الصراع في بحر الصين الجنوبي دموي بل وشديد الدموية، وذلك منذ أن قررت (الصين) أنَّه ملكية خالصة لها بلا منازع ولا شريك

بحر الصين الجنوبي | بحر الظُلمات

(بقلم/ مولانا العارف)

بحر الصين الجنوبي

بحر الظُلمات

إذا كان ما يحدث الأن في (قناة السويس) من شحوط سفينة شحن عملاقة أدت إلى إغلاق الممر الملاحي الأهم في العالم في وجه حركة التجارة العالمية، بل تسببت في خسائر فادحة للتجارة العالمية؛ مع توقع بارتفاع بعض أسعار السلع نتيجة طلعت سفن الشحن وتأخر مواعيد التسليم خصوصًا في مجال النفط؛ حيث أنَّ (قناة السويس) يمر فيها حوالي 10% من تجارة العالم بين الشرق والغرب؛ إلَّا أنَّ ذلك الأمر هين وبسيط مقارنة بما قد يحدث في حال نشوب أي صراع في بحر الظلمات (بحر الصين الجنوبي) ذلك لخطورة تلك المنطقة وحساسيتها الشديدة عالميًا وتجاريًا واقتصاديا بل وعسكريًا وسياسيًا، هذا البحر الذي يُعتبر بمثابة بحر ظُلمات أو بحر نار إذا ما اشتعل فيه الصراع، وهو صراع قابل للإشتعال في لحظة، وكاد أن يشتعل مرات عديدة في خلال العقدين الأخيرين، فما هي أهمية هذا البحر ولماذا تتسابق الدول في السيطرة عليه وما هو الصراع المتوقع نشوبه في أي لحظة؟! هذا ما سنحاول الإجابة عليه في الأسطر القليلة القادمة..

اقرأ أيضًا: الأجواء المثالية للحروب العالمية | دليلك المصغر لفهم الحروب الكبرى

ما هو بحر الصين الجنوبي وأين يقع؟!

هو بحر هامشي مُتجزئ من المحيط الهادي، يشمل المنطقة من (سنغافورة) و(مضيق ملقا) إلى (مضيق تايوان)، ومساحته تقارب 3,500,000 كم2.

تطل عليه مجموعة من الدول المتنازعة فيما بينها على السيادة عليه منها (الصين، تايوان، الفلبين، ماليزيا، أندونيسيا، تايلاند وفيتنام، بورناي).

يتكون من عدة مئات من الجزر يدور فيها صراع منذ عقود طويلة.

حاملات طائرات أمريكية في بحر الصين الجنوبي

أهميته الاقتصادية والتجارية

هو واحد من أهم الممرات الملاحية في العالم، أقصر الطرق التي تصل بين المحيطين الهادئ والهندي، ناهيك عن كونه يمتاز بوجود أكثر خطوط الملاحة ازدحامًا بحركة السفن في العالم، إذ أنَّ نصف ناقلات النفط العالمية تمر عبر هذا البحر، وخصوصًا النفط الآتي من الخليج إلى دول جنوب آسيا، ومن المتوقع خلال السنين القادمة أن يمر خلاله حوالي 90% من انتاج النفط في الشرق الأوسط.

يمر فيه حوالي ثلث تجارة العالم بقيمة تتراوح ما بين 5 إلى 6 تيريلون دولار سنويًا، ويُعتبر من أهم مناطق الصيد العالمية إذ يوفر قرابة 12% من الأسماك التي يتم اصطيادها عالميًا.

يُعتبر واحد من أغنى المناطق بالثورات المدفونة في قاعه والتى ما تزال بكرًا حتَّى الآن.

تشير تقديرات إدارة معلومات الطاقة إلى أنَّ بحر الصين الجنوبي يحتوي على 11 مليار برميل من النفط و190 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، مصنفة على أنها احتياطيات مؤكدة أو محتملة، وهو ما يقترب من حجم الاحتياطيات النفطية المؤكدة لدى (المكسيك)، وثلثي الاحتياطيات المؤكدة من الغاز الطبيعي في أوروبا (باستثناء روسيا).
التقديرات الصينية أكثر تفاؤلاً. فمثلاً تشير تقديرات مؤسسة النفط الوطنية الصينية (CNOOC)  إلى أنَّ بحر الصين الجنوبي يحتوي على 125 مليار برميل من النفط الخام و500 تريليون قدم مكعبة من الغاز.

كان هذا توضيح سريع جدًا عن أهمية بحر الصين الجنوبي من النواحي التجارية العالمية والاقتصادية، والتي بدورها سوف تنقلنا إلى الأهمية السياسية والعسكرية.

اقرأ أيضًا: أمريكا والصين | التحضيرات الأمريكية لحرب الصين

الصراع

بكين تجري تدريبات في بحر الصين الجنوبي

الصراع في بحر الصين الجنوبي دموي بل وشديد الدموية، وذلك منذ أن قررت (الصين) أنَّه ملكية خالصة لها بلا منازع ولا شريك، وذلك منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي؛ حيث حدثت عدة حوادث عسكرية ما بين (الصين) وبين جيرانها.. منها طرد أسطول (الفلبين) وقتل عشرات الجنود الفيتناميين الذي حاولوا الاستيلاء على بعض الجذر الغير مأهولة فيه، ومنذ هذا الوقت وبعد تلك الحوداث؛ تفرض (الصين) سلطتها وسطوتها على هذا البحر متجاوزة بذلك الأعراف والقوانين البحرية.

كان هذا في سبعينات القرن الماضي أي مع بداية صعود (الصين) إلى الساحة العالمية فما بالك بما يحدث هناك الأن بعد تمام صعود (الصين) عالميًا في كل الأصعدة العسكرية والسياسية والاقتصادية!

اترك لك أن تتخيل مدي سطوة (الصين) الأن، وإليك بعض المعلومات البسيطة عن سطوتها على بحر الصين الجنوبي، قامت (الصين) بإقامة جذر صناعية تربط بها بين الجزر الطبيعية وحولتها إلى قواعد عسكرية ومطارات حربية، ومخازن أسلحة وقواعد إنطلاق طائرات وإمداد وتمويل غواصاتها وسفنها المنتشرة في البحر، بالإضافة إلى تسيير دوريات عسكرية بالقطع البحرية أو الطائرات الحربية بطول وعرض بحر الصين الجنوبي.

الخلاصة أنَّ (الصين) قامت بعسكرة البحر تمامًا باعتباره جزء من أراضيها وهذا الأمر هو الأن محور الصراع الدائر في بحر الصين الجنوبي؛ إذ ينظر العالم والقوى الكبرى إلى ما تقوم به (الصين) من عسكرة أنَّه يُمثل تهديد حقيقي لمصالح العالم الاقتصادية والتجارية فكما قولنا أنَّ 30% من تجارة العالم تمر خلاله وهذا الرقم مرشح للارتفاع خلال العقود المقبلة مما يعني أنَّ من 30% : 50% من تجارة العالم و 90% من واردات نفط الشرق الأوسط و 65% من واردات الطاقة العالمية ستكون تحت تصرف (الصين) بشكل مباشر هذا بالإضافة إلى النفط والغاز ومصائد الأسماك في هذا البحر التي ستكون تحت سيطرة (الصين).

هل تتخيل كم وحجم القوة التي ستمتلكها (الصين) في حالة دنت لها السيطرة المطلقة على ما سبق!

أمر مرعب ليس للغرب فقط ولكن للعالم كله، لذلك الصراع في بحر الصين الجنوبي على أشده بل وقابل للاشتعال في أي لحظة، ومرشح في الفترة المقبلة أن يشتعل بشكل كبير، ومعرفة مدى انزعاج العالم وشعوره بخطر داهم من سيطرة (الصين) على هذا البحر.

اقرأ أيضًا: أمريكا والصين | طبول الحرب

تصريحات عن خطورة هذا الأمر

نائب الرئيس "بنس" في قمة شرق آسيا العام الماضي: "إنَّ قيام (الصين) بعسكرة بحر الصين الجنوبي وتوسعها الإقليمي فيه أمر غير شرعي وخطير." وأضاف "إنه يهدد سيادة العديد من الدول ويعرّض ازدهار العالم للخطر." وتحاول (الصين) السيطرة على المياه باستخدام قوارب الصيد التي تشكل جزءًا من الميليشيا البحرية الصينية وسفن خفر السواحل والسفن البحرية لمضايقة قوارب وسفن الدول الأخرى، وترفض إتاحة الوصول إلى هذه المنطقة الرئيسية.

وقد أفاد مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أنَّ التحليل الأخير الذي أجراه عن طريق الأقمار الاصطناعية يوضح أنَّ أساطيل الصيد الصينية تشارك في أعمال شبه عسكرية نيابة عن الدولة بدلًا من أن تقوم بالمهام التجارية لصيد الأسماك.

بومبيو: "لا يمكن السماح للصين بأن تنظر إلى بحر الصين الجنوبي على أنه امبراطوريتها البحرية".

الأدميرال "هاري هاريس" قائد قيادة المحيط الهادئ “العسكرية الأمريكية لن تقبل سيطرة )الصين( على المنطقة رغم قيام الأخيرة بإنشاء العديد من الجزر الاصطناعية ذات القدرة على استضافة الطائرات العسكرية".

وقال "هاريس": "لن نسمح بإغلاق الممرات والمناطق المشتركة من جانب واحد مهما كان عدد القواعد التي شيدت على جزر اصطناعية في بحر الصين الجنوبي سنتعاون عندما نتمكن من ذلك ولكننا سنكون مستعدين للمواجهة عندما يكون ذلك ضروريا."

"أنتوني بيلينكن" أعرب عن قلقه بشأن القانون البحري الصيني خلال محادثة هاتفية مع نظيره الياباني "توشيميتسو موتيغي".

وأكّد "بلينكن" أنّ جزر سينكاكو في بحر الصين الشرقي، التي تُطالب بها (بكين) أيضاً وتطلق عليها اسم دياويو، تخضع لمعاهدة أمنيّة تُلزم (الولايات المتحدة) و(اليابان) بالدفاع عن بعضهما البعض..

الرئيس الفلبيني "رودريغو دوتيرتي متحدثا عما دار بينه و بين الرئيس الصيني"

لقد قلت له، هذا حقنا. سوف نقوم بالتنقيب عن النفط هناك. ولكنه رد قائلاً، نحن أصدقاء ولا نريد أن نتشاجر معكم.. نرغب في الحفاظ على الدفء الذي تتسم به علاقتنا الحالية، ولكن إذا أقدمتم على التنقيب عن النفط هناك، سندخل معكم في حرب.

مما سبق يتضح مدى أهمية وخطورة بحر الصين الذي في لحظة واحدة أو مع طلقة طائشة سوف يتحول إلي بحر من الظلمات تغرق فيه القوى الكبرى ويغرق فيه اقتصاد العالم وتجارته ويشعل حرب عالمية في أي لحظة..

لنا عودة من جديد مع بحر الظلمات منعًا للإطالة.