ببساطة شديدة نضرب المثل بالحالة العراقية التي من وجهة نظر نظرية الفوضى الخلَّاقة وخرائط "برنارد لويس" لابد أن تصبح ثلاثة دول
الفوضى الخلاقة (2) | التفكيك والتركيب
توقف حديثنا في المقال الأول من
نظرية الفوضى الخلَّاقة عند عدة أسئلة، ما هي الفوضى الخلَّاقة وكيفية عملها ومن
وضعها..
في هذا المقال سنبدأ في الإجابة على
تلك الأسئلة بالتدريج، ولكن بشكل مُختلف
عن الأسلوب الأكاديمي المعتاد المتعارف عليه من شرح النظرية و أسسها وخلافه.
لكن هذه المرة سنبدأ من أهم نقطة في النظرية وهو أعمدتها التي قامت عليها، وهو أمر سوف يُسهل فهم النظرية بدقة بدون حتَّى شرحها إن شاء الله.
اقرأ أيضًا: صراعات الحياة الزوجية | ونسيت أني امرأة
قطبي نظرية الفوضى الخلَّاقة التفكيك والتركيب
أي تفكيك المجتمعات العربية المُسلمة
من كيانات وكتل كبيرة صلبة (دول) مبنية على فكرة الدولة والقومية العربية
والإسلامية إلى كيانات أصغر وأقل صلابة مبنية على النزعة الطائفية والعرقية، ويُشار
إلى أن أول من اختلق نظرية التفكيك على أسس عرقية وطائفية كان هو المستشرق اليهودي
"برنارد لويس" في منتصف الستينات من القرن العشرين، والذي يُعتبر عراب
التفكيك، والذي أُخذت أفكاره وتم العمل عليها في المراكز البحثية الأمريكية
المختصة بالشرق الأوسط، وهي لا تعد ولا تُحصى أشهرها مؤسسة راند ومجلس العلاقات
الخارجية، ومعهد دراسات الشرق الأدنى، وفكرة التفكيك وإعادة التركيب ليست بالفكرة
الجديدة على الشرق الأوسط؛ إذ أنَّها تُعتبر امتداد لمعاهدة سايكس بيكو الأولى،
ولكن سايكس بيكو كانت تقوم على أساس تفكيك الكتلة الصلبة الكبرى المسماة "الدولة
العثمانية" وتحويلها إلى دول قومية غير مرتبطة بحكم موحد ودولة وحكومة واحدة؛
إلَّا أنَّها مرتبطة بالقومية العربية وربما بعض الشيء القومية الإسلامية.
أي أنَّ مخطط الفوضى الخلَّاقة والتفكيك والتركيب ليس جديدًا على الشرق الأوسط العربي المسلم بل هو قديم جدًا تمتد جذوره إلى قرنين من الزمن.
لكن يختلف هذه المرة في شكل التفكيك
والتركيب، ففي السابق كان تفكيك كتلة كبيرة إلى كتل أصغر حجمًا لكنها كتل صلبة
(قوية إلى حد ما) مترابطة جغرافيًا وتاريخيًا، ذات قومية شبه موحدة ودين غالب على
الأغلبية الساحقة من مواطني تلك الكتل إلى كتل صغيرة في الوقت الحالي، كتل متنازعة
جغرافيًا وعرقيًا وطائفيًا، كتل صغيرة ودقيقة، لا تمتلك مقومات الكتل السابقة التي
تم تفكيكها من "الدولة العثمانية".
ببساطة شديدة نضرب المثل بالحالة
العراقية التي من وجهة نظر نظرية الفوضى الخلَّاقة وخرائط "برنارد لويس"
لابد أن تصبح ثلاثة دول (دول هنا مجاز) دولة أو كيان كردي في الشمال ودولة أو كيان
سُني
في الوسط وآخر شيعي في الجنوب..
هي كيانات منبثقة عن كيان أكبر لكن
مختلفة في التقسيمة العرقية والطائفية،
وكذلك لا تمتلك المقومات التي كان يمتلكها الكيان الأكبر من حيث
الموارد الاقتصادية والعسكرية.. الخ، مما يجعلها كيانات هشة أضعف بكثير من الكيان
المنبثقة منه في كل شيء فلا تستطيع تكوين تحالف ضد أي معتدي أو تكوين قوة اقتصادية
أو سياسية ذات تأثير في المنطقة كما كان (العراق) في السابق، ذو كلمة وتأثير سياسي
واقتصادي وعسكري.
هذا التفكيك وإعادة التركيب؛ يصنع
كيانات غير منسجمة أو مترابطة وفي حالة سيولة دائمة، وصراعات مستمرة على الموارد
الاقتصادية والحدود الجغرافية مع الكيانات الملاصقة لها، مما يضمن دائمًا وأبدًا
ضعفها وعدم قدرتها على التوحد في كيانات أكبر ذات قوة، تهدد الكيان الذي من أجله
يتم التفكيك والتركيب.. ولسنا في حاجة إلى ذكر اسم هذا الكيان.
اقرأ أيضًا: دوافع الإدمان | دور الأسرة في العلاج والتأهيل
التفكيك
الفوضى الخلَّاقة (2) | التفكيك والتركيب |
نعود من حيث بدأنا أي من جناحي الفوضى الخلَّاقة (التفكيك
والتركيب)، فلكل واحد منهم آليات عمل مختلفة لإتمامهم بالشكل المناسب الموافق
للنظرية..
ولنبدا بالتركيب إذ أن آليات عمله لا
تحتاج إلي إسهاب أو شرح كبير.
تقوم آليات عمل التركيب ببساطة شديدة
متناهية على التركيبة العرقية والطائفية داخل الكيان الذي يراد تفكيكه.
ففي سايكس بيكو الأولى؛ كان التقسيم
للدول العربية المنبثقة من (الدولة العثمانية)، في منتهى الذكاء الشديد، الذكاء
الذي يوحي أن لهذا التقسيم جزء آخر مستقبلي.
فتم تقسيم الدول الجديدة بشكل يضمن
وجود أقليات دائمة داخل تلك الدول، أقليات عرقية وطائفية، ولك المثال في (العراق وسوريا
ولبنان) إذ أن المكون السكاني لتلك الدول منذ تقسيمة سايكس بيكو الأولى هو قائم على
الاختلاف العرقي والطائفي.
وكان من ذكاء هذا التقسيم أنه مكَّن تلك الأقليات (أغلب
الحالات) من الحكم ..
فمثلًا الأقلية العلوية هي من كانت
تحكم (سوريا) وكذلك الأقلية السنية هي من كانت تحكم (العراق).
وطبعًا لسنا بحاجة لمعرفة كيف حكمت
تلك الأقليات هذه الدول.
ثم يأتي الجزء الثاني من تقسيمة
سايكس بيكو الأولى وهو دعم تلك الأقليات في الحكم دعما عسكريًا وسياسيًا واقتصاديًا،
لتكبر تلك الأقليات مع الوقت وتتحول إلى ملوك وورثة لتلك الدول، وذلك على حساب
الأغلبية أو على حساب الأقليات الأخرى، دون مشاركة في الحكم أو السلطة أو الثروة،
وهذا الدعم لم يكن اعتباطًا وإنَّما كان مقصودًا للتمهيد الجزء التالي، وهو ما
نعيشه الآن من نظرية الفوضى الخلَّاقة.
كان هذا باختصار شديد هو أول أعمدة
نظرية الفوضى الخلَّاقة وهو التركيب.
أمَّا التفكيك؛ فإن شاء الله في مقال
قادم لأنَّه يحتاج إلى وقت أطول لشرحه ولأن كثرة الحديث يُنسي بعضها البعض نكتفي
بهذا القدر على أمل اللقاء.
COMMENTS