كلنا راح نفرط، أصحاب ولا أعز!

SHARE:

الفيلم نخبوي بامتياز، فالمنازل والديكور والملابس "والريد واين" والسيارات والأثاث تشير لانتماء أبطال الفيلم لطبقة لا يمكن أن تكون متوسطة فضلا عن كونها

كلنا راح نفرط، أصحاب ولا أعز!

 بقلم/ عماد العالم

كلنا راح نفرط، أصحاب ولا أعز!
أصحاب ولا أعز

عادة ما تحملني الدعايات الموجهة ضد أي فيلم عربي إلى الابتعاد طويلا عن مشاهدته والتحدث بشأنه، ليس لسلبية لا أدعي تمتعي بها في ظل انحطاط ثقافي يعتري المشهد العربي على كافة المستويات؛ وإنما لأنني أدركت مبكراً أن الحراك الشعبي العربي تجاه أي عمل فني عادة ما يكون موجهاً. بمعنى، تلجأ الجهة المنتجة للفيلم لاختلاق عاصفة نقد موجهة لاستثارة فضول المشاهد العربي عبر المس بما يعده مسلمات ذات قيمة تتقاطع مع هويته العرفية والدينية. مجرد الإشارة ولو من بعيد لها أو المساس، أو التصادم مع قيمها المترسخة في اللاوعي العربي الشعبي رغم الظاهر المتضارب; ربما كفيل بأن يستثير ذلك الكبت بداخله تجاه أمور أخرى في الواقع بعيدة كل البعد عن قيمه المقدسة.

الاستثناء لما فرضته أعلاه على نفسي، رغم أنني قد نسيت إخباركم بأنني ومنذ العشر سنوات الماضية قد اعتزلت الفن العربي ومشاهدته مع بضع مشاهدات محدودة انتقائية لكسر الجمود ولزيادة اليقين تجاه العزلة؛ كان لمشاهدة الفيلم المصري، اللبناني فعليا "أصحاب ولا أعز". ليس لأنه إضافة نوعية لمشاهداتي المتواضعة، ولكنه ذلك الفضول الذي حطم قناعات صاحبه.

المهم، شاهدت الفيلم ولم أستغرب ما استثاره من غضب، ففيه ألفاظ جنسية خارجة، وتوصيفات حميمة، وأحضان وقبلات بين رجال الأصدقاء ونسائهم "بعفوية"، ولقطات ذات إيحاءات في غير سياق، وتلفظ بالأعضاء التناسلية البشرية بلحظات المزح والجد، نرفض قراءتها روائياً، ومشاهدتها تلفزيونيا وسينمائيا، رغم أن الكثير في الواقع عربيا يتلفظ بها من الصباح إلى المساء، وفي لحظات الغضب والفرح، بل حتى أثناء النوم والاسترخاء. كما أنني وأدعي الآن "لم أصب بصدمة" من حالة التحرر في اجتماع الأصدقاء، والقبلات المتبادلة بين رجالهم ونسائهم، والأحضان المشتركة، والتلامس الجسدي الاخوي البريء، والتحدث بأريحية بأمور زوجية خاصة جدا بالعلن، ومشاركتهم هموم البرود الزوجي، وحالة المظهر الجسدي المتجرد على طبيعته وكما خلق، مع تبادل النخوب وقرع الكؤوس، فتلك جميعها حالة طبيعية في مجتمعاتنا العربية العلمانية الليبرالية المادية المتحررة الطبيعية، التي لم تنتمي يوما لدين أو قبيلة وعائلة وعرف وتقاليد، وتعيش في الحالة الطبيعية من القيم الأخلاقية للإنسان البدائي بغابات الأمازون!

الفيلم نخبوي بامتياز، فالمنازل والديكور والملابس "والريد واين" والسيارات والأثاث تشير لانتماء أبطال الفيلم لطبقة لا يمكن أن تكون متوسطة فضلا عن كونها فقيرة، بدول نسبة خط الفقر فيها بازدياد مضطرد، والعملة منهارة، وسعر صرفها مقابل الدولار في تزايد، والسولار والبنزين إن لم ينقطع من محطات توزيعه فتعرفة لتراته بارتفاع، والمنتجات الأساسية المفقودة من السوق إلى جانب الخبز والطحين تشهد تضخم، والدعم الحكومي يتناقص.


أما السياسة والمشاركة بها والقائمين عليها والحراك الرسمي إن تحدثنا عن لبنان، البلد الذي جرى تصوير الفيلم فيه وأغلب الأبطال منه، فيشهد حالة غير مسبوقة من الانهيار السياسي والاقتصادي والمجتمعي. لم يتطرق الفيلم لأيٍ من مشاكله، ولا لمعضلات الدول العربية الأخرى اللامتناهية بدلا من لعبة الهواتف النقالة، وطرح ما فيها من أسرار للعلن أمام الأصدقاء حال وصول أي رسالة أو اتصال وأمام الجميع، فخبرتي المتواضعة بالحياة توحي لي بأن أقل هموم المجتمع العربي "بأغلبه" لا يكترث بمشاعر الطبقة المخملية البعيدة كل البعد عن توفير قوت يومها، وبمنح بناتها الأقل من ثمانية عشر سنة أو خمسين سنة حق الاختيار بممارسة العلاقات الجنسية الغير شرعية خارج إطارها المعروف. فضلا عن عدم الاكتراث إن وجدوا بعد حملة تفتيش أبوية "واقيات حماية جنسية" لدى بناتهم.

أما بشأن طرح الفيلم لمشاكل الشذوذ الجنسي، والخيانة الزوجية، والحمل خارج إطار الزواج، وعلاقات المراهقين الجنسية، والمراهقة الزوجية المتأخرة، والبرود العاطفي، فذاك واقع لا يمكن إنكاره ووجوده. فجميع ما ذكر، مشاكل مجتمعية حقيقية لا ننكرها وإن لم تكن الغالبة والمعضلة الأكبر. فقد تحدث عنها الإعلام والكتاب والمثقفين والفلاسفة والأكاديميين، ورجال الدين وخطباء المساجد، والسياسيين والمعلمين وأرباب السوابق، وحتى ربما مرتادي المقاهي، وسواقي التكاسي، ومراهقي الحواري المجتمعين يوميا بعد العصر للعب كرة القدم في شوارع الحي. رغم ذلك، أجدها جميعا ورأيي مردودٌ عليه، لا ترقى لحقيقة أن العديد من دولنا العربية دون تحديد أي منها؛ تعيش بواقع مزري من الفقر، وغياب العدالة الاجتماعية، والجمود السياسي، والنقمة الشعبية، وضعف للمنظومة الصحية والتعليم، وبطالة متفشية، ورشاوي وفساد مستشري، وانعدام للأمن، وظلم مجتمعي غير مسبوق للمرأة، ليس ابتداءً من التحرش بها في وسائل النقل والعمل، وفي الشارع وبالعالم الافتراضي، دون الانتهاء بهضم حقوق الأنثى بالميراث، وجرائم "الشرف"، والعضل الأبوي، والزواج القسري، والحقوق الأدنى، والمعاملة التفضيلية للرجل بغير وجه حق، واللامساواة، والعنف الزوجي، والخطف والاغتصاب والتعذيب. إلى آخر القائمة الطويلة التي لم تسترعي انتباه لا السيناريست والمخرج، وبالطبع نيتفليكس الجهة المنتجة للعمل. وكذلك الممثلين، وجميع القائمين على هذا المنتج السينمائي، الذي للحق وللأمانة لم يصل لحالة الانحلال الاخلاقي الذي عرفته بعض من أفلام الستينات والسبعينات العربية المصور العديد منها بلبنان، وفيها حالة من التعري والجنسانية من غير الملائم التحدث عنها، فقد مضت لذلك الركن المنسي في حاوية التاريخ.

لعبة فضائح الهاتف المبتذلة سينمائيا من كثرة تكرار فكرتها عالمياً، هي محور الفيلم من بدايته لنهايته، وفيها تم تصوير رسالة الفيلم وأحداثه، ولكن بنهايته غادر جميع الأصدقاء السهرة وكأن شيئا لم يكن، فقد صورها المخرج كافتراض تخيلي ومكاشفة لما كان سيحدث فعليا لو قاموا بها، وحينها ستظهر حقيقة الأصدقاء والزوجات من حيث خيانتهم الزوجية، وحتى مع بعضهم أنفسهم، وشذوذ أحدهم، وعلاقاتهم وتصرفاتهم الغير أخلاقية، وغيرها التي منع حصولها إصرار الزوج المضيف للسهرة رفض لعبها منذ البداية، لإدراكه سهولة فضح التكنولوجيا وكشفها للمستور من الممارسات الغير أخلاقية!

العبرة والنصيحة المقدمة من فيلم "أصحاب ولا أعز" في نهاية الفيلم على يد أحد أبطاله أثناء مخاطبة زوجته، قبل أن ترسل هي نفسها رسالة خيانة من هاتفها لعشيقها الذي هو في الأساس صديق زوجها، وزوج صديقتها الحاضر في السهرة معهما وزوجته: "الهواتف النقالة فضيحة، فكل أسرارنا بداخله، "وكلنا راح نفرط، صحيح في ناس بتفرط أبل ناس، ولكن كلنا راح نفرط".
أتوقع أن مصممي برنامج بيغاسوس سيء الذكر، قد شعروا بالفخر بعد سماعهم النصيحة السابقة، ولم يغب عنهم أثناء صناعة برنامجهم أن العديد "هيفرط" بعد اختراق هواتفهم!


اقرأ أيضا:

COMMENTS

الاسم

اتجاهات وأفكار,8,أحداث من التاريخ,4,أخبارعلمية,1,أسرار تاريخية,12,أعمال مترجمة,3,اقتصاد,8,اقتصاد عالمي,7,الشرق الأوسط,12,أمام العدسة,11,تاريخ,24,تحليلات إخبارية,16,ترجمات علمية,2,ثقافة وأدب,38,حكايات أدبية,4,دراسات ثقافية وأدبية,6,دراماتيك,11,روايات وكتب,12,رياضة,9,سياسة,47,سينما,13,شؤون مصرية,3,شخصيات تاريخية,7,شعر ونثر,17,علوم وتكنولوجيا,11,فلك وفضاء,3,فنون وسينما,32,قضايا معاصرة,19,كرة قدم,9,كمبيوتر وإنترنت,3,مسارات مختلفة,3,مساهمات القراء,39,مقالات وتحليلات,51,ملفات سياسية,42,
rtl
item
صفحة أخيرة: كلنا راح نفرط، أصحاب ولا أعز!
كلنا راح نفرط، أصحاب ولا أعز!
الفيلم نخبوي بامتياز، فالمنازل والديكور والملابس "والريد واين" والسيارات والأثاث تشير لانتماء أبطال الفيلم لطبقة لا يمكن أن تكون متوسطة فضلا عن كونها
https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEjegrp2AQbwv8puSznVVoI8WMzHREw1WxphUcTlKB68C-eOSnUQvWN1k4-4TUJ5Ezqw0z2rSodF1JivF2FfhTITfpLLz3aCFXsYgLQyKcjyxe5iOQaT3U9sCuFfmxJT_un3sINsm05298yEwBh-YAHm6dg0Q6G4ee_1NhOumCqnOaITXk6T06ZI1itq/w640-h402/%D8%A3%D8%B5%D8%AD%D8%A7%D8%A8%20%D9%88%D9%84%D8%A7%20%D8%A3%D8%B9%D8%B2.jpg
https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEjegrp2AQbwv8puSznVVoI8WMzHREw1WxphUcTlKB68C-eOSnUQvWN1k4-4TUJ5Ezqw0z2rSodF1JivF2FfhTITfpLLz3aCFXsYgLQyKcjyxe5iOQaT3U9sCuFfmxJT_un3sINsm05298yEwBh-YAHm6dg0Q6G4ee_1NhOumCqnOaITXk6T06ZI1itq/s72-w640-c-h402/%D8%A3%D8%B5%D8%AD%D8%A7%D8%A8%20%D9%88%D9%84%D8%A7%20%D8%A3%D8%B9%D8%B2.jpg
صفحة أخيرة
https://www.saf7a-a5era.com/2022/06/ashab-wla-aaz.html
https://www.saf7a-a5era.com/
https://www.saf7a-a5era.com/
https://www.saf7a-a5era.com/2022/06/ashab-wla-aaz.html
true
4387532385212111926
UTF-8
Loaded All Posts Not found any posts VIEW ALL Readmore Reply Cancel reply Delete By Home PAGES POSTS View All RECOMMENDED FOR YOU LABEL ARCHIVE SEARCH ALL POSTS Not found any post match with your request Back Home Sunday Monday Tuesday Wednesday Thursday Friday Saturday Sun Mon Tue Wed Thu Fri Sat January February March April May June July August September October November December Jan Feb Mar Apr May Jun Jul Aug Sep Oct Nov Dec just now 1 minute ago $$1$$ minutes ago 1 hour ago $$1$$ hours ago Yesterday $$1$$ days ago $$1$$ weeks ago more than 5 weeks ago Followers Follow THIS PREMIUM CONTENT IS LOCKED STEP 1: Share to a social network STEP 2: Click the link on your social network Copy All Code Select All Code All codes were copied to your clipboard Can not copy the codes / texts, please press [CTRL]+[C] (or CMD+C with Mac) to copy Table of Content