لم يكن الشيخ "عبدالعزيز" مجرد قارئ عادي، فقد جاب القرى والمحافظات يتلو كتاب الله ويعلّمه للناس وكان متمكنًا عالمًا بالقراءات العشر
عبدالعزيز علي فرج | قيثارة التلاوة
الرمضانية.
متيّم أنا بكل شاردة وواردة لعمالقة
دولة القرآن الكريم المصرية، من المؤسسين الراحلين. ولعل أجمل لحظاتي هي تلك التي
أقع فيها على تلاوة نادرة أو لم تحظى بالسماع والشهرة كغيرها.
لكن من عجائب العصور الذهبية لقراء
القرآن الكريم في (مصر)، أنَّ نجمهم لم يسمح لنجم عمالقة آخرين بالتوهج اللائق بهم
مثلما حدث للشيخ "عبدالباسط عبدالصمد"، والشيخ "محمود خليل الحصري"
والشيخ "محمد صديق المنشاوي" وغيرهم.
اليوم أحدثكم عن قيثارة تأخذ بتلابيب
العقل بمجرد أن تسمعها. وعلى الرغم من تنوع الأصوات في (مصر) ما بين ذهبي وفضي
وخشابي، إلَّا أنَّ قارئنا الذي نتحدث عنه كان -رحمه الله- من أصحاب الصوت الجهوري
وهي النوعية المفضلة عندي، حتَّى أنَّك ستلاحظ في تسجيلاته المرئية بُعد المسافة
بينه وبين ميكروفونات التلاوة، ويالعجب تجد نقاءً عجيبًا في تسجيلاته غير موجود في تسجيلات آخرين على الرغم من أنَّ بعض تسجيلات الشيخ "عبدالعزيز علي فرج"
رحمه الله يرجع تاريخها لحقبة الستينيات.
اقرأ أيضًا: رجل بأمة | ماذا قدَّم عبد الرحمن السميط للإنسانية؟! وماذا قدمت فرنسا؟!
النشأة
وُلد الشيخ "عبدالعزيز على فرج" بقرية ميت الوسطى مركز الباجور بمحافظة المنوفية، وكان مولده في الثاني والعشرين من شهر يناير عام ۱۹۲۷ م، حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، وتعلم القراءات على يد الشيخ "أحمد الأشموني"، وكان كفيفًا، ثم انتقل إلى القاهرة وعُرف عنه أنه كان طيب الخلق متواضعًا لأقصى درجة، وله هيبة شديدة كان يذهب يوميًا للقاء كبار القراء والمبتهلين بمقهى الفقهاء بولاق أبو العلا.
في سنة ١٩٦٢ تقدم لاختبارات الإذاعة المصرية، وبلغ عدد المتقدمين حينئذ ١٧٠ مرشح، لم ينجح منهم إلا أربعة، أولهم الشيخ "عبدالعزيز علي فرج" ثم الشيخ "راغب مصطفى غلوش" والشيخ "محمد نصر الجرزاوي"، وأصبح هؤلاء الثلاثة أعلام الحفلات الإذاعية في رمضان بالتناوب حتَّى تعلّق بهم الجمهور المصري وأصبحوا علامات وضيئة في صفحات التلاوة الرمضانية. وكان الشيخ "محمد بدر حسين" هو رابع الفائزين.
أسس الشيخ "عبدالعزيز علي فرج" رحمه الله أسلوبًا خاصًا به حتَّى نال ثناء أكابر القرَّاء مثل الشيخ "مصطفى إسماعيل" والشيخ "عبدالفتاح الشعشاعي" الذي كان يُظهر له توقيرًا كبيرًا على الرغم من كون الشيخ "عبدالعزيز" في سن أولاده!
لم
يكن الشيخ "عبدالعزيز" مجرد قارئ عادي، فقد جاب القرى والمحافظات يتلو
كتاب الله ويعلّمه للناس وكان متمكنًا عالمًا بالقراءات العشر، ومعروف أنَّه لم
يكن يتقاضى أموالًا نظير التلاوة، بل كان عفيفًا يرى أنَّ تلاوة القرآن لا يجب أن
تكون بأجر أو يؤخذ المال نظيرها.
الشيخ عبدالعزيز فرج |
مدرسة عبدالعزيز علي فرج القرآنية
للشيخ القارئ "عبدالعزيز علي
فرج" طريقة متفردة في التلاوة، يقول عنها القارئ الدكتور "فرج الله
الشاذلي":
"لقد جمع الشيخ رحمه الله بين دقة الأحكام وجمال وقوة الصوت، وكان يطوّع صوته للقرآن ولا يطوّع القرآن لصوته. وقد ارتبط جيل الستينيات في رمضان بصوته العذب، وتعلمنا منه كقرَّاء العناية الشديدة بالنطق وضبط مخارج الأصوات، حتَّى أنَّه يمكنك أن تعد خلفه الحروف دون يلتبس عليك السماع"
وفي وصف امكانياته وصوته يقول القارئ الشيخ "محمد الهلباوي": "على الرغم من انتماء الشيخ عبد العزيز علي فرج إلى المدرسة القديمة في التلاوة، إلَّا أنَّه ابتكر أسلوبًا ومدرسة مميزة خاصة به، فهو صاحب صوت جهوري لا يحتاج لميكروفونات حتَّى يتمكن الناس من سماعه، وقد كان رحمه الله على تمكّن كبير من تصوير المعاني بصوت شجي وأداء راقي. لقد ترك بصمة صوتية يقلده فيها الكثيرون من بعده. ما أن يقرأ حتَّى يأخذ بأذنيك أخذا وتستمر معه حتَّى ينتهي".
وفي اتقانه للتلاوة يقول القارئ الشيخ "فتحي المليجي": "من أهم مميزات الشيخ عبدالعزيز رحمه الله أنَّه لا يضيّع حرف من حروف القرآن، وقد ظهر وسط جيل العمالقة وأخذ مكانَّا لائقًا بينهم وله بصمة لا تقل عنهم"
اقرأ أيضًا: عبدالله بن ياسين | نظرة على قيام دولة المرابطين العظيمة
لحظات في حياة الشيخ
كان الشيخ رحمه الله هو أول من قرأ
قرآن الفجر في أول نقل مباشر للإذاعة المصرية لصلاة الفجر.
يعرف أهل التذوق والسماع قيمة صوت الشيخ "عبدالعزيز علي فرج"، وما زال الكثيرون من أهل منطقة روض الفرج وخاصة كبار السن يستمعون لتسجيلاته، فقد كان محل حب وتقدير من أهالي المنطقة وكانوا يوقرونه كثيرًا.
رحل الشيخ "عبدالعزيز علي فرج"
رحمه الله عن عالمنا في مارس ١٩٧٧ تاركًا إرثًا عظيمًا من التلاوات الخالدة يُدرك
قيمتها كل مستمع متدبر. ولا يسعني إلَّا أن أرشح لك في رمضان وجبة يكون قوامها
تلاوات الشيخ "عبدالعزيز علي فرج" والشيخ "كامل يوسف البهتيمي"
والشيخ "عبدالعظيم زاهر" = ولن تندم. ولا يفوتك أن تستمع لسورة القدر
وفواتح سورة الحجر والمائدة والقصار للشيخ "عبدالعزيز علي فرج" فهي وجبة
دسمة وكل تراث الشيخ رائق بهيّ.
رحم الله الشيخ وأدخله فسيح جناته.
COMMENTS