يكون التمدد الصيني الاقتصادي في تلك الدول غاية في السهولة، إذ يوافق رغبة لدى تلك الدول في الخروج من التعثر الاقتصادي القاتل
أمريكا والصين | أثيوبيا ساحة معركة جديدة
(بقلم/ مولانا العارف)
آبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا |
التمدد الصيني
في مقال سابق بعنوان التنين الصيني يلتهم أفريقيا كان في نهايته سؤال! كيف سترد (أمريكا) على التمدد الصيني في أفريقيا، وتركنا الإجابة للقاريء العزيز على هذا السؤال، ونحن هنا في محاولة استقرائية جديدة للإجابة عن هذا السؤال، وفي هذه المحاولة لابد من ربط بعض الأحداث ببعضها لمحاولة فهم كيف سيكون الرد الأمريكي على التوغل الصيني.
اقرأ أيضاً: التنين الصيني يلتهم أفريقيا | الصدام الأمريكي القادم
كان من هذه الأحداث التي لابد النظر إليها بإمعان وتدقيق، هو الحرب الأهلية التي تشنها حكومة "آبي أحمد" على إقليم (التغراي)، لما لها من أهمية شديدة في فهم الرد الأمريكي على (الصين) ووقف تمديدها في أفريقيا، من الأمور التي يجب الإنتباه لها أن (الصين) في تمددها الأولي في أي منطقة حول العالم؛ تبدأ بالتمدد الاقتصادي، ثم يليه بعد ذلك التمدد العسكري والذي يأتي متأخراً بفارق كبير عن الاقتصادي، وحتَّى أن جاء مصاحب له فلا يكون بشكل مباشر بالصيغة العسكرية المشهورة من إقامة قواعد عسكرية وإرسال قوات من الجيش، ولكن يأتي في شكل قاعدة اقتصادية يديرها عسكريين في لباس مدني، وذلك لمحو شبة العسكرة لحين أجل محدد، لذا يبدو التمدد الصيني في شكل اقتصادي بحت، وهو الأمر الذي يصعب مهمة (أمريكا) في الرد على هذا التمدد إذ أنَّ أغلب الدول التي تتمدد فيها (الصين) هي من الدول المهجورة اقتصاديا على المستوى العالمي والأمريكي تحديداً، بل بعضها من الدول المنبوذبة عالمياً مثل (إيران) على سبيل المثال، لذلك تكون المواجهة المباشرة مع (أمريكا) غاية في الصعوبة.
يكون التمدد الصيني الاقتصادي في تلك الدول غاية في السهولة، إذ يوافق رغبة لدى تلك الدول في الخروج من التعثر الاقتصادي القاتل ومحاولة التطلع إلى مستقبل أفضل للدولة وللشعب، بالتالي يكون مرحب بـ(الصين) في تلك الدول التي يقع الكثير منها تحت حصار اقتصادي عالمي أمريكي أو نبذ عالمي أمريكي بسبب الغضب من حكوماتها، وأيضاً هناك بعض الدول تحديداً في أفريقيا قد ضعفت اقتصادياً نتيجة النهب المستمر لثرواتها عن طريق المستعمر وغالباً الفرنسي، والذي لم يسعى ولو لمرة واحدة لتطوير اقتصاديات تلك الدول لزيادة الاستفادة من ثرواتها، وإنما كل تركيزه على تجريد تلك الدول من خيراتها بشكل مستمر، مما يدفع تلك الدول من قبول العرض الصيني للتطوير والتنمية الاقتصادية تحت أي شروط، و(الصين) أثناء فرض تلك الشروط تتعامل بشكل يبدو غير استعماري أو ساعي إلى امتصاص خيرات تلك البلاد، إنما في شكل موقف متكافئ بين الدولة وبينها من حيث تبادل المصالح، لذا لا يثور الشك ولو للحظة واحدة في نفوس تلك الدول من أغراض (الصين)، لذلك تفتح لها الباب على مصرعيه للتنمية الاقتصادية مما يسهل حركة (الصين) داخل تلك الدول.
لكن تظل المعضلة والمشكلة قائمة فـ(أمريكا) لا تريد تمدد (الصين) في تلك الدول للحفاظ على التفوق الأمريكي عسكرياً واقتصادياً في كل مكان في العالم، وكذلك القوى الاستعمارية القديمة (فرنسا) كانت أو (بريطانيا) لا تريد أن تتمدد (الصين) في تلك الدول حتى لا تزيحها وتكون هي البديل في استغلال ثروات تلك الدول، وأيضاً (الصين) بما تحلم به من أحلام إمبراطورية توسعية لن تتخلى عن التمدد في تلك الدول، من هنا يشدد الصراع بين (الصين) و(أمريكا) من ناحية وبين (الصين) والدول الاستعمارية (بريطانيا، فرنسا، بلجيكا..الخ) من ناحية أخرى، وذلك الصراع يقع خارج حدود تلك الدول وعلى أرض دول أخرى هي ساحة ذلك الصراع الذي أرى أنه لن ينتهي إلا بأحد الخيارين، الخيار الأول هو بقضاء (الصين) على تلك الدول مجتمعة (أمريكا والقوى الاستعمارية) أو القضاء على (أمريكا) منفردة ومحاولة إخضاع باقي الدول إلى تفاهمات جديدة، والخيار الثاني أن تقضي تلك الدولة على (الصين) ومن ثم تعود إلى سابق عهدها منفردة بإدارة تلك الدول والاستفادة من ثرواتها ومن ثمة إدارة النظام العالمي كما كان بعد الحرب العالمية الثانية حتَّى صعود (الصين)، لذلك نحن أمام صراع وجودي يمثل حياة أو موت فعلياً لمجموع تلك الدول..
فمن ينتصر؟! هذا أمر لا يهم الآن
وغير معروف إلى أين سيصل الصراع، لكن كل ما علينا هو محاولة النظر والمشاهدة لأحوال
بعض تلك الدول التي يقع على أرضها الصراع ومحاولة
ربط ما يحدث في تلك الدول من أحداث جسام بهذا الصراع، ونستعرض هنا نموذج (أثيوبيا)
كساحة للصراع بين (الصين) من ناحية و(أمريكا) والقوى الاستعمارية من ناحية أخرى.
اقرأ أيضاً: أمريكا والصين | طبول الحرب
حجم الاستثمارات الصينية في اثويبيا
يقول "جيتاهون نجاش"، مدير
قسم العلاقات العامة بمفوضية الاستثمار الإثيوبية أنَّ تاريخ الاستثمار الصيني في (إثيوبيا)
يمتد إلى 1998م، وحالياً أغلب أنشطة مشاريعها الاستثمارية التي تقدر بنحو 50 – 60
في المائة تنخرط في قطاع التصنيع وعدد قليل في قطاع البناء والعقارات. والمستثمرين
الصينيين في الوقت الراهن يستثمرون في (إثيوبيا) على نوعين وهما الاستثمار الصافي
والاستثمار المشترك.
ووفقاً له، فإن حوالي 993 من
المشاريع الصينية قد حصلت على ترخيص استثماري للاستثمار الصافي في البلاد ومنها
525 (أكثر من 50 في المائة) في مرحلة التشغيل ( قد بدأت الإنتاج أو إعطاء الخدمات)
ونحو 115 من المشاريع في مرحلة التنفيذ. وأن 353 من المشاريع الباقية في مرحلة ما
قبل التنفيذ ومن المتوقع أن تنخرط في الأنشطة الاستثمارية في وقت قريب.
و332 من أصل 525 من المشاريع
الإجمالية التي هي في مرحلة التشغيل منخرطة في قطاع التصنيع حيث يوجد حوالي 83
مشروعا في قطاع العقارات، وتأجير الآلات والمعدات وكذلك حوالي 65 من المشاريع في
قطاع البناء وحوالي 10 مشاريع صينية في قطاع الصحة.
وأشار المدير إلى أنَّ إجمالي رأسمال المشاريع الصينية لدى بداية الاستثمار في البلاد كان أكثر من 940 مليون دولار أمريكي في مرحلة التشغيل فقط باستثناء المشاريع في مرحلة التنفيذ وما قبل التنفيذ. وحاليا، قد تجاوز هذا العدد أكثر 40 مليارات بر (أكثر من 1.880 مليار دولار أمريكي) وساهم أيضاً في خلق فرص عمل لحوالي 98 ألف من المواطنين الإثيوبيين.
مولت (الصين) نظام السكك الحديدية
الذي تبلغ قيمته 475 مليون دولار في العاصمة وكذلك الطريق الدائري الذي تبلغ
تكلفته 86 مليون دولار.
وأشرفت الشركات الصينية على إنشاء
أكثر من 50 ألف كيلومتر من الطرق الجديدة منذ عام 2000.
وعلى رأس مشاريع (الصين)، يأتي مشروع
سكة حديد إثيوبيا-جيبوتي بطول 750 كم وبتكلفة 3.4 مليار دولار الذي افتتح في عام
2016. كما وفرت حوالي 70 % من الأموال من قبل بنك
Exmin الصيني.
ووصل الأمر أن عينت (إثيوبيا) ضباط
اتصال ناطقين بالصينية لتسهيل الاستثمارات التي تأتي بها بكين للبلاد.
رئيس إقليم التجراي |
وعلى إثر الحرب الدائرة قامت (الصين)
بحسب مئات العاملين لديها من (إثيوبيا) وتحديداً إقليم (التغراي) الذي تدور رحى
الحرب على أرضه، وهي حرب بدأت ولن تنتهي بسرعة كما يشيع "آبي أحمد"
فالخلافات العرقية بين (التغراي والأورمو) قديمة بقدم عمر (إثيوبيا) الحديثة من
بعد هيلا سيلاسي أي منذ قرابة ال 60 سنة، بل إنَّ أغلب العرقيات الإثيوبية بينها وبين
"التغراي" عداوة وأيضاً بينها وبين (الاورمو)، وبينها وبين بعضها البعض،
لذلك الحرب هي حرب عرقية تاريخية لن تنتهي سريعا بل مرشحة للاستمرار مدة أطول بل
وقد تطال عرقيات أخرى وأمكان أخرى مثل (إريتريا) و(السودان) وباقي اماكن العرقيات
الإثيوبية.
من هنا ومن حجم الاستثمارات الصينية وحجم التمدد لابد أن ترى بصمات (أمريكا) وباقي القوى الاستعمارية المضادة للـ(الصين) وهذه التحركات وإشعال الحرب لما يكن وليد يوم أو ليلة، بل هو مرتب بتصعيد "آبي أحمد" إلى الحكم وهو من عرقية (أورمو) والتي تمثل 35% من الإثيوبيين ويحارب عرقية (التغراي) والتي تمثل 7% من الإثيوبيين و55% من الايتريين، بل وإعطائه جائزة نوبل للسلام ولست أدري أي سلام حققه "آبي أحمد" لينال هذه الجائزة. عموماً كانت تلك محاولة للفت النظر أنَّ ما يحدث في "إثيوبيا" ليس وليد الصدفة ولا بدون تدخل خارجي وإنَّما أمر مُدبر له منذ فترة، ومخطط له لوقف التمدد الصيني في أفريقيا من قِبَل (أمريكا) وباقي أذناب النظام العالمي والقوى الإستعمارية التي توافقت على تسعير الحرب الأهلية في (إثيوبيا) لفشلها في مواجهة (الصين) اقتصاديا أو وقف تمددها وهكذا سنرى كل يوم جديد في كل منطقة تتمدد في (الصين) وسنرى حروب ونزاعات عرقية بين أبناء البلد الواحد أو الدول بعضها البعض، أو حتَّى من الوافد الجديد على أفريقيا (داعش) ولنا وقفة معها قريباً لتسليط الضوء على تمددها في أفريقيا وعن ما تقوم به في دول القارة السمراء.
اقرأ أيضاً: أمريكا والصين | التحضيرات الأمريكية لحرب الصين
قد تستغرب من وجهة النظر هذه وقد تشعر أنها تدور في فلك نظرية المؤامرة، لكن لكي تتأكد من صحتها عليك قراءة مقال الاستراتيجية الأمريكية في مواجهة (الصين) ففيه ما يكفيك وزيادة لترى البصمات الأمريكية خلف ما يحدث في (إثيوبيا) وهي جزء أعلنته (أمريكا) فيما نشرته على موقع الخارجية الأمريكية، حيث اعتبرت (أمريكا) أنَّ أي مكان تتواجد فيه (الصين) هو ساحة حرب ولها أن تقوم بالإجراءات التي تقودها إلى النصر في هذه الحرب.
COMMENTS