بدأ القناع الحضاري المزيف يسقط تدريجيا ليكشف عن الوجه الحقيقي القبيح الدموي لهذه الحضارة المزعومة والذي استطاعوا إخفاءه لعقود طويلة

حرب غزة وأثر الفراشة: هل تبدأ الحضارة الغربية في تدمير نفسها من الداخل؟!

بقلم: محمد أحمد

احتجاجات الطلاب في الولايات المتحدة

قيم مزيفة

على مدار عقود طويلة تم تصدير القيم الغربية مثل الإنسانية والديمقراطية والعلمانية والحريات إلى داخل العقل الجمعي للمجتمع، وتنشئة الأجيال بالكامل عليها، واستخدامها كدافع ومبرر أخلاقي تتم به السيطرة على الشعوب الغربية.

ورغم أن هذه القيم ليست إلا مجرد سلع تم تسويقها باحترافية شديدة وعناية بالغة إلا أنها كانت تؤدي الغرض المطلوب منها حتى وقتنا هذا، ورغم ظهور أعراض الخلل لهذه القيم مرات عديدة إلا أن الآلة الإعلامية الهائلة كانت تستطيع تغطية مَواطن الضعف في كل مرة من المرات السابقة.

وبالتالي احتفظت هذه القيم بنفس رونقها الفعال أمام المواطن الغربي كأساس ظاهري للحضارة الغربية وكمبرر أخلاقي جماهيري يعمل بكفاءة..

ولكن، يبدو أن هذه المرة الأمر مختلف مع أحداث غزة، فالآلة الإعلامية لا تستطيع التغطية على ما يحدث واتسع الخرق كثيرا وبالطبع أول من تأثر بهذا الخلل هم الشباب في الجامعات ببساطة، وذلك لأنهم تم تنشئتهم على هذه القيم في جميع مراحل عمرهم، وتم إخبارهم أن هذه القيم هي سر عظمة دولهم وأنها هي الأساس وهي الدستور للحضارة القائمة في بلادهم، ولأن طبيعة الشباب الاندفاع خصوصا أنهم لم يتم ترويضهم داخل مفرمة الاستهلاك كما حدث لمن هم أكبر سناً داخل الحياة العملية الطاحنة، ولأن الأنظمة السياسية أخبرت هؤلاء الشباب أنهم أحرار، وأنهم يملكون حقوقا خالصة ولا أحد يستطيع قمعهم أو تكميم أفواههم، انطلق الشباب مُعبراً عن رأيه باستخدام حريته المزعومة، كما سبق واستخدمها غيرهم لدعم الحرية الجنسية على سبيل المثال.

المفاجأة

ولكن هنا حدثت المفاجأة، عندما بدأ القناع الحضاري المزيف يسقط تدريجيا ليكشف عن الوجه الحقيقي القبيح الدموي لهذه الحضارة المزعومة والذي استطاعوا إخفاءه لعقود طويلة عن هؤلاء الشباب، مما أحدث حالة من الصدمة لهم استدعت معها عنادا شديدا من هؤلاء الشباب الذين من المفترض أنهم عصب الجيل القادم في هذه الدول، ومنهم ستتشكل النُخب الحاكمة في معظم هذه البلدان.

اتضح أيضا أن الآلة الإعلامية كذلك تقف عاجزة عن التعتيم على ما يحدث، لأن طبيعة وسائل الإتصال الحديثة والتي صنعوها بأيديهم كذلك لأغراض أخرى ليست هي كما كانت من قبل في زمان أحداث فيتنام مثلا.. إنهم ليسوا قادرين على إخفاء أخبار غزة نهائيا عن هؤلاء الشباب، وكذلك ليسوا قادرين على إخفاء أخبار هؤلاء الشباب عن باقي أقرانهم وعن العالم.

على ما يبدو أن الأمور قد تخرج عن السيطرة، وإن لم يحدث فهي على الأقل ستكون أول حجر يسقط في جدار الحضارة الغربية، والذي استمر صامداً لقرون.

الانهيار القادم

تكمُن أهمية هذا الحجر في أنه أساسي، ويمس قلب هذه المجتمعات من داخلها، فجميع أو أغلب من في العالم من خارج هذه الدول يعلم حقيقتها، وربما أيضا نسبة ضئيلة جدا ممن هم داخلها ولكن هذه النسبة لم تكن فعالة أو مؤثرة في السابق، وكانت مقيدة إعلاميا.

لكن الأمر الآن مختلف.. لا أحد يستطيع أن يجزم بما يمكن أن يحدث في الفترة القادمة لأن وجود كيان إسرائيل في هذه الحضارة الغربية ليس مجرد وجود عابر، وليس لأهداف سياسية واقتصادية وعسكرية، وإنما وجود عقائدي أساسي له جذور تُشكل أساس البناء العقدي لمن يحكم النظام الغربي، وبالتالي التخلي عنها ليس أمر وارد نهائيا، وهو ما يُشَكِّل أزمة حاليا للأنظمة الحاكمة ومن يديرونها ومَن خلفهم، بين مطرقة اشتعال شرارة داخل المجتمعات الغربية، وبين سندان العقيدة الإسرائيلية والحفاظ على مكتسباتها الحالية، والتي تمت مراكمتها منذ سقوط الخلافة العثمانية حتى وقتنا الحاضر.

السابع من أكتوبر - البداية

لا أمتلك تنبؤات واضحة وأخيرة لما قد يحدث، لكن ما يتأكد أكثر يوما بعد يوم أن العالم فعلا في اتجاهه لتغييرات عظيمة بعد هجوم المقاومة في السابع من أكتوبر، والأمر ليس مجرد صراعات عسكرية، لأن الصراعات العسكرية ليست إلا نتائج لصراعات العقائد والأفكار التي تأتي أولا، والتي بدأت تشتعل بالفعل في الغرب وفي الشرق أيضا، وإن لم تظهر على السطح حتى الآن.

فعلى سبيل المثال استدعى العقل الجمعي الإسلامي عقيدته المعادية لليهود ولبني إسرائيل، وذلك بعدما كانت قد اندثرت وتراجعت بشكل كبير في العقدين الأخيرين، وأصبح حاليا يعلم من هو عدوه الأول في الأرض الذي حدده له الله سبحانه وتعالى.. حتى وإن استطاع قادة شعوب العالم الإسلامي تقييد هذه الشعوب حاليا، فهذا أمر مؤقت لن يستمر إلى الأبد، فالبذرة تمت زراعتها بالفعل داخل العقول، والغضب بدأت شرارته ولو تحت الرماد، والله سبحانه وتعالى جعل من سُننه في الأرض أن لا شئ يبقى على حاله، وأن الحركة والتغيير والتدافع مستمرين إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها.

اقرأ أيضا

تأثير الاستراتيجيات الغربية على استقرار الشرق الأوسط: فحص دور المقاومة الفلسطينية