ذَكَر "إيتيان دي لابويتيه" في رائعته (مقالة في العبودية المُختارة) قصة من تاريخ الإغريق تتحدث عن شخص أخذ كلبين من أُمٍ واحدة، وضع أحدهما في المطبخ
مقالة في العبودية المختارة | قراءة في رائعة إيتيان دي لابويتيه
مقالة في العبودية المختارة |
الكلبان
ذَكَر "إيتيان
دي لابويتيه" في رائعته (مقالة في العبودية المُختارة) قصة من تاريخ الإغريق
تتحدث عن شخص أخذ كلبين من أُمٍ واحدة، وضع أحدهما في المطبخ لينشأ داخله، وأطلق
الآخر في الحقول..
بعد فترة من
الزمن أحضر الكلبين، ووضع أمامهما أرنبا طليقا وطبقا مليئا بالحساء؛ فقام كلب
المطبخ بشرب الحساء، وانطلق كلب الحقول مطاردا الأرنب.
القصة رغم
بساطتها إلا أنها أشارت إلى أن البيئة مهما كان اتساعها، فهي في النهاية قفص كبير
يكتسب منه الفرد وعيه، ثم يرث هذا الوعي أجيال وأجيال لاحقة..
الإنسان والقفص
هكذا الإنسان.. يقضي
عمره لا يعرف بديلا للعبودية، فيعيش في الأَسْرِ بلا دراية ولا أي
مُنَغِّصات من
حوله، وكأنه في الجنة..
ينظر يمينا ويسارا،
فيتعامى عن حدود القفص، ولا يدرك أنه مُحاط بالحراس الذين يُقَوِّضون إرادته، بل
يرى الأغلال زينة وترف.
تتعاقب السنون،
ويختفي معنى الحرية التي تصبح كلمة أو شعارا لا معنى له إلا في كوابيس تراودنا
تتحدث عن أولئك المتمردين الذين تدلَّت رؤوسهم على أعواد المشانق، أو أصبحت
أجسادهم كالمصافي أو الأشلاء..
متمردون خسروا
الحياة، وحرروا أنفسهم، لكننا نسميهم بالمُلقِين أنفسَهم في المهالك.
الطريق إلى الحرية
لكن يأبى القدر
على العبيد أن يرتعوا في حقول المستبدين بهدوء، فيأتي من يُقلق منامهم، ويُنقِّب
عن المعنى القديم المفقود، ويدعوا مَن حوله إلى السير في طريقه.. فلا يتبعه إلا
القليلون.. والباقون هم أولئك الذين يُكملون - أو هكذا يعتقدون - ذواتهم المريضة
باتِّباع المستبد.. فهم دوائر السُلطة والمصلحة والنفوذ من حوله.. هؤلاء هم
القواعد التي يرتكز عليها المستبدون..
أو أولئك
الجبناء الذين يعيشون في جحور أنفسهم كالجرذان المنبوذة.. وهؤلاء هم وقود
الاستبداد..
لذلك لن يَعبُر
الساعون إلى الحرية إلى غايتهم إلا بإدراك الفئة الثانية بأن طلب الحرية فرض، وأنهم
وقود يستطيع إحراق القواعد التي تمثلها الفئة الأولى..
وهذا هو التحدي
المطلوب مواجهته..
صناعة الوعي..
هنا سيجد
المستبد نفسه وحيدا معزولا..
ووقتها يأتي
الحساب.
اقرأ أيضا
رحلة البحث عن الخبز الحافي | محمد شكري والسيرة الذاتية للفقر والمعاناة
COMMENTS