للدخول إلى هذا المعترك، وخَوْض غمار تلك المقتلة العظيمة القادمة؟!

الإجابة الأقرب: نعم.. حيث أن موقف الأندية المالي الآن - وتحديدا بعد تداعيات أزمة تفشي فيروس كورونا في الشهور الماضية- غاية في السوء والتدهور، إذ أن الخسائر في العامين المُنصَرميْن قد فاقت العديد من التوقعات كما يقول البيان (التقرير) الذي أعدته إذاعة مونت كارلو الفرنسية..

تقرير إذاعة مونت كارلو الفرنسية

يشير تقرير شركة (فوتبول ماني ليغ) أن إيرادات الأندية العشرين التي شملتها الدراسة قد تراجعت بمقدار 1,1 مليار يورو في موسم 2019-2020 بسبب إقامة المباريات خلف أبواب موصدة، وتراجع الدخل من حقوق البث التلفزيوني.

سيتم استرداد بعض هذه الإيرادات في حسابات موسم 2020-2021، إذ تنتهي السنة المالية في معظم الأندية في 30 حزيران/يونيو، مما يعني أن الأموال التي كسبتها من بث البطولات المحلية والمسابقات الأوروبية التي انتهت بعد ذلك التاريخ لم تدرج في أرقام الموسم الماضي.

مع ذلك؛ فإن التداعيات المستمرة للجائحة سيكون لها وقع أكبر ماليًا على الأندية والاعبين في موسم 2020-2021، وذلك مع إقامة المباريات خلف أبواب موصدة في غالبية دوريات القارة العجوز منذ مطلع الموسم، في حين لا تبدو أن القيود ستُخَفَّف في المستقبل القريب.. علمًا أن القسم الأول من الموسم الفائت شهد حضورًا جماهيريًا طبيعيًا حتى شباط/فبراير.

حتى مع استمرار إغلاق الملاعب، تم التعويض للقنوات الناقلة بسبب التعديل الذي طرأ على جدول المباريات بعد توقف المنافسات قسريًا قرابة ثلاثة أشهر، وغياب الأجواء التي تنتجها الملاعب الفارغة.

وبلغ إجمالي الخسائر في الدوريات الأوروبية الخمسة الكبرى؛ وهي إنكلترا، إسبانيا، ألمانيا، فرنسا وإيطاليا، إضافة إلى مسابقتي دوري الأبطال والدوري الأوروبي "يوروبا ليغ" حوالي 1,2 مليار يورو.

وقال "تيم برديج" من مجموعة (سبورتس بيزنيس) في شركة (ديلويت): "عادة نصدر تقريرنا الخاص ونتحدث عن نمو الإيرادات، ولكن بالطبع كرة القدم ليست محصنة ضد جائحة كوفيد-19".

وتابع: "كان هناك خسائر في الإيرادات بسبب غياب المشجعين عن الملاعب، وقلة التفاعل في يوم المباراة - إنفاق المشجعين في متاجر الأندية وشراء الطعام والمشروبات - وهناك عامل يتعلق بالإيرادات التي عوضتها القنوات الناقلة أو أجلتها إلى العام المقبل".

وحافظ نادي برشلونة الإسباني على مركزه في صدارة جدول الإيرادات على الرغم من انخفاض دخله بنسبة 15 في المئة إلى 715 مليون يورو.

مع ذلك؛ لا يزال النادي الكتالوني غارقًا في أزمة اقتصادية بسبب الديون المتصاعدة البالغة 1,2 مليار يورو وفقًا للتقرير المالي الذي أصدره النادي.

فيما بقي غريمه ريال مدريد في المركز الثاني متخلفًا عنه فقط بـ200 الف يورو.

ويحتل بايرن ميونيخ بطل ألمانيا وأوروبا المركز الثالث أمام مانشستر يونايتد الإنكليزي الرابع بسب غياب الأخير عن المنافسات الكروية لدوري أبطال أوروبا الموسم الفائت.

ويحتل مانشستر يونايتد المركز الأول بين أندية الدوري الممتاز على لائحة العشرين الأوائل التي تضم أيضًا كل من ليفربول ومانشستر سيتي وتشيلسي وتوتنهام هوتسبير وأرسنال وإيفرتون.

من وراء تمويل دوري السوبر الأوروبي؟!

إجمالا بلغ شبح الخسائر ٢.٤ مليار دولار، وهو الأمر الذي سوف يدفع الأندية إلى تنظيم مباريات بطولة كرة القدم تلك، والتي تصل أرباحها إلى ٤٧٥ مليون دولار لبطل دوري السوبر الأوروبي مقابل ١٤١ مليون دولار يجنيها بطل دوري أبطال أوروبا (الشامبيونز ليج Champions League).. وإذا علم مشجعي الكرة لهذه الفرق أن بنوك عالمية كُبرى هي من سيُموِّل منافسات تلك البطولة أو مسابقة دوري السوبر الأوروبي، سيتأكدون أن أندية كرة القدم على وشك الدخول فعليا إلى تلك البطولة (دوري السوبر الأوروبي)، ومن ثَمَّ التضحية وقبول العقوبات التي سيفرضها عليها الاتحاد الأوروبي لكرة القدم..

أيضا يجب أن نعلم أن رئيس الوزراء البريطاني "بوريس جونسون" انتقد بشدة إقامة هذه البطولة؛ رغم موافقة الأندية الكبرى في رابطة الدوري الإنجليزي على المشاركة فيها.

يتصدر هذا المشهد بنك (ج. ب. مورجان) كممول رئيسي لتلك البطولة أو المسابقة، وما أدراك ما (ج. ب. مورجان)، وما تملكه هذه المؤسسة من مال وسطوة عالمية تكاد تلامس قوة بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إن لم تكن بنفس القوة.. ستنخفض الأسهم الخاصة ببطولات الفيفا العالمية الكبرى بسبب مصرف (ج. ب. مورجان) الأمريكي.

كانت تلك هي الرؤية التي تحاول ببساطة الإجابة على السؤال السابق: هل ستدخل الأندية الأوروبية الكبرى أو فرق أوروبا تلك البطولة أم لا؟!

كيسنجر - حضور مستمر ومشوار طويل

في الختام؛ لابد من التذكير بمقولة مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق "هنري كيسنجر":

"العالم بعد كورونا ليس هو العالم قبل كورونا".

صدقت توقعات "كيسنجر" حتي الآن، وأظنها ستصدق أيضا فيما يأتي.. ولن ننتظر كثيرا حتى نرى باقي توقعات الديبلوماسي الأمريكي الشهير تحدث في عالم ما بعد كورونا.. فقط أيام أو أشهر قليلة، ويتحقَّق المقرر من تلك التوقعات بنسبة كبيرة.. هذا ليس لأن "كيسنجر" من رابطة العرَّافين أو ضاربي الودع أو من المُطَّلعين على الغيب؛ لكن لأنه أحد أذرع النظام العالمي القديم القائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى الآن، وأيضا أحد مهندسي مشروع النظام العالمي الجديد.

اقرأ أيضا: عمرو فهمي | القفز على الإرث الحر