أمريكا: الدُمية الأكبر في مَسرحِ العَرَائِس

SHARE:

إذا كانت أمريكا تسيطر على العالم، فمن الذي يسيطر على أمريكا؟!

أمريكا: الدُمية الأكبر في مَسرحِ العَرَائِس

 (محمد أحمد)

أمريكا: الدُمية الأكبر في مَسرحِ العَرَائِس
الولايات المتحدة

ربما لم تعد فكرة مسرح العرائس جذابة بالقدر الكافي مؤخراً، خاصة في العالم الحالي الحديث الذي يمتلك أطناناً من وسائل الترفيه يتم تحديثها على مدار الساعة، لكن من المؤكد أن طريقة عمل الدُمَى على المسرح -على بساطتها- مازالت قادرة على توضيح الكثير من الأمور في عالم شديد التعقيد مثل عالمنا الذي نعيش فيه حالياً.

صورة موقع ColoniaEG

لا يُنكر عاقل على وجة الأرض أن الولايات المتحدة الأمريكية تسيطر على العالم بشكل منفرد تقريبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وإن تخلل هذا الوقت بعض المناوشات من قوى أخرى لكن أحداً منها لم يستطع الصمود حتى الآن في وجة المارد الأمريكي.

لكن هناك سؤال يتبادر إلى الذهن تلقائياً، وقد اشتغل به الكثير من المفكرين بالفعل على مدى سنوات طويلة، ألا وهو:
إذا كانت أمريكا تسيطر على العالم، فمن الذي يسيطر على أمريكا؟!
هل هو الشعب الأمريكي في السياق الديمقراطي؟! أم مؤسسة الرئاسة؟! أم الكونجرس؟! أم جماعات الضغط؟! أم الكيانات الإقتصادية؟!

الحقيقة أن لا أحد يملك إجابات قاطعة لهذه الإسئلة..

لا أحد يعرف بشكل قاطع مَن تحديداً الذي يمسك بالخيوط التي تحرك الدمية الأكبر في مسرح العرائس العالمي وإن كان هناك شواهد و دلالات كثيرة إلا أن لا شئ مؤكد يقيناً.

لذلك نترك ضبابية المتحكم جانبا، ونتجه للخيوط.. الهيكل الأساسي للنظام الأمريكي تم بناؤه بدقة شديدة ليكون قائم على عامل أساسي مُحرك لكل تروس المنظومة، وهذا العامل هو "رأس المال"، إذا تتبعت خيوط أغلب العمليات التي تتحكم في القرار الأمريكي ستجد أنها خاضعة للأموال، سواء في انتخابات الرئاسة الأمريكية، أو انتخابات الكونجرس والتي تكلفت حملاتهم الانتخابية في العام 2020 حوالي 15 مليار دولار، ومتوقع أن تتجاوز في العام 2024 هذا الرقم لتصل ل 20 مليار دولار..

ورغم وجود ضوابط وقوانين تضعها لجنة الانتخابات الفيدرالية، إلا أن الدستور الأميركي لا يوجد به حقيقةً ما يضع حداً للإنفاق السياسي لدعم حزب أو مُرشح، وبالطبع ينفتح الباب على مصراعيه أمام أصحاب رأس المال من الشركات أو الأفراد للإنفاق لمحاولة توجية دفة الانتخابات في المسار الذي يناسبهم..

صورة موقع ColoniaEG

ولتكتمل الصورة علينا أن نعلم أيضا أن هؤلاء الذين يملكون رؤوس الأموال الضخمة هم أيضا يمتلكون أغلب المؤسسات الإعلامية التي تُغذي عقل الناخب الأمريكي بالمعلومات التي يحتاجها لاختيار مرشحه المُفضل.

والانتخابات هي خطوة واحدة فقط من عملية صناعة القرارات وتأتي بعدها جماعات الضغط أو اللوبي والتي تترابط مع العاملين داخل كل مفاصل الدولة وأعضاء المجالس النيابية بشبكات مصالح واسعة وعميقة جدا تُمكنها من التأثير على أي تصويت في هذه المجالس لمصلحتها، وهي بحكم الدستور الأمريكي كذلك شرعية وقانونية ونشاطها دستوري طبقاً ل "وثيقة الحقوق" في عام 1791.

أما الجزء المُكمل لهذه السيطرة المالية على أمريكا ستدركه عندما تعلم أن القطاع الخاص في أمريكا يُمثل 88% من حجم الاقتصاد الكلي، والحقيقة أن النسبة هنا ليست هي العامل الأهم ولكن الأهم هو توغل القطاع الخاص في كل أركان النظام الأساسية، فالبنك الفيدرالي على سبيل المثال، والذي يقوم بطباعة الدولار هو بنك خاص يتكون من 12 بنك فيدرالي خاص كذلك، وتعتمد الحكومة الأمريكية غالبا على تعاقدات مع القطاع الخاص في الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والصحة والغاز ويمتد الأمر كذلك إلى تعاقدات تقوم بها وزارة الدفاع في مجالات التسليح والمعلومات ومراكز البحث.

صورة موقع ColoniaEG

مما سبق يمكن بسهولة استنتاج أن رأس المال هو الدم الذي يسري في الشرايين الأمريكية، وهو أهم خيط من الخيوط في يد من يتحكم بالدمية الأكبر في مسرح العرائس العالمي، والذي يستطيع باستخدامه توجيه السياسات الأمريكية والقرار الأمريكي داخل وخارج الدولة إلى ما يخدم مصالحه.
وبالتالي إذا أردت أن تعرف من الذي يتحكم في أمريكا عليك أن تتبع المال كما يقولون، فالذين اختاروا أن يضعوا هذا النظام بهذا الشكل يعرفون أنهم وحدهم القادرون على التحكم فيه لأنهم أكبر مُلاك للمال في هذا العالم والمسيطرون عليه.

اقرأ أيضا

الدولار الأمريكي: تاريخ موجز من الولادة إلى الهيمنة العالمية

COMMENTS

الاسم

اتجاهات وأفكار,8,أحداث من التاريخ,4,أخبارعلمية,1,أسرار تاريخية,12,أعمال مترجمة,4,اقتصاد,9,اقتصاد عالمي,7,الشرق الأوسط,12,أمام العدسة,12,تاريخ,24,تحليلات إخبارية,19,ترجمات علمية,2,ثقافة وأدب,44,حكايات أدبية,4,دراسات ثقافية وأدبية,6,دراماتيك,11,روايات وكتب,18,رياضة,9,سياسة,50,سينما,14,شؤون مصرية,3,شخصيات تاريخية,7,شعر ونثر,17,علوم وتكنولوجيا,11,فلك وفضاء,3,فنون وسينما,34,قضايا معاصرة,20,كرة قدم,9,كمبيوتر وإنترنت,3,مسارات مختلفة,3,مساهمات القراء,41,مقالات وتحليلات,56,ملفات سياسية,44,
rtl
item
صفحة أخيرة: أمريكا: الدُمية الأكبر في مَسرحِ العَرَائِس
أمريكا: الدُمية الأكبر في مَسرحِ العَرَائِس
إذا كانت أمريكا تسيطر على العالم، فمن الذي يسيطر على أمريكا؟!
https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEgVC1ymOsWEtzHBuQYfc81l6Ehj5fuPUyy0N2IdqJK7xeETDxrtQL8enTecuEYU2UXWRu1f2_RqG8IrWxoot6Yw5qp3GhmX9b58mZjj4MZ1l9rRzPFgvbzd2VoHfEAistUr1PHftYVSjZ46EUccp2kuiPH0qpkiwkU5FaoGD1SBGnzRQNxNK7mjE5InVQc/w640-h304/%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%84%D8%A7%D9%8A%D8%A7%D8%AA%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%A9.jpg
https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEgVC1ymOsWEtzHBuQYfc81l6Ehj5fuPUyy0N2IdqJK7xeETDxrtQL8enTecuEYU2UXWRu1f2_RqG8IrWxoot6Yw5qp3GhmX9b58mZjj4MZ1l9rRzPFgvbzd2VoHfEAistUr1PHftYVSjZ46EUccp2kuiPH0qpkiwkU5FaoGD1SBGnzRQNxNK7mjE5InVQc/s72-w640-c-h304/%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%84%D8%A7%D9%8A%D8%A7%D8%AA%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%A9.jpg
صفحة أخيرة
https://www.saf7a-a5era.com/2024/05/america.html
https://www.saf7a-a5era.com/
https://www.saf7a-a5era.com/
https://www.saf7a-a5era.com/2024/05/america.html
true
4387532385212111926
UTF-8
Loaded All Posts Not found any posts VIEW ALL Readmore Reply Cancel reply Delete By Home PAGES POSTS View All RECOMMENDED FOR YOU LABEL ARCHIVE SEARCH ALL POSTS Not found any post match with your request Back Home Sunday Monday Tuesday Wednesday Thursday Friday Saturday Sun Mon Tue Wed Thu Fri Sat January February March April May June July August September October November December Jan Feb Mar Apr May Jun Jul Aug Sep Oct Nov Dec just now 1 minute ago $$1$$ minutes ago 1 hour ago $$1$$ hours ago Yesterday $$1$$ days ago $$1$$ weeks ago more than 5 weeks ago Followers Follow THIS PREMIUM CONTENT IS LOCKED STEP 1: Share to a social network STEP 2: Click the link on your social network Copy All Code Select All Code All codes were copied to your clipboard Can not copy the codes / texts, please press [CTRL]+[C] (or CMD+C with Mac) to copy Table of Content