دفعت "أم الشنفري" "تأبط شرا" لينضم لـــ "الشنفري" في حربه وانتقامه من قومه؛ ليصبحوا من أشهر عصابات الصعاليك ومعهم "عمرو بن براقة" وغيرهم
تحت راية الصعاليك (الحلقة 2) | أم الشنفرى.. صورة درامية
أم الشنفري - صورة من الدراما |
في المقال السابق تحدثنا بشكل مُجمَل عن مفهوم الصعلكة ودور البيئة الاجتماعية التي صنعت الصعاليك، أو حتى هم الذين اختاروا هذا الدرب!
الصعاليك
لا يخفى
على القارئ في تاريخ و أدب الصعاليك ذلك الكم الكبير من الغموض الذي يحيط بكثير من
التفاصيل الاجتماعية والتاريخية لبعض منهم.. حتى أن "ثابت بن أواس" أو "الشنفرى"
وهو أحد مشاهير الصعاليك؛ قد اكتنف الغموض جوانب كثيرة من حياته؛ حتى تكلم بعضهم
هل "الشنفرى" اسمٌ له أم لقب؟!
ووصل
الحال ببعض مؤرخي الأدب بنفي نسبة اللامية الشهيرة إليه!!
في
المقال السابق تحدثنا بشكل مُجمَل عن مفهوم الصعلكة ودور البيئة الاجتماعية التي
صنعت الصعاليك، أو إذا ما كانوا هم حتى الذين اختاروا هذا الدرب!
في هذا
المقال أردنا الحديث عن شخصية لها وقع وتأثير كبير في حياة اثنين من أشهر
الصعاليك.. "الشنفرى و"تأبط شرا".
تنتمى "أم الشنفرى" لقبيلة (فهم)؛ وهم من (الأزد)، و إلى نفس القبيلة ينتمى "تأبط شرا"، وقد قال بعض المؤرخون أنه أخوها وخال "الشنفرى"
صعاليك ولكن شعراء
الحديث
اليوم عن "أم الشنفرى"، لكن كما أسلفنا الذكر في أول المقال عن الغموض
الذي أحاط بـ "الشنفرى" وهو من هو!! فكيف بأمه؟!!
لذا؛ فقد
اعتمدنا في انطلاقة الحديث عنها على ترجيح بعض مؤرخي الأدب أن سبب تصعلُك "الشنفرى"
هو مقتل أبيه على يد قومه «بنى سلامان».
ثم
اعتمدنا في باقى التصورات على الصورة الفنية التي ظهرت على الشاشة لـ "أم الشنفرى"
فى مسلسل (صعاليك ولكن شعراء)، والذى جسَّدت فيه دورها الفنانة "منى واصف".
فالمقال
هنا أشبه بمحاولة لتخيُّل البناء الاجتماعي لشخصية كان لها شديد التأثير في شخصية "الشنفرى"
و"تأبط شرا".
لابد
وأنك طالعت في القراءة والمشاهدة يوما ما سردا لوقائع عن تلك العادة الجاهلية التي
تخص قتل المولود أو دفنه حيا إن كانت (بنت)؛ لشعور الأب بالعار وسوء الطالع، وهي
عادة قد تصف لك ما قد عانته المرأة في الجاهلية منذ نعومة أظفارها.. و"أم الشنفرى"
ليست ببعيدة عن تلك الظروف.
تنتمى "أم
الشنفرى" لقبيلة (فهم)؛ وهم من (الأزد)، و إلى نفس القبيلة ينتمى "تأبط
شرا"، وقد قال بعض المؤرخون أنه أخوها وخال "الشنفرى"!!
وقد
عُرِف عن هذه القبيلة شدة الطباع، والميل للغزو والإغارة. تزوَّجت "أم الشنفرى"
من "أواس" من «بني سلامان» وهم من (الأزد) أيضا مثل «فهم»..
وعلى
الرغم من ذلك لم تسلم "أم الشنفرى" من غيرة نساء (بني سلامان)؛ إذ كيف
يتزوج أحد أسياد القبيلة امرأة من خارج الحي؟! و لم تختلف "أم الشنفرى"
في طباعها عن زوجها، فقد كانت شديدة البأس، حادة الذكاء، وقوية الشكيمة، ولها هيبة
يود رجال الحي لو استظلوا تحتها.
لكن؛ لا
تأتى الرياح بما تشتهى السُفُن!
قتل (بنو
سلامان) زوجها حقدا وغيرة منه.. وربما منها.
بعدما
قُتِل زوجها، بدأت رحلة المعاناة، لكن لأنها "أم الشنفرى"، لم تُثْنِها
المعاناة عن تزكية نار الانتقام، وتنشئة ولدها على قوة البأس والعزيمة ليأخذ ثأر
والده.
شخصية
كهذه فى لحظات المحنة الصعبة، ستراها كالصحراء مترامية الأطراف، لا يصل سَهْم بصرك
لأطرافها، فتمدُّد الغضب بداخلها انتهى بها لأن تصنع على عين طباعها "الشنفرى"
و"تأبط شرا".. وهُما مَن هُما!
تختلف
الروايات حول مكان حياة "الشنفرى"
- وهو طفل - بعد مقتل أبيه، لكن الغالب منها يشير إلى أن أمه استقرت فى قبيلة
قومها «فهم»، فصارت تروي زوايا نفس "تأبط شرا" بأعمدة الصلابة والصمود؛
وخاصة بعد الواقعة الشهيرة التي عاد فيها وهو طفل بكيس يمتلئ بالأفاعى ليُلقِه فى
حِجْر أمه بعدما طلبت منه أن يصطاد شيئا!
رَأَت "أم
الشنفرى" فى "تأبط شرا" سيف الانتقام من (بنى سلامان) الذين قتلوا
زوجها، وصارت ترعاه وتهتم به وتسقيه الانتقام كما الطعام؛ خاصة وأن أمه تزوجت "أبو
كبير الهذلي"، ولم تعد تهتم به.
لكنها - أم
الشنفرى - مهما كان فيها من الصلابة والخشونة ورباطة الجأش؛ فهي أُم ولن تقر عينها
إلا بضم ولدها لذراعيها.. فصارت تستجدي القوافل والركبان لينقلوا لها أى خبر عن
ولدها "الشنفرى" حتى علمت بحاله مع (بني سلامان)، وكيف تصعلك وكيف دارت
رحى الحرب بينه وبينهم؛ فزجت بالآخر!
في كل حين ينصب على قلبها شيئا من سيرة "الشنفري" و"تأبط شرا" فكأنما انهمر السيل على الجمر كاتما لهيبه ومحيلا إياه دفئا وطمأنينة
درب الصعاليك
دفعت
"أم الشنفرى" "تأبط شرا" لينضم لـــ "الشنفرى" في
حربه وانتقامه من قومه؛ ليصبحوا من أشهر عصابات الصعاليك ومعهم "عمرو بن
براقة" وغيرهم، وصار ينقل لها "تأبط شرا" أخبار ابنها من حين لآخر،
ويلتقيها الشنفرى" من حين لأخر..
وفي كل
حين ينصب على قلبها شيئا من سيرة "الشنفرى"
و"تأبط شرا" فكأنما انهمر السيل على الجمر كاتما لهيبه ومحيلا إياه دفئا
وطمأنينة.
سعت بكل
ما تؤتى من قوة للإنتقام من (بني سلامان)، وربما من (فهم) أيضا لأنهم لم يعينوها
على الأخذ بثأر زوجها، أو يستردوا طفلها وهي من دمهم!
ولم يذكر
التاريخ أنهم أعانوا "تأبط شرا" أو "الشنفرى" في الإغارة على (بني
سلامان).
لكن! من
أجل مثلها يشعر الفرد بالشفقة؛ فقد نشأ الابن في قلبها على مر السنين، ونشأ الآخر
على عينها ويديها أمام عينيها طوال حياتها.. فكيف إن فقدت أحدهما أو كليهما؟!
لابد وأن
نيران القلق وجدت مكانا في قلبها.. يا لقلب هذه المرأة.
سيرة
تجعلك تحاول أن تتخيّل كيف كانت هذه المرأة بعدما قُتِل "الشنفرى"،
وبعدما قُتل "تأبط شرا"!!
تُرَى،
أتفرح بشراب الانتقام البارد، أم تكتوي بنيران الفقد لزهور العمر، ومحصول الحياة؟!
لعل الغموض
الذي اكتنف الكثير من التفاصيل، كان له الفضل في فتح أبواب الخيال لأحوال هذه
الفترة من الجاهلية؛ فصارت الهالة حول أدب هذه الفترة كافية لأن تجعلك غير قادر على تمييز
الفارق بين ما هو أسطوري وما هو حقيقي فى تاريخها!
يا لأم
الشنفرى!!
إلى لقاء تحت راية أخرى من رايات الصعاليك..
COMMENTS