انتهي التمَرُّد العسكري لقوات الفاجنر بقيادة "بيروجوزين"، لكن لم تنتهِ بعد التحليلات حول ما حدث، وما الأسباب التي أدت إلى حدوثه.

التمرد العسكري لقوات فاجنر الروسية: القبول بالإهانة أم الحرب الأهلية؟!

 

بوتين وبروجوزين

أسئلة بلا إجابات

انتهي التمَرُّد العسكري لقوات الفاجنر بقيادة "بيروجوزين"، لكن لم تنتهِ بعد التحليلات حول ما حدث، وما الأسباب التي أدت إلى حدوثه.

بمرور الوقت تتضح الأمور أكثر فأكثر، ولعل في قادم الأيام نرى إجابات كاملة لهذه الأسئلة: ماذا حدث؟!

ومَن خلفه؟!

وما هي أسباب حدوثه؟!

وكيف توقف؟!

وما هي الأسباب التي أدت إلى توقفه؟!

 

تياران متصارعان

مبدئيا هناك تحليل قد يكون مقبول نوعا ما في ظل الشح المعلوماتي، هذا التحليل يستند على الفكرة القائلة بأن هناك تياران داخل روسيا في حالة صراع من أجل القومية الروسية؛ التيار القيصري الذي يمثله الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" ونخبة الحكم الحالية - بما فيهم وزير الدفاع ورئيس الأركان محوري المشكلة كما أعلن يفجيني بروجوزين - والتيار الآخر هو الستاليني، والذي ينتمي له بروجوزين.. وقد ظهرت له اليوم نخبة سياسية اتحدت فيما بينها وأقرت قيام حزب سياسي تحت مُسمَّى Angry Patriots Club، أو حزب المناضلون الغاضبون بقيادة "جيركين" و"بافيل جوباريف" و"ميخائيل أكسل" و"فلاديمير كفاتشكوف" و"فلاديمير جروبنيك"، ومجموعة تضم ٤٠٠ من النخب السياسية الروسية من أكثر من ٣٠ مقاطعة روسية.

الحزب الروسي الجديد

إعلان الحزب وما جاء في بيانه الأول يدل على أن التيار الستاليني القومي قد ظهر للعلن إعلاميا، بعدما كان غير معلن وجوده إلا للمراكز البحثية الدولية.. هذا وإن دل، فهو يدل على أن تمرد "بروجوزين" قد تسبب في إظهار تلك النخب للعلن، ومن ثَمَّ طرح أفكارها بشكل إعلامي واسع؛ الأمر الذي سيتبعه تسليط الضوء عليهم داخليا من داخل روسيا ذاتها، وخارجيا.

ظهور الحركة للعلن مع تمرد "بروجوزين" يدل على أن قدرة بوتين ورفاقه على السيطرة على الأوضاع بشكل مطلق قد تأثرت بشدة، وذلك بسبب الحرب الأوكرانية التي يرى فيها كثير من الروس فشل كبير للقيادة الحاكمة، وأن آثار تلك الحرب فعليا ظهرت بقوة على السطح وداخل المجتمع السياسي الروسي والمجتمع المدني وحتى العسكري؛ أي أنه لولا تداعيات تلك الحرب الكارثية – بمعنى آخر لو كانت روسيا بوتين أحرزت فيها نصرا سريعا - ما كان أن يظهر هذا التيار على السطح بهذا الشكل - من تكوين حزب أو رابطة، وانتقاد السلطة الروسية بهذا الشكل اللاذع - بل وصل الأمر إلى محاولة تمرد عسكري، وفرض الرأي بالقوة.

فشل التمرد كما تابعنا واستطاع النظام امتصاصه بقاعدة أقل الضررين، لكنه سيظل نقطة فارقة أو نقطة تحول كبيرة في مسار الحرب الروسية الأوكرانية، وفي مسار الحُكم داخل روسيا الذي يشهد نفوذ التيار القيصري الذي يقود حاليا.

 

تمرد بروجوزين: انقلاب عسكري؟!

بعد العرض السابق، نعود إلى السيناريو أو التحليل الذي ربما يكون له وجاهة نوعا ما، وذلك بناء على ما تم سرده.. وهو أن بروجوزين لم يُرِد فعلا انقلابا عسكريا شاملا لتغيير الحكم ومن ثم إسقاط نظام "فلاديمير بوتين"، وإنما أراد إيصال رسالة لـ "بوتين" أنه لابد من التخلي عن أفكاره وأفكار النُخَب السياسية المحيطة به، وتغيير مسار الحرب الأوكرانية وتغيير قواعد اللعبة التي يدير بها تيار بوتين هذه الحرب، والتي أدت إلى خسائر كبيرة في صفوف القوات الروسية، وبسببها تأخر النصر على دولة صغيرة كانت يوما ما جزءا من أراضي الدولة السوفيتية القديمة.

ربما كانت تلك هي رسالة "بروجوزين" ومَن خلفه من التيار الستاليني، وأظن أن النية كانت مُبَيَّتة لذلك، حيث أنه في أحد المقابلات مهَّد "بروجوزين" لأمر مثل هذا، وأعتقد أن "بوتين" فعلا قد تفاجأ بما فعله طبَّاخه السابق وقائد الميليشيا الروسية العتيدة.. لذلك جاءت ردة فعل "بوتين" كنوع من أنواع الذهول المصاحب للصدمة، واتضح ذلك في أول خطاب له؛ أن ما حدث خيانة لروسيا، ثم ما إن هدأ حتى اتخذ القرار بترك الساحة لـ "بروجوزين" للتقدم إلى حيث يستطيع أن يصل، دون اشتباك معه، وذلك لمنع تحول الأمر إلى حرب أهلية تؤدي إلى شلالات من الدم الروسي.

وقد اتضح ذلك في بادئ الأمر حين تم التعامل بالقصف مع قوات الفاجنر ورتلها العسكري، وأسقطت الميليشيا أيضا بعض من الطائرات التي هاجمتها، ثم هدأ الوضع تماما، قبل أن يتم فتح الطريق أمام القوات المتمردة للوصول إلى موسكو دون أدنى مقاومة تُذكر.

هذا ما سميته (أقل الضررين)..

امتصاص التمرد

نعم ما حدث فيه إهانة كبيرة للكبرياء الروسي ولـ "بوتين" تحديدا، لكنه كان الحل الأفضل، فقد وُضِع "بوتين" فيها بين شقَّي الرحى؛ إما أن يتورط في حرب أهلية موسعة، أو يقبل بإهانة "بروجوزين" ويمتص الصدمة لحين التفاوض، ثم التفكير في حل..

أعتقد أن "بروجوزين" لم يكن فعلا ينوي الزحف بجيشه الصغير حتى العاصمة موسكو أو نزع فتيل حرب أهلية، لكنه أراد إيصال رسالة رفضه ما يحدث في ملف إدارة الحرب الروسية الأوكرانية، ولكن بأسلوب عنيف شيئا ما.

أعتقد أيضا أن "بوتين" قد خشي من احتمالية حدوث حرب أهلية، لذا نفَّذ طلبات "بروجوزين" بمنتهى السرعة، لكن "بوتين" أثبت ذكاء وقدرة على امتصاص الصدمة، والتعامل معها بخيار قبول الإهانة مؤقتا بدلا من استخدام القوة، والتي قد تكون تكلفتها نهاية روسيا تماما..

انتهى تمرد الفاجنر مؤقتا، لكن لم تنتهِ توابعه.

اقرأ أيضا

الحرب في أوكرانيا: من التصعيد النووي إلى الحرب الكلية