النسوية والأمراض النفسية | تأصيل

SHARE:

تنتقد النسوية الراديكالية المؤسسات بوجه عام، مثل الدين والحكومة واللغة، وترى أنَّ هذه المؤسسات قامت على مرّ السنين بدور المركز للسلطة البطريركية.

 النسوية والأمراض النفسية | تأصيل

(بقلم / مولانا العارف)

النسوية والأمراض النفسية | تأصيل
سيمون دي بوفوار

الروح والجسد

يتكون الإنسان من جزئين أساسيين..

الروح (سر الحياة)

والجسد (حركة الحياة)

إذا كان الإنسان هو المكون الرئيسي للمجتمع، فإن المجتمع يكتسب صفاته من صفات المكون الرئيسي له، أي لكل مجتمع روح وجسد، فالروح هي سر حياة هذا المجتمع، وتمثل الشق المعنوى الغير ملموس للمجتمع.

وأما الجسد فيشكل الشق المادى لهذا المجتمع، والروح هي المحرك الأساسي للجسد، وبالتالي هي المحرك الرئيسي للمجتمع لممارسة الحياة.

اقرأ أيضاً: مؤسسة راند | قصة الصانع الرئيسي للتفوق الأمريكي في العالم

نظرة فلسفية عن المرأة

إن عدم فهم طبيعة المرأة وطبيعة دورها في الحياة هو المسبب الرئيسي لإنهيار الحياة.

فالمرأة -في وجهة نظري-  تمثل الروح فى الجسد، فإن أمكن وصف المجتمع أنه شخص أو إنسان فإن المرأة تمثل الروح لهذا الإنسان، والرجل يمثل الجسد، فلا حياة بجسد فقط ولا بروح فقط، فلابد أن تتكامل الروح مع الجسد لتستمر حياة هذا الإنسان (المجتمع) في النمو والحركة والبناء والإنتاج وتعمير الأرض.

ولو حاولت إجراء تحليلًا نفسيًا للمرأة ستجد أنها كائن عاطفي شديد العاطفية، يريحه ما يريح الروح، فالروح لا ترتاح وتهدأ وتستمر فى الحياة إلا إذا نالت من الطاقة ما يدفعها  للإستمرار، والطاقة التي تحتاجها الروح ليست ككل الطاقات المادية التي تحتاج إلى (الماء والهواء والطعام)، بل الروح تحتاج إلى غير ذلك من مولدات الطاقة، فتحتاج إلى (العطف، التقدير، الإهتمام، الثناء، المداعبة، الملاطفة، الحرية، العدل)، والكثير من القيم المعنوية التي هي بمثابة مولدات الطاقة.. فالروح هي الجزء المعنوي والجزء الأعلى فى الإنسان، والجزء المعنوي لا يحتاج لماديات لبقائه على قيد الحياة بل هو من يحول المعنويات إلى أمور مادية ملموسة، فتستطيع الروح أن تحول التقدير والإحترام والإهتمام والعطف إلى أفعال مادية، وتدفع الجسد إلى إخراج منتج مادي ملموس؛ فالحب -وهو أمر معنوي- يستطيع كما يقولون صنع المعجزات. فتجد المحب الضعيف يصبح قوياً في الدفاع عن محبوبة، و تجد عاطفة الأمومة تدفع أرق المخلوقات إلى أن تتحول أفعاله إلى أفعال وحش مهيب، كما القطة الرقيقة في الدفاع عن أبنائها.

وهكذا كل أمر معنوي يترجم إلى أفعال مادية، فالروح هي المحرك الأساسي للجسد ولأفعاله، وهكذا تتعلق الأفعال بالأراوح.

فالأرواح الطيبة المخلصة تدفع الأجساد إلى فعل الصالح المفيد من الأفعال المادية والعكس في الأرواح الشريرة الخبيثة.

وهكذا هي الأنثى، هي الروح للمجتمع التي تدفعه للإرتقاء والازدهار أو للإضمحلال والفساد.

فالمرأة مخلوقة من الرجل ولكنها  بعد الخلق الأول هي التي تنجب الرجل، فالمرأة هي الأم التي تنجب الرجال الأخيار أو الرجال الأشرار، فالأخيار يقودون المجتمعات إلى الخير والأشرار إلى السوء والشر.

ومن عظيم اختيار الألقاب أن سميت المرأة داخل المجتمع بالأم دلالة على عظيم أثرها وأهميته فى حياة المجتمع وبقائه.

فالأم فى اللغة هى رأس الشىء، يقولون: أم الرأس أى الدماغ، أم القرى أي مكة، أم الكتاب أي الفاتحة ،اللغة الأم أي اللغة الأصلية، رأيت بأم عيني أي رأيت بنفسي على وجه اليقين.. وهكذا.

فوردت بمعاني كثيرة كأساس الشيء أو قمته أو أصله ونفسه.

و هكذا الروح للإنسان أما تقوده إلى الخير أو إلى الشر، وهكذا المرأة في المجتمع فهي الروح للمجتمع، لذلك تصلح المجتمعات إذا صلحت الروح (المرأة) وتفسد بفسادها، ومن هذا التأصيل لفكرة أن المرأة هي روح المجتمع.

وأنها كائن تغلُب عليه المعنوية وتطغى عليه أكثر من المادية؛ كان لزامًا مناقشة قضايا المرأة من المنظور المعنوي الروحي لا من المنظور المادي، لأن المنظور النفسي هو الركيزة الأساسية التي تحدد حركة المرأة في الحياة وفي المجتمع.

لذلك سينصب كلامنا على الأمور النفسية وراء الظواهر النسائية في عالمنا المعاصر، لما لتلك الظواهر من تأثير ضخم وقوي ومرعب على حركة المجتمعات والحياة ككل، ومن أول الظواهر النسائية التي يجب علينا التحاور بشأنها هي (ظاهرة النسوية)، أحد أخطر الظواهر المدمرة للمرأة ومن خلفها المجتمع وكامل الحياة.

الفرق بين الحركة النسائية والنسوية

النسوية والأمراض النفسية | تأصيل
ميشيل فوكو

لبدء الحديث عن النسوية لابد من لفت الإنتباه إلى خطأ وخطيئة كبرى يقع فيه الكثيرون.

إذ يخلطون بين الحركة النسائية والنسوية، وهذا من أخطر أنواع الخلط -والذي أراه متعمدًا بشدة- من منتسبات النسوية الحالية لمحاولة إيجاد قاعدة تاريخية لإنطلاق الحركة.

إنَّ الفرق بين الحركة النسائية وبين النسوية فرق شاسع و كبير.

الحركة النسائية

بدأت الحركة النسائية منذ عام 1830 وصولاً إلى عام 1920، وقد ركزت على الجوانب القانونية والإجتماعية المرتبطة بالمرأة، بدأت في (الولايات المتحدة الأمريكية) و(بريطانيا)، وكانت المفاهيم الرئيسية للحركة تدور حول فكرة (تحرير المرأة، المساواة، الإقتراع، المشاركة، التحرر، الإضطهاد، عدم التمييز).

أي أن الحركة كان لها أهداف وغايات واضحة ومعلومة، الكثير منها مشروع، والكثير منها تم الحصول عليه، فالحركة بالأساس كانت مبنية للمطالبة بحقوق النساء المهضومة داخل المجتمعات الغربية، والتي كان وراء هضمها وإجحافها لعدة أسباب أهمها الديني -وهو السبب الأشمل والأعم-، إذ أنَّه بناءًا على النظرة الدينية يتحدد وضع الإنسان داخل المجتمع من حيث الحقوق الإجتماعية والإقتصادية وحتَّى السياسية.

اقرأ أيضاً: الإبراهيمية.. دين النظام العالمي الجديد | تأريخ وتأصيل

المرأة في الدين (اليهودية و المسيحية.. ديانات الغرب الأكثر إنتشارًا)

فالسبب الديني؛ فمنشأه تاريخي وقديم بقدم وجود اليهودية والمسيحية، إذ قامت فلسفة إضطهاد المرأة والتحقير منها بناءًا على سفر التكوين العهد القديم الذي حمل المرأة ما لا تطيق، وأيضًا ما ورد في العهد الجديد، وننقل لكم ما ورد فيهما:

المرأة في العهد القديم

{إذا حاضت المرأة فسبعة أيام تكون فى طمثها، وكل من يلمسها يكون نجسًا إلى المساء، وكل ما تنام عليه فى أثناء حيضها أو تجلس عليه يكون نجسًا، وكل من يلمس فراشها يغسل ثيابه ويستحم بماء، ويكون نجسًا إلى المساء، وكل من مس متاعًا تجلس عليه يغسل ثيابه ويستحم بماء، ويكون نجسًا إلى المساء} (لاويين 15: 19)

{الأنثى شؤم على أُمّها؛ فإذا ابتليت الوالدة بأنثى فإن أيام نفاسها ’ونجاستها’ تزيد أربعة عشر يومًا} (لاويين 12: 1ــ 5)

وعاقب الإله حواء لإغوائها آدم

{وقال للمرأة تكثيرًا أكثر أتعاب حبلك بالوجع، تلدين أولادًا، وإلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك} (تكوين 3: 16)

{أما الميراث فهو للذكور فقط دون الإناث، أما الأنثى فليس لها شىء إلا في حالة عدم الذكور} (عدد 27: 1ــ 11)

{إذا باع الرجل ابنته كأمةٍ فإنها لا تُطلق حرة كما يطلق على العبد} (خروج 21: 7)

الوضع الإقتصادى والوضع الإجتماعي المرأة فى العهد الجديد

{لست آذن للمرأة أن تُعلّم ولا تتسلط على الرجل، بل تكون في سكوت، لأن آدم جُبل أولًا ثم حواء، وآدم لم يُغو ولكن المرأة أغويت، فحصلت في التعدي} (تيموثاوس (1) 2: 12ــ 14)

{الرجل لم يخلق لأجل المرأة، بل المرأة من أجل الرجل} (كورنثوس (1) 11: 9).

{حَسَنٌ للرجل أن لا يمس امرأة} (كورنثوس (1) 7: 1)

المرأة في أقوال الكنيسة

النسوية والأمراض النفسية | تأصيل
مارتن لوثر

الأب جريجوري توماركوس: (لقد بحثت عن العفّة بينهن فلم أعثر على أي عفة(.

البابا اينو سنسيوس الثامن فى 1484م : (إن الكائن البشرى والمرأة يبدوان نقيضين عنيدين.(

مارتن لوثر -ملهم البروتستانت– يقول: (إذا تعبت النساء، أو حتَّى متن، فكل ذلك لا يهم، دعهن يمتن في عملية الولادة فلقد خلقن من أجل ذلك).

المرأة فى القانون بناءًا على ما أسسه الدين من نظرة لها

أصدر البرلمان الإنجليزي فى عصر "هنري الثامن" ملك (إنجلترا) قرارًا يحظر على المرأة أن تقرأ العهد الجديد لأنها كائن نجس.

فى عام (1567م) صدر قرار من برلمان (اسكتلندا) بأن المرأة لا يجوز أن تُمنح أى سلطة على أى شىء من الأشياء.

مما سبق تجد أنَّ الحركة النسائية قامت كرد فعل على الإضطهاد المبرر دينيًا، وكان هدفها بالأساس كما فصلنا المساواة في الحقوق والواجبات داخل المجتمعات الغربية، أي أنها تهدف إلى المساواة الفردية للرجل والمرأة، وذلك من خلال الإصلاح السياسي والقانوني، ولكن بدون تغيير للبناء المجتمعى.

النسوية

التعريف العام:

هي مدرسة فكرية معنية برفض القمع القائم على أساس النوع الإجتماعي ومناهضة واقع المعيشة فى مجتمعات ذكورية تهمش النساء، وتشمل حركات إجتماعية مختلفة حول العالم.

بمعنى آخر.. مجموعة من التصورات الفكرية والفلسفية التي تسعى لفهم جذور وأسباب التفرقة بين الرجال والنساء بهدف تحسين ظروف المرأة ويُعرِّف (مركز دعم لبنان) مصطلح النسوية على أنها:

مصطلح شامل لمجموعة من الحركات الإجتماعية العالمية والمدارس الفكرية، ذات تأثير سياسي كبير منذ أوائل القرن التاسع عشـر.

وقد تشكلت مختلف الحركات النسوية تاريخيًا بفعل الأيديولوجيات السياسية (وشاكلتها) كالليبرالية والإشتراكية، ومؤخرًا الإسلامية.

وتلاقت هذه الحركات النسوية المتعددة حول أجندات لمكافحة القمع القائم على النوع الإجتماعي، والعمل على تحقيق المساواة الجندرية، والتحرر الجنسي على نحو متزايد في الوقت الحاضر.

"عصمت محمود حوسو": النسوية.. هي كل جهد نظري أو عملي يهدف إلى مراجعة واستجواب أو نقد أو تعديل النظام السائد في البنية الإجتماعية الذي جعل الرجل هو المركز، هو الإنسان، والمرأة جنسًا ثانيًا آخرًا في منزلة أدنى تفرض عليها حدود وقيود، وتمنع عنها إمكانات النماء والعطاء، فقط لأنها امرأة.

"بيل هوكس": النسوية.. هي كفاح من أجل التحرير، يجب أن توجد إلى جانب الصراع الأوسع لاستئصال الهيمنة بشتى صورها وكجزء منه، ويجب أن نفهم أن الهيمنة الأبوية تشترك فى أساس أيديولوجي مع العنصرية وصور أخرى من اضطهاد المجموعات، وأنه ليس هناك أمل فى إستئصالها بينما تظل هذه النظُم سليمة، فينبغي أن تعرِّف هذه المعرفة بصورة متسقة باتجاه النظرية والممارسة.

"سارة جاميل": النسوية.. هي الإعتقاد بأن المرأة لا تعامل على قدم المساواة، لا لأي سبب سوى كونها امرأة في المجتمع الذى ينظم شؤونه ويحدد أولوياته حسب الرجل واهتماماته.

أهم التيارات النسوية

النسوية الليبرالية: وهي التي ترى أنَّ اللامساواة الجندرية تستند إلى المعتقدات الثقافية والبنى الإجتماعية التي يسهل تغييرها.

النسوية الماركسية: تربط الرأسـمالية بقمع المرأة.

النسوية الراديكالية: تنتقد العنف الذى تمارسه الهيمنة الذكورية.

النسوية المثلية: تنظر إلى البنى العائلية والتحكم بالجنسانية وتقدم تحليل للغيرية الجنسية للبطريركية كأداة تستخدم للهيمنة على المرأة.

وهناك تصنيفات أخرى لا يسع المقام هنا لذكرها جميعا.

تركيزنا سوف يكون حول النوع الأخطر من النسوية وهو النسوية الراديكالية؛ حيث أنها هى التي تطغى على السطح وتهيمن على النسوية بشكل مطلق في الآونة الأخيرة.

فلسفتها

المنهج الثوري وليس الإصلاحي في حل المشكلة النسوية.

تهدف للإطاحة بالنظام الأبوي تمامًا وليس تطويره من خلال تغييرات قانونية (تفكيك البناء الأسري للمجتمع).

البطريركية هي أساس التمييز ضد النساء والسيطرة عليهن (إزاحة السلطة الدينية).

تنتقد النسوية الراديكالية المؤسسات بوجه عام، مثل الدين والحكومة واللغة، وترى أنَّ هذه المؤسسات قامت على مرّ السنين بدور المركز للسلطة البطريركية.

تنتقد مؤسسة الزواج والأمومة بوجه خاص لكونها إحدى أعمدة النظام الأبوي لفرض سيطرته على جنسانية النساء وقدرتهن على الإنجاب.

التركيز على الحقوق الإنجابية للنساء، وحريتهن في اختيارهن الحمل أو الإجهاض دون تدخل أي أطراف أخرى، مثل أزواجهن (رفاقهن) أو رجال الدين أو الأطباء أو الحكومة.

إعادة النظر فى طبيعة الأدوار الجندرية (الوظائف الإجتماعية) في العلاقات الأسرية والحميمية والعامة.

المطالبة بحقوق العابرات جنسيًا.

بعد هذا العرض السريع للحركة النسائية والنسوية يتضح الفرق الجوهري بينهما

فالحركة النسائية تدعوا إلى الحصول على الحقوق دون تغيير البنى الإجتماعية، أي ضمن المفاهيم السائدة والمتعارف عليها داخل المجتمعات، والتي بنيت على أسس من الدين والثقافة والتراث وبتراكمات تاريخية على أسس من السلطة الأبوية والتدرج الإجتماعى الوظيفى.

أمَّا النسوية فهي ترفض الحصول على أي من الحقوق التي تنادي بها وفقًا لقواعد المجتمع المتعارف عليه، بل تسعى إلى إعادة هيكلة المجتمع والحضارة ككل وفق المنظور النسوي، وإعادة كتابة تاريخ البشرية واللغة والحضارة والسياسة والإقتصاد والعلاقات الإجتماعية وفق منظور نسوي بحت.

وبعد توضيح الفرق بين النسوية والحركة النسائية لابد من الإسهاب قليلًا فى فلسفة النسوية وأفكارها، ولنبدأ ببعض من فلاسفة النسوية التي أثرت آرائهم فى تاريخ الحركة النسوية، بل تعتبر آرائهم دساتير للنسوية.

نظرة تاريخية على النسوية

النسوية والأمراض النفسية | تأصيل
شارل فورييه

يُعتبر الفيلسوف الفرنسي "شارل فوربيه" هو أول من أطلق مصطلح (فيمينزم –نسوية) عام 1837.

وهو فيلسوف إشتراكي عرف بالفوضوية، وهو الذى دعا إلى تحرير المرأة على كل الأصعدة، من أول البيت إلى الجنس مرورًا بالعمل والأخلاق والدين، ذلك لأنه رأى أنَّ الأسرة والسلطات العائلية هي الحاجز القوي في وجه التقدم، فكان لابد من إنهاء الأسر والعائلات، والذي لابد لإتمامه من إزهاق روح الأسرة (المرأة).

تلاحظ من إغراء "فوربيه" أنَّ مبدأ القضاء على السلطة الأبوية والأسرية هو الركيزة الأساسية التي اتخذها كذريعة للتقدم، على الرغم من أن أساس التقدم وأسس الحضارات القديمة كلها كان مبني على وحدة الأسرة والعائلة وتماسكها الذي كون المجتمعات التي اتخذت صفة الوحدة والتماسك من الأسر المكونة لها ثم تلتها الحضارات.

أمَّا "ماركيوز هربرت" فقد دعا إلى إنعتاق الغرائز الجنسية، وإطلاق الحرية الجنسية بلا حدود، سواء من ناحية الكم أو الكيف، أي حتى حرية الشذوذ وتمجيده باعتباره ثورة وتمرد ضد قمع الجنس، معتبرًا التحرر الجنسي عنصرًا مكملًا ومتممًا لعملية التحرر الإجتماعى، ورافضًا ربط الجنس بالتناسل.

أما "مشيل فوكو" فقد رفض ربط ممارسة الجنس بالأخلاق، فقال: لماذا يجعل السلوك الجنسى مسألة أخلاقية؟! ولماذا هى غاية فى الأهمية؟! إذ يرى "فوكو" بضرورة فصل الجنس عن الأخلاق، واعتباره سلوك غير خاضع للتقييم الأخلاقي من عدمه، أي بمعنى أوضح إخراج الجنس من إطاره الإنساني المبني على الأخلاق، وإدخاله فى إطار حيوانى بهيمى.

وتعتبر "سيمون دي بوفوار" و أفكارها هى الركيزة الأساسية التي تعتمد عليها النسوية فى فلسفتها، والتأصيل لحركتها ، فأفكار "سيمون دي بوفوار" تقوم على إعتبار الزواج سجن أبدى للمرأة، يقطع آمالها وأحلامها، وهي ترى مؤسسة الزواج مؤسسة مخصوصة لقهر وقمع المرأة، والدعوة إلى تدميرها تماما، وتنكر التمييز بين الذكر والأنثى على أساس بيولوجى، فلا فرق بيولوجي بين رجل وامرأة، وتقول في ذلك: (الأنثى تولد إنساناً ثم تُصنع إمرأة)، وأنَّ سلوكها لا تفرضه عليها هرموناتها وإنَّما وضعها داخل المجتمع.

أمَّا عن الإنجاب فترى "دي بوفوار" أنَّ الإنجاب هو إستعباد للمرأة (عبودية التناسل).

وترى "سيمون" أنَّ هيمنة الرجال قائمة على أفكار وضعها الرجل، ونسب بعضها إلى الطبيعة، والعلم، والله، وإلى مؤسسات إنَّما هى كلها من صياغة الرجل.

تري "دي بفوار" أن الدين كان محايدًا عندما لم يكن للإله جنس، ثم انحاز الدين إلى المرأة عندما أصبحت الآلهة نساءًا، ثم عاد ليعادي المرأة بسبب التفسيرات الذكورية للدين.

أي أنَّها ترفض الدين السماوي وتفسيراته لأنَّه في نظرها ذكوري مفضل على تلك الأديان الإغريقية.

وتعد "دي بوفوار" هي ركيزة الفلسفة النسوية الحالية التي بنيت عليها أغلب الأفكار النسوية الحالية.

بعض من أقوال "سيمون دي بوفوار" و التي تراها تتردد أمامك طيلة الوقت:

النساء يفبركن لأنفسهن قيوداً، لم يكن الرجل ليرغب تكبيلهن بها.

إن الإضطهاد الذى مارسه الذكر ضد المرأة إنما هو نتيجة وحصيلة لتقسيم العمل الذي فرض على المرأة أن تكون مجرد أداة للإنجاب.

الأنثى تولد إنساناً ثم تُصنع إمرأة.

حتَّى أتفه الرجال و أكثرهم ضآلة، يرون أنفسهم أشباه آلهة أمام أية إمرأة.

إنَّ تحرر المرأة مرتبط بمدى إستعدادها وقدرتها على تغيير الصورة التي ينظر بها الرجل إليها، ولخصائصها الجسدية والنفسية.

ملخص

الفكرة النسوية تقوم علي محاربة الطبيعة الإنسانية التي لا تستقيم إلا بالإختلافية والتعددية البيولوجية والجندرية، والإختلافية البيولوجية والجندرية هي الركيزة الأساسية التي تقوم عليها الحياة وتستمر بها دورة حياة الإنسان الكائن المخلوق من أجل هدف محدد وهو عمارة الكون، وعمارة الكون لا تقوم ولا تستوي إلا بالإختلاف البيولوجي والوظيفي، فلو أنَّ كل البشر بنفس التركيب البيولوجي فتلقائيًا سيكونون بنفس التركيب الجندري، أي بنفس الوظائف الإجتماعية ولا يوجد ثمة إختلاف بينهم في الوظائف ولا الأدوار، فالكل واحد في تركيبه البيولوجى، والكل واحد في وظائفه، وهو ما لا تستقيم معه دورة الحياة كما أراد لها الخالق، فلا تستقيم الدنيا بليل فقط أو نهار فقط، أو بشتاء بلا صيف، أو بقطب واحد موجب أو بقطب سالب، فحركة الليل والنهار وتبادل الوجود وليس الأدوار هي الركيزة الأساسية في إنتظام حركة الإنسان ما بين نوم وإستيقاظ، وما بين عمل وراحة، وما بين نشاط وكسل، وبما أننا صلنا فى أول المقال عن تكوين الإنسان المعنوي الروحي والمادي البدني، وشرحنا أنَّ الروح هي المحرك الأساسي للبدن، فكيف تتخيل شكل الروح وأثرها في الجسد، إذ لم يكن هناك ليل لتسكن فيه وتسكن معها الجسد، أو نهار لتتحرك فيه وتحرك معها الجسد ليقوم بدورة الحياة!

فالفلسفة النسوية تقوم على فكرة السلطوية والهيمنة النسائية على الحياة وإعادة هيكلة التاريخ البشري والحياة البشرية ككل (إجتماعيُا وسياسيًا واقتصاديًا و ثقافيًا) وفق منظور نسائي بحت لا دخل للذكور -العنصر الثاني المكون للحياة– فيه.

إنَّ انتهاج مثل هذا الفكر الشاذ المخالف لكل نواميس الكون وللطبيعة البشرية لا يصدر إلا من شخص معتل نفسيًا وذهنيًا، وهذا هو رابطنا بين انتهاج الفكر النسوي والإعتلال النفسي والذهني في الجزء الثانى من عنوان المقال النسوية و الأمراض النفسية.

و الله من وراء القصد.

COMMENTS

الاسم

اتجاهات وأفكار,8,أحداث من التاريخ,4,أخبارعلمية,1,أسرار تاريخية,12,أعمال مترجمة,3,اقتصاد,8,اقتصاد عالمي,7,الشرق الأوسط,12,أمام العدسة,11,تاريخ,24,تحليلات إخبارية,16,ترجمات علمية,2,ثقافة وأدب,38,حكايات أدبية,4,دراسات ثقافية وأدبية,6,دراماتيك,11,روايات وكتب,12,رياضة,9,سياسة,47,سينما,13,شؤون مصرية,3,شخصيات تاريخية,7,شعر ونثر,17,علوم وتكنولوجيا,11,فلك وفضاء,3,فنون وسينما,32,قضايا معاصرة,19,كرة قدم,9,كمبيوتر وإنترنت,3,مسارات مختلفة,3,مساهمات القراء,39,مقالات وتحليلات,51,ملفات سياسية,42,
rtl
item
صفحة أخيرة: النسوية والأمراض النفسية | تأصيل
النسوية والأمراض النفسية | تأصيل
تنتقد النسوية الراديكالية المؤسسات بوجه عام، مثل الدين والحكومة واللغة، وترى أنَّ هذه المؤسسات قامت على مرّ السنين بدور المركز للسلطة البطريركية.
https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEjS3n33NEf8dcPKXkEjo1qUla01sjvrsdSi4GvpN3rM5Lh3B9bmK_DFokEsyuc6gnBUIJT44RIbPrxf36yPShocPqIS4ozI9NkU8QFyZvYGc42JM7jBNTdaG8rYSvu-FyVuAM4TrBBUeieq/w640-h470/simone.png
https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEjS3n33NEf8dcPKXkEjo1qUla01sjvrsdSi4GvpN3rM5Lh3B9bmK_DFokEsyuc6gnBUIJT44RIbPrxf36yPShocPqIS4ozI9NkU8QFyZvYGc42JM7jBNTdaG8rYSvu-FyVuAM4TrBBUeieq/s72-w640-c-h470/simone.png
صفحة أخيرة
https://www.saf7a-a5era.com/2020/11/feminism-rooting.html
https://www.saf7a-a5era.com/
https://www.saf7a-a5era.com/
https://www.saf7a-a5era.com/2020/11/feminism-rooting.html
true
4387532385212111926
UTF-8
Loaded All Posts Not found any posts VIEW ALL Readmore Reply Cancel reply Delete By Home PAGES POSTS View All RECOMMENDED FOR YOU LABEL ARCHIVE SEARCH ALL POSTS Not found any post match with your request Back Home Sunday Monday Tuesday Wednesday Thursday Friday Saturday Sun Mon Tue Wed Thu Fri Sat January February March April May June July August September October November December Jan Feb Mar Apr May Jun Jul Aug Sep Oct Nov Dec just now 1 minute ago $$1$$ minutes ago 1 hour ago $$1$$ hours ago Yesterday $$1$$ days ago $$1$$ weeks ago more than 5 weeks ago Followers Follow THIS PREMIUM CONTENT IS LOCKED STEP 1: Share to a social network STEP 2: Click the link on your social network Copy All Code Select All Code All codes were copied to your clipboard Can not copy the codes / texts, please press [CTRL]+[C] (or CMD+C with Mac) to copy Table of Content