إذا كانت أمريكا تسيطر على العالم، فمن الذي يسيطر على أمريكا؟!
أمريكا: الدُمية الأكبر في مَسرحِ العَرَائِس
الولايات المتحدة |
ربما لم تعد
فكرة مسرح العرائس جذابة بالقدر الكافي مؤخراً، خاصة في العالم الحالي الحديث الذي
يمتلك أطناناً من وسائل الترفيه يتم تحديثها على مدار الساعة، لكن من المؤكد أن
طريقة عمل الدُمَى على المسرح -على بساطتها- مازالت قادرة على توضيح الكثير من
الأمور في عالم شديد التعقيد مثل عالمنا الذي نعيش فيه حالياً.
لا يُنكر عاقل
على وجة الأرض أن الولايات المتحدة الأمريكية تسيطر على العالم بشكل منفرد تقريبا
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وإن تخلل هذا الوقت بعض المناوشات من قوى أخرى
لكن أحداً منها لم يستطع الصمود حتى الآن في وجة المارد الأمريكي.
لكن هناك سؤال
يتبادر إلى الذهن تلقائياً، وقد اشتغل به الكثير من المفكرين بالفعل على مدى سنوات
طويلة، ألا وهو:
إذا كانت أمريكا تسيطر على العالم، فمن الذي يسيطر على أمريكا؟!
هل هو الشعب الأمريكي في السياق الديمقراطي؟! أم مؤسسة الرئاسة؟! أم الكونجرس؟! أم
جماعات الضغط؟! أم الكيانات الإقتصادية؟!
الحقيقة أن لا
أحد يملك إجابات قاطعة لهذه الإسئلة..
لا أحد يعرف
بشكل قاطع مَن تحديداً الذي يمسك بالخيوط التي تحرك الدمية الأكبر في مسرح العرائس
العالمي وإن كان هناك شواهد و دلالات كثيرة إلا أن لا شئ مؤكد يقيناً.
لذلك نترك
ضبابية المتحكم جانبا، ونتجه للخيوط.. الهيكل الأساسي للنظام الأمريكي تم بناؤه
بدقة شديدة ليكون قائم على عامل أساسي مُحرك لكل تروس المنظومة، وهذا العامل هو
"رأس المال"، إذا تتبعت خيوط أغلب العمليات التي تتحكم في القرار
الأمريكي ستجد أنها خاضعة للأموال، سواء في انتخابات الرئاسة الأمريكية، أو انتخابات
الكونجرس والتي تكلفت حملاتهم الانتخابية في العام 2020 حوالي 15 مليار دولار، ومتوقع
أن تتجاوز في العام 2024 هذا الرقم لتصل ل 20 مليار دولار..
ورغم وجود ضوابط
وقوانين تضعها لجنة الانتخابات الفيدرالية، إلا أن الدستور الأميركي لا يوجد به
حقيقةً ما يضع حداً للإنفاق السياسي لدعم حزب أو مُرشح، وبالطبع ينفتح الباب على
مصراعيه أمام أصحاب رأس المال من الشركات أو الأفراد للإنفاق لمحاولة توجية دفة الانتخابات
في المسار الذي يناسبهم..
ولتكتمل الصورة
علينا أن نعلم أيضا أن هؤلاء الذين يملكون رؤوس الأموال الضخمة هم أيضا يمتلكون
أغلب المؤسسات الإعلامية التي تُغذي عقل الناخب الأمريكي بالمعلومات التي يحتاجها
لاختيار مرشحه المُفضل.
والانتخابات هي
خطوة واحدة فقط من عملية صناعة القرارات وتأتي بعدها جماعات الضغط أو اللوبي والتي
تترابط مع العاملين داخل كل مفاصل الدولة وأعضاء المجالس النيابية بشبكات مصالح
واسعة وعميقة جدا تُمكنها من التأثير على أي تصويت في هذه المجالس لمصلحتها، وهي
بحكم الدستور الأمريكي كذلك شرعية وقانونية ونشاطها دستوري طبقاً ل "وثيقة
الحقوق" في عام 1791.
أما الجزء
المُكمل لهذه السيطرة المالية على أمريكا ستدركه عندما تعلم أن القطاع الخاص في
أمريكا يُمثل 88% من حجم الاقتصاد الكلي، والحقيقة أن النسبة هنا ليست هي العامل
الأهم ولكن الأهم هو توغل القطاع الخاص في كل أركان النظام الأساسية، فالبنك
الفيدرالي على سبيل المثال، والذي يقوم بطباعة الدولار هو بنك خاص يتكون من 12 بنك
فيدرالي خاص كذلك، وتعتمد الحكومة الأمريكية غالبا على تعاقدات مع القطاع الخاص في
الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والصحة والغاز ويمتد الأمر كذلك إلى
تعاقدات تقوم بها وزارة الدفاع في مجالات التسليح والمعلومات ومراكز البحث.
مما سبق يمكن
بسهولة استنتاج أن رأس المال هو الدم الذي يسري في الشرايين الأمريكية، وهو أهم
خيط من الخيوط في يد من يتحكم بالدمية الأكبر في مسرح العرائس العالمي، والذي
يستطيع باستخدامه توجيه السياسات الأمريكية والقرار الأمريكي داخل وخارج الدولة إلى
ما يخدم مصالحه.
وبالتالي إذا أردت أن تعرف من الذي
يتحكم في أمريكا عليك أن تتبع المال كما يقولون، فالذين اختاروا أن يضعوا هذا
النظام بهذا الشكل يعرفون أنهم وحدهم القادرون على التحكم فيه لأنهم أكبر مُلاك
للمال في هذا العالم والمسيطرون عليه.
اقرأ أيضا
الدولار الأمريكي: تاريخ موجز من الولادة إلى الهيمنة العالمية
COMMENTS