غم احترافيته لأكثر من ستين عامًا، وتاريخ عريق على خشبة المسرح البريطاني، أتبعه بتاريخ قوي على شاشات السينما، نرى "أنتوني هوبكنز" بروح شابة مغامرة
الأب The father | كيف تنقل مسرحية إلى السينما وتجمع بين جماليات الطرازين معًا
(بقلم/ صفية عامر)
بوستر فيلم the father |
بين السينما والمسرح
منذ اللحظة الأولى توقعت أن يكون
العمل مأخوذ عن مسرحية بنفس الإسم، وتأكدت بالبحث بعد المشاهدة.
أن تُحول مسرحية إلى فيلم ليس أمرًا هينًا على
الإطلاق، العرض المسرحي في أغلبه يعتمد على الديكور الواحد ونادرًا ما يتم تغييره
داخل نفس العرض. المسرح يعتمد في المقام الأول على الحوار، على عكس السينما لإنك
تنتقل تلقائيًا إلى الصور وزواياها، إلى الكادر وجمالياته وتأثيره، إلى الموسيقى
التصويرية أو الأغنية التي تحل محل الحوار وتكون بديلة لها في أغلب الأحوال.
لهذا حين يتصدى السيناريست لتحويل
عمل مسرحي إلى فيلم يجب أن يكون بارعًا بشكل كبير حتَّى لا يشعر المشاهد بالملل.
في المسرح يجب أن تجعل الضلع الرابع –الجمهور–
ملتصق بكرسيه، مشدود دائمًا للحوار والأداء الحي على خشبة المسرح، أمَّا في
السينما فالوضع يختلف قليلًا، إن لم تستطع جذب المشاهد سيتململ ويغادر قاعة العرض
وهو على ثقة أنه يستطيع استكمال الفيلم في أي وقت شاء إن قرر استكمال ما ترك.
بجانب أنَّه ليس لدى كل الجمهور
القدرة لمشاهدة العرض المسرحي، بسبب عنصري المال والمسافة، ولكن دور العرض
السينمائي تقطع المسافات وتكلفتها لا تقارن مع المسرح.
مسرحيات كثيرة أخذت طريقها إلى دور
العرض السينمائي لـ"شكسبير" و"موليير" وغيرهما، إمَّا بشكلها
التقليدي كما كتبت، أو بعدة معالجات مُلئت بها قاعات السينما شرقًا وغربًا وبكل
اللغات.
اقرأ أيضًا: فيلم The Father | هل يقود جنون أنتوني هوبكنز لفوزه بالأوسكار
نظرة عامة عن الفيلم
فلوريان زيلر مخرج الفيلم |
"فلوريان زيلر" من خشبة المسرح وجائزة "موليير" أرفع جوائز المسرح الفرنسي عام 2012، إلى دار العرض السينمائي بفيلم "الأب" لعام 2020. بدون موسيقى تصويرية سوى تلك المقطوعات الكلاسيكية القديمة، وفي ديكورين رئيسيين لا تبدو بينهما اختلافات كثيرة، أنت مع "أنتوني" ذلك الثمانيني الذي يعاني من الزهايمر وتختلط عليه الأماكن والأحداث والأشخاص، تختلط عليه تفاصيل الماضي والحاضر الخاص بنفسه وبإبنته والممرضة التي تعالجه.
انقسمت كل من شخصيات الإبنة والحبيب
والممرضة إلى اثنتين، وكأن "فلوريان زيلر" أراد لك كمشاهد أن تتجول في
عقل "أنتوني" لترى ما يراه، لتشعر بعقله المشوش وإدراكه الذي يأتي ويذهب
لتتوحد معه، حتَّى أنه قد ينتابك الخوف إن أصابك يومًا ما أصابه.
في تلك المساحة الضيقة من شقة
"أنتوني" لم تفارق "فلوريان" خبرته المسرحية، فنقلها إلى قاع
السينما، وجعل من المشاهد ضلعا رابعًا في صالة العرض، إمَّا بالصمت أو بالحوار الذي
دار على لسان باقي الشخصيات وكأنه على لسانك أنت.
يتداخل الزمن بشكل مزدحم وغريب، بين
الماضي والحاضر واللحظة والتي تليها على الشاشة وفي عقلك كمشاهد، تصيبك الدهشة
وربما يتشوش عقلك وهو ما نجح فيه "فلوريان" بشكل قوي لتشعر بعظم ما
يواجهه "أنتوني" وما يتسبب به مرض الزهايمر للمريض نفسه ولأسرته.
يبدو أن في جعبة "أنتوني
هوبكنز" الكثير من مهارات التمثيل. يؤدي باستمتاع وكأنه يعزف على أدواته لحنًا
بديعا.
هو ينتمي لمدرسة "ستانسلافسكي" في
الآداء والتي تقول أنَّ على الممثل أن يرى الشخصية التي يؤديها من الداخل. أن
يتماهى مع تفاصيلها الدقيقة حتَّى يتوحد تمامًا معها ويبتعد عن الغلو أو المبالغة.
أن يجيد توظيف أدواته من العيون ونبرات الصوت
للتعبير والتنقل بينهما بسلاسة دون أن ينفصل المشاهد عن التفاعل مع الشخصية أثناء
المشاهدة.
رغم احترافيته لأكثر من ستين عامًا،
وتاريخ عريق على خشبة المسرح البريطاني، أتبعه بتاريخ قوي على شاشات السينما، نرى
"أنتوني هوبكنز" بروح شابة مغامرة يكشف عن مستوى آخر من دروس التمثيل
وإن شئنا الدقة "التشخيص" الدقيق لمريض الزهايمر ويقدم واحد من أجمل
المشاهد المؤثرة في ختام الفيلم.
وهنا لا ننسى الممثلة "أوليفيا
كولمان" والتي قدمت شخصية "’آن" إبنة العجوز بمهارة، وهي تتنقل
بمهارة وبساطة بين مشاعرها المختلطة تجاه أبيها المريض ورعايته وتجاه حياتها
الخاصة التي تريد أن تجد لها مكان.
اقرأ أيضًا: دراماتيك | الBookman ودرجة حرارة 451 فهرنهايت
عليك مشاهدة الفيلم دول الخوض في
تفاصيل القصة، لإنها ليست قصة بالمعنى الكلاسيكي، من حيث الفكرة ثم الصراع أو
العقدة ثم الحل. لكنها أشبه بفترة زمنية تستحق التفكير والتأمل.
مشهد من الفيلم |
COMMENTS