هؤلاء المقيدون ووجوههم للداخل، لا يرون غير انعكاسات لظلال من الواقع خارج الكهف، مجرد ظلال
البحث خارج كهف أفلاطون | 1899
(أحمد النظامي)
تحذير: قد يوجد
حرق لأحداث مسلسل ١٨٩٩ في هذا المقال، فإذا لم تكن شاهدتَه بعد فاقرأ المقال بعد
مشاهدته
"استيقظ"
تبدأ كل حلقة من
الحلقات الثمانية لمسلسل الخيال العلمي "١٨٩٩" بهذه الجملة، بعد مرور العقل
برحلة-عرَضية- عبر الذاكرة على شكل كابوس!
تبدأ الأحداث في
١٩ من أكتوبر من عام ١٨٩٩ بجمل بصوت "مورا فرانكلين" الطبيبة الإنجليزية
وأحد ركاب السفينة "كيريبروس" تتحدث عن العقل.
"العقل أوسع
من السماء، فإن وضعا جنبا إلى جنب، أحدهما يحتوي الآخر، بسهولة وأنت في الجوار..
العقل أعمق من البحر، فإن حملتهما أزرق بجانب ازرق، أحدهما يمتص الآخر، مثل الإسفنج
في الدلاء"
تبدو الفقرة غامضة،
لكن المؤكد أن العقل هنا هو البطل في قصتنا، لا الزمن ولا قوانين الفيزياء كما كان
الحال في مسلسل Dark.
كيريبروس
يستقبل قبطان السفينة
كيريبروس رسالة بمكان السفينة المفقودة منذ أربعة أشهر "بروميثيوس" ليغير
وجهته إليها، وتبدأ الأحداث الغرائبية، ويطل الموت برأسه كل يوم، وتزداد الأسئلة ولا
إجابات.
لن أتحدث هنا عن
المسلسل من وجهة نظر سينمائية غير أن الصورة والأداء والتفاصيل غاية في الروعة، بل
سأتحدث عن الفكرة وراء كل هذا، إننا نبحر بالفعل لا عبر البحر بل عبر عقول هؤلاء الناس،
الذين يتشاركون إدراكا واحدا لوجودهم، حتى لو كان ذلك الإدراك وهما.
مورا
في حديث قصير في
مفتتح الحلقة السابعة لشخصية مورا فرانكلين وزوجها،
يقول زوجها مشيرا
إلى عقلها:
"إنها هنا،
محفوظة في ذاكرتك..
ألستِ من قال لي
إن واقع المرء يكون في عقله؟
كل شيء في عقلك،
أنا وأنتِ وهذا، داخل دماغكِ للأبد"
ثم يبدي الزوج اختلافه
مع نظريتها..
قال: "الواقع
ليس عصبونات تعمل في الدماغ، ليس الواقع داخل العقل، بل هو خارجه"
استدركت زوجته: "ما
كان لأي من هذا وجود لولا وجود العقل ليعيش التجربة!"
ينتهي الحوار..
الواقع - الوهم
إذا يستطيع العقل
أن يعيش واقعا مغايرا تماما للواقع خارجه، نحن نحلم كثيرا ولا ندرك أثناء انغماسنا
في الأحلام أننا نحلم رغم غرابة أحلامنا وخروجها عن المألوف والمنطق وحتى إدراك الزمن
خلالها، وفي اللحظة التي يدرك العقل أن ذلك كان حلما، تحدث "اليقظة" للواقع،
لكن ما أدراكم أن اليقظة الأولى هي الواقع حقا!
قد تبدو المسألة
عزيزي القارئ مربكة إلى حد ما، لكنها حقيقية، نحن بالفعل قد لا ندرك أننا خارج نطاق
الواقع، ونكون أسرى للاوعي والأنا العليا التي حدثنا عنها "فرويد" في تحليله
النفسي، فندرك من الذكريات والأحداث ما حاولنا مرارا أن نخفيه، ثم تأتي الأحلام لتضعك
في مواجهة كوابيسك وحدك، دون إدراك بأنك واقع تحت تأثير "وعي آخر" غير ما
اعتدته.
يتكرر الكلام في
المسلسل عن "كهف أفلاطون"
هؤلاء المقيدون ووجوههم
للداخل، لا يرون غير انعكاسات لظلال من الواقع خارج الكهف، مجرد ظلال، فإذا نجح أحدهم
في الخروج وبدأ يدرك-تدريجيا- أن تلك الظلال ليست على تلك الهيئة التي أدركها إخوانه
المقيدين، رأى واقعا غير الذي رآه داخل الكهف!!
تلك هي كل المسألة،
أين الواقع وأين الوهم؟!
أين الحقيقة وأين
الكذبة؟!
موجودة دائما في مكان ما، ستبحث عنها ما وسعك البحث، وتدرك في النهاية أن الحقيقة قد تكون بين يديك، لكنها عصيّة على الفهم، فتلك العينان التي أبصرت ضوء الشمس خارج الكهف، كيف لها أن تُقنع مَن بداخله بوجودها؟!
COMMENTS